رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«لله يا مُحسنين».. سبوبة التبرع من الشوارع إلى الإنترنت

جريدة الدستور

تكنّ سناء أحمد، 35 عامًا، تعاطفًا جمًا، تجاه جميع الشركات التي تعلن مسؤوليتها عن جمع التبرعات، لأجل الفقراء أو الأطفال المرضى، فكلما رأت إعلان لمؤسسة ما تجمع التبرعات بادرت بدفع مبلغ مالي، حتى وأن كان آخر ما تملكه.

تعمل الفتاه سكرتيرة بأحد الشركات الكبرى، وتفاعلت ذات مرة مع منشور على "الفيس بوك"، كتبته أحد المؤسسات الخيرية تطلب مساعدات مالية، لشراء ملابس ومصاريف للعلاج وغيرها.

قابلت ذلك الشاب، وأعطته تلك الملابس ومبلغ مالي، إلا أنها بحثت مرة أخرى على الصفحة، لتجدها تحولت إلى صفحة لبيع الملابس المستعملة بمبالغ مالية، وبعض التعليقات تتهم المؤسسة بالسرقة والنصب.

سناء، هي واحدة ضمن ضحايا كثيرون، وقعوا في براثن الصفحات والمؤسسات الوهمية التي تجمع التبرعات من المواطنين بدعوى التبرع بها لصالح الفقراء، ومن ثم الاستيلاء عليها والتربح من ورائها، بحسب ضحايا تحدثت «الدستور» معهم.

تقول سناء: «طلعوا مجموعة من الشباب بيجمعوا فلوس وهدوم للتبرع، وبعدين يأخدوا الفلوس، ويعيدوا بها تدوير الملابس، وبيعها على أنها مستعملة، والتربح من ورائها، وليس التبرع بها كما يدعون».

أحمد رياض، خبير السوشيال ميديا، أوضح أن الاحتيال والتسول عبر الانترنت يتم عن طريق المجموعات، وكذلك عن طريق الألعاب الأونلاين التي يلعبها البعض ببطاقتهم الائتمانية، الأمر الذي يجعلهم فريسة سهلة لهلاء المتسولين من خلال استعطافهم، ومن ثم النيل استدارجهم لدفع الأموال.

أسرة أخرى، كانت تدعي عدم القدرة على دفع إيجار المنزل الذي يقطنون به، نجحت في النصب على «منى سعيد»، 25 عامًا، تعمل بإحدى شركات الدعايا التي تواصلت معهم، وأعطتهم مرات عديدة مبالغ من المال على سبيل التعاطف بسبب منشوراتهم العديدة على صفحات التواصل الاجتماعي.

اكتشفت بمحض الصدفة، من أحد جيرانهم أنهم أسرة ثرية ولديهم عدة منازل، وعند مواجهتها لهم قال صاحب المنشور لها أنهم لم يجبروها على التبرع، واكتشفت بعد ذلك دخول هذه الأسرة لمجموعات مغايرة عبر صفحات الفيس بوك لطلب التبرعات بطرق أخرى.

وسبق وحذرت مباحث الانترنت، من تلك المنشورات، مؤكدة أنه لايوجد قانون محدد يجرم المتسولون عبر الانترنت، لكن هناك القوانين التي تعاقب المجرمين في حالات السرقة والاحتيال.

وأضافت، أن هذه العقوبات القانونية تحتاج إلى أدلة كافية لثبوت التهمة على الجاني، وحصول المواطن على حقه الأمر الذي يوصف بالصعب تحقيقه في كثير من حالات التسول الإليكتروني.

بدعوى التبرع لأحد الفقراء، سقط "خالد أحمد" 40 عامًا، مهندس مدني، في براثن النصب بحجة مساعدة الفقراء، بعد تفاعله مع منشور يطلب أموال للتبرع، وهدف من خلاله إلى كسب ثواب العطاء.

تواصل معهم عبر الأرقام التليفونية الموجودة على الصفحة، إلا أنه اكتشف أن هذه الأموال تذهب إلى بعض الأشخاص الذين ليس لهم أي صفة قانونية أو رسمية لجمع هذه التبرعات، مؤكدًا أنه أصابه الشك في هوية هذه الجهة وتوقف فورًا عن إرسال النقود لهم ليختتم قوله قائلًا: "لقيت إني أروح أتبرع لجهات معروفة أحسن".

"ياريت ماحدش يصدق الناس اللي بتكتب على الجروبات، ويطلبوا مساعدات" تقولها، إيمان درويش، 35 عامًا، والتي كان لها تجربة مع تلك المنشورات، والتي حدثت لأحد صديقاتها تعيش في دبي، وبعد دفع مبلغ مالي، اكتشفت بالنهاية نصب هذه الصفحات المروجة للتبرعات.

توضح أن أغلب الأفراد الذين يطلبون التبرعات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رجالًا متخفيين تحت ستار كونهم سيدات، مشيرة إلى أنهم يلعبون على وتر تعاطف المصريين لاسيما المقيميمن في الخارج نظرًا لحالتهم المادية المتيسرة، ويطلبوا منهم تحويل الأموال لسداد ديونهم المزيف.

الشيخ أحمد الترك، أحد علماء الأزهر الشريف، أوضح أن الدين الإسلامي حث على التبين، بقوله في آيات الذكر الحكيم"فتبينوا"، لذا فلابد من التحقق قبل إعطاء الصدقات وأموال الزكاة من الاحتياج الحقيقي لهؤلاء الأشخاص.

وتابع أن هناك الكثير من الفقراء المحتاجين الذين لايستطيعون الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يملكنوها وهم في الحقيقة الأشد فقرًا وعوزًا من غيرهم كما أنهم بالفعل الذين يستحقوا العطف والإحسان.

إيمان إبراهيم، 55 عامًا، ربة منزل، وأحد ضحايا التسول عبر الانترنت، والتي داومت لمدة عامين على دفع مبلغ مالي، لأحد المؤسسات الخيرية التي تعلن لنفسها على موقع "فيس بوك" ويكثر نشاطها خلال شهر رمضان.

بعد فترة كبيرة من دفع الأموال، تفاجئت السيدة بخبر القبض على صاحب تلك المؤسسة بدعوى النصب على مواطنين وجمع أموال للتبرع والتربح بها، وعدم ترخيص المؤسسة من الأساس.

في دراسة صدرت من الجهاز المركزي القومي للبحوث الجنائية عام 2017، كشف عن أن 1.5 مليون شخصًا، يتسولون في شوارع المحافظات، وجاءت القاهرة في المرتبة الأولى ضمن أخر إحصائية صادرة عن بعدد 4333 متسولًا.

واحتل الأطفال العدد الأكبر بمجموع 21 ألفًا و650 طفلًا متسولاً، يليهم نسبة المسنين ويبلغ عددهم 11 ألف متسول، و6320 امرأة متسولة و1140 شابًا متسولًا من 30 إلى 40 عامًا والباقى من فئات عمرية مختلفة.