رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفقر فى فرنسا!



العطلة، هى فترة زمنية يتوقف خلالها الأفراد أو المؤسسات عن العمل، ويتم تخصيصها للمتعة، الرَّاحة أو الاسترخاء. وللمحرومين منها، تقيم منظمة «الإغاثة الشعبية الفرنسية»، غير الحكومية، يومًا سنويًا، تنتهزه فرصة للتأكيد على أن نسبة كبيرة من الفرنسيين يعانون أوضاعًا معيشية صعبة، وأن حياتهم بعيدة تمامًا عن اللون الـ«بامبى» ومشتقاته!.
العطلات أو الإجازات «تمثل مشكلة» لدى قطاع كبير من الفرنسيين. وبحسب استطلاع سبق أن أجرته شركة «إيبسوس» لصالح المنظمة نفسها، ونشرت نتائجه فى سبتمبر الماضى، فقد أقر ٤١٪ أنهم يجدون صعوبة فى الإنفاق على عطلة، أو إجازة، مرة واحدة فى العام. غير أن الأهم من ذلك، هو أن ٢١٪ ممن شملهم ذلك الاستطلاع، أى واحد من كل ٥ فرنسيين، قالوا إنهم لا يمكنهم أن يوفروا لأنفسهم ٣ وجبات يوميًا. وقال ٢٧٪ منهم إنهم لا يستطيعون شراء فواكه وخضروات يوميًا. وكان رأى ٨٦٪ أن عدم القدرة على تأمين الغذاء مؤشر على الفقر.
الفرنسيون يعتبرون الشخص فقيرًا عندما يكون دخله الشهرى أقل من ١٢٠٠ يورو. وقبل أن يقودك شيطانك إلى تحويل الرقم إلى الجنيه المصرى، قطع الاستطلاع عليك الطريق بإشارته إلى أن نصف الفرنسيين الذين لا يزيد دخلهم الشهرى على ١٢٠٠ يورو قالوا إنهم يعانون من صعوبات فى دفع ثمن الوجبة المدرسية لأبنائهم. وأكد نحو ٤٨٪ منهم أنهم يواجهون صعوبات فى الحصول على أغذية متنوعة. وشكا نحو ٣٣٪، أى واحد من كل ٣ فرنسيين، من عدم قدرتهم على تسديد ثمن العلاج الذى لا يغطيه التأمين الصحى. وتوقّع ٨٠٪ أن يعانى أبناؤهم، أو الجيل القادم، أوضاعًا أسوأ من جيلهم.
هذا ما قاله الاستطلاع، الذى تم نشر نتائجه، كما قلنا، فى سبتمبر ٢٠١٨. أما الأربعاء الماضى، وعلى هامش «يوم المحرومين من العطلات» الذى أقيم بمدينة «دوفيل»، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ديديه باريانى، نائب رئيس المجلس الإقليمى بـ«إيل دو فرانس»، أنّ «٣٣٪ من الأطفال فى فرنسا لا يتمتعون بالعطلة». أما هنرييت شتاينبرج، الأمينة العامة للمنظمة، منظمة «الإغاثة الشعبية الفرنسية»، فقفزت كعادتها، خطوة أو اثنتين إلى الأمام، وقالت إن هناك تزايدًا فى أعداد الفقراء «بأشكال لم تعهدها فرنسا من قبل».
الفقر، كما أعلنت «شتاينبرج» فى مؤتمر صحفى، يطال «كبار السن» بشكل خاص، بسبب الانخفاض المبالغ فى المعاشات التقاعدية. بالإضافة إلى أن كثيرين منهم ضمنوا قروضًا لأبنائهم وبات عليهم دفعها عندما لم يتمكن الأبناء من السداد. كما أشارت إلى أن الفقر يطال أيضًا أصحاب عمل صغارًا تعرضت أعمالهم للتصفية، وتم إغلاق حساباتهم، وباتوا يريدون الحصول على طعام لأولادهم. وطبقًا لما ذكره جان لوى دوران، المسئول بالمنظمة، فى المؤتمر الصحفى نفسه، فإن عدد الشباب الذين زاروا مقر المنظمة فى مدينة «دوفيل»، تحت وطأة الفقر، زاد حوالى ١٠ آلاف مقارنة بالعام السابق.
الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، سبق أن أدان، بنفسه، سياسته الاقتصادية والاجتماعية، حين اعترف، فى ديسمبر الماضى، بأن حكومته تدرك «الصعوبات التى يعانى منها الفقراء»، وحين أقر بـ«الحالة غير السليمة» التى لا يزال يعانى منها الاقتصاد الفرنسى، خلال محاولته امتصاص غضب المحتجين سواء من حركة «السترات الصفراء»، أو غيرها. صحيح أنه زعم أن تلك المشكلات تراكمت على مدار العقود الأربعة الماضية، إلا أنه أقر بأن حكومته لم تتمكن من معالجة تلك المشاكل واعترف بأنه يتحمل «جزءًا من المسئولية».
جانب من المشكلة، قد يعود أيضًا إلى الأزمة الاقتصادية التى عانت منها دول الاتحاد الأوروبى إجمالًا، خلال السنوات الماضية، وأثرت بشكل سلبى على سوق العمل، ثم على أنظمة الضمان الاجتماعى، التى تقلصت ميزانيتها تدريجيًا، ودفعت عددًا كبيرًا من النساء فى بريطانيا، مثلًا، إلى العمل فى «الدعارة» من أجل تغطية احتياجاتهن الأساسية. وكنا قد توقفنا، فى مقال سابق، عند تقرير صادم نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، فى ١٩ نوفمبر الماضى، ذكر أن بعض النساء، هناك، اضطررن إلى العمل فى «الدعارة» بسبب عدم كفاءة نظام الضمان الاجتماعى. ونقل التقرير عن إحداهن أنها اضطرت إلى قبول عرض لممارسة الجنس مقابل ٣٠ جنيهًا إسترلينيًا. وفى التقرير نفسه، نقلت BBC عن كارى ميتشل، من «تجمع بائعات الهوى»، أن معظم العاملات فى الدعارة أمهات يربين أطفالهن بمفردهن.
فى بريطانيا، دعا عدد من أعضاء مجلس العموم «البرلمان» إلى استحداث وزارة لـ«الجوع»، يكون هدفها مواجهة مشكلة «انعدام الأمن الغذائى». وهذا هو الحل الذى نراه مناسبًا لفرنسا، وباقى دول الاتحاد الأوروبى، خاصة بعد التبعات السلبية لـ«بريكست»، أو الطلاق البريطانى- الأوروبى، التى ستؤثر، قطعًا، على الجوانب الاقتصادية، الاجتماعية، وغيرهما.