رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أساس فكرة المواطنة المصرية


لم تظهر فكرة المواطنة فى مصر بالمعنى المفهوم والمعروف إلا بعد وصول الحملة الفرنسية.
صحيح أنه كانت هناك بعض الإرهاصات للقيام على فكرة الدولة المصرية المستقلة، قام بها شيخ العرب همام فى الصعيد، فى محاولة منه للقيام بدولة مستقلة عن المماليك، ولكن المماليك أجهضوا محاولته.
جاء بعده على بك الكبير عام ١٧٦٣، واستطاع بالفعل إعلان استقلاله عن الدولة العثمانية، وأصبح سلطانًا لمصر، وسك النقود باسمه، ثم مد سلطانه إلى اليمن ومكة وفلسطين ودمشق، غير أنه لقى حتفه بمؤامرة دبرها له الأتراك بمعاونة أحد أتباعه وهو محمد بك أبوالدهب. غير أن تلك المحاولات لم يكن يعنيها من فكرة المواطنة سوى فكرة الاستقلال، كما أن تلك المحاولات لم تكن لديها الإطارات الفكرية أو التنظيمية أو السياسية عن نظم الحكم. ظل الأمر هكذا حتى جاءت الحملة الفرنسية.. فتحت الحملة الفرنسية والأفكار السياسية التى جاء بها نابليون من أوروبا أمام المصريين آفاقًا كثيرة، حيث تعامل مع طبقة المفكرين المصريين وهم من الشيوخ الأزهريين، باعتبارهم الطبقة المستنيرة إلى حد ما، وأدخلهم الفرنسيون فى عضوية المجمع العلمى الذى أسسوه لدراسة مصر من جميع النواحى.
كان أول ما جاء به نابليون بونابرت فكرة فصل الدولة عن الدين، وهى فكرة لم يتقبلها الشيوخ جيدًا، وذلك لثقافتهم الدينية المتأصلة فيهم.. وكانت الفكرة الثانية هى المثل العليا السياسية الجديدة التى جاء بها الفرنسيون من ثورتهم الفرنسية ومبادئها، والتى تدور حول فكرة العدل والمساواة.
وكانت تلك الأفكار جديدة وغريبة عن أذهان المصريين، وهو ما رآه المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى عن أنه بداية اختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب.
وعندما انهزم الفرنسيون وتأهبت قواتهم إلى الإبحار والعودة، كانت هناك أعداد من المصريين يتمسكون بالذهاب إلى فرنسا، وهؤلاء هم بعض أعضاء الجيش المصرى القبطى الذى أنشأه الجنرال يعقوب.. وبالفعل أبحر يعقوب بإحدى السفن ومعه بعض قواته وأركان فيلقه الذى أسسه من المصريين.
خلال رحلة العودة أظهر الجنرال يعقوب أفكاره وأملاها على الفارس لاسكاريس، هى الأفكار التى صاغها الأخير باعتبارها مشروعًا وطنيًا. وقد تحدث عن هذا الموضوع باستفاضة الدكتور محمد شفيق غربال فى كتابه الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر فى سنة١٨٠١م.
كما كتب عنه الدكتور لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث».. أيًا ما كان الأمر فإن الجنرال كان صاحب أول مشروع مصرى مكتوب، وإن كان يحاول تنفيذ فكرته بالتعاون مع الدول الأوروبية.. ونرى أن محاولة الجنرال يعقوب تنفيذ فكرته بالاستعانة بالدول الأخرى ليست جديدة تمامًا، فقد حاول ذلك الوالى محمد على.
ومن ناحية أخرى فإن الجنرال يعقوب هو أول من تنبه إلى فكرة الانقلاب العسكرى باستخدام قوات مدربة ومنظمة، جمعها من بين أفراد الشعب المصرى، وربما كان الجنرال يعقوب هو أول من فكر فى تجنيد الفلاحين المصريين فى جيش نظامى.
وهى نفس الفكرة التى أخذ بها الوالى محمد سعيد عندما فكر فى إنشاء جيش مصرى.. كان محمد على هو أول والٍ عثمانى ينفذ مشرعه الاستقلالى، ولكن بالطرق السلمية، وقد تجلت عبقرية محمد على كحاكم له رؤية استقلالية فى أنه:
- حارب الدولة العثمانية، رغم تبنى الدولة العثمانية فكرة الخلافة كنظام للحكم.
- حارب الوهابيين، كنظام إسلامى متشدد.
- أنشأ دولة مدنية علمانية.
وكان المشروع الذى تبناه محمد على هو بناء دولة حديثة فى مصر، وقد تولى مشروعه من بعده أولاده والحكام الذين خرجوا من نسله.. ارتكز مشروع محمد على على بناء جيش وطنى حديث، وإعادة تنظيم الإدارة والنهوض بالزراعة والصناعة العسكرية كأساس للدولة الحديثة من وجهة نظره.