رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إمبراطورية المستعمل.. هٌنا وُضعت أحلام الفقراء على «الشماعة» (صور)

جريدة الدستور

بمجرد أن تطأ قدمك داخل السوق، سرعان ما تصطدم أذنيك بأصوات البائعين عبر المكبرات الصوتية "البلوزة بـ7 جنيه والجزمة بـ10 جنيه"، لتحرك عينيك تلقائيًا تجاه العرض المسموع فتجد ملابس متراكمة مستعملة، والتي دائمًا ما تجد لها زبونها الخاص، بعضها فوق سيارة خشبية لا تتعدى مساحتها متر في متر، وبعضها وُضع مع قليل من العناية على شماعة عُلقت على سور السوق.



هنا سوق الجمعة، الذي أجرت "الدستور" جولة مصوّرة داخله، لعرض أبرز الأغراض والمتعلقات الشخصية التي لم تقتصر على الملابس فقط، وتُباع مستعملة بأسعار رخيصة للغاية داخل سوق الجمعة، وغيره من الأسواق الشعبية، وبالحديث مع تجار الأسواق الشعبية كشفوا عن سر المهنة، والأماكن التي يحصلوا من خلالها على الأغراض المستعملة التي أصبحت أساس لدى الفقراء.
معلمين سوق الجمعة: "بنبيع كل حاجة تتخيلها وبأسعار وهمية"

في مقدمة سوق الجمعة افترش عدد من كبار التجار في السوق، والمسؤولين عن تنظيم كل ما يدار بداخله من أمور البيع، جالسين على كراسي مخصصة لهم أمام كل شخص منهم النارجيلة خاصته، وبسؤال أحدهم عن مايوجد من بضائع في السوق قال: "كل حاجة تتخيلها موجودة شوف اللي انت عاوزه يا باشا، ومتقلقش من الأسعار".

أشعة الشمس أنهكت وجوههم فجعلتهم يمركزون مظلات شمسية، داخل اللوحات الخشبية المعروض عليها البضائع، منهم من وضعها على رأسه مباشرة لتحميه من الشمس الحارقة أثناء فترة البيع، والبعض صنع ستارًا واقيًا من ألحفة الأسِرَّة، وكلُ منهم له طريقته الخاصة في عرض بضائعه، وأسعاره المختلفة أيضًا.
"عندنا كاوتشات سعرها حلو لو محتاجها للعربية"، بتلك الجملة عرض علينا أحد البائعين في السوق بيع إطارات مستعملة للسيارات بسعر 150 جنيه فقط، مع العلم أن سعر الإطار الجديد يتعدى 1500 جنيه، وبسؤاله عن مصدرها أوضح أنه يبحث بشكل أسبوعي عن الإطارات غير المستخدمة، والهالكة التي ليس لها جدوى ثم يرسلها لإحدى الورش التي يتفق مع صاحبها على إعادة تجديدها لتظهر بهذا الشكل الحديث حتى يستطيع بيعها في السوق.

تاجر آخر يبيع التحف المستعملة، قال: "أبو الهول ب 20 جنيه بس، انت عارف ده بيتباع برا بكام"، موضحًا أنه يبيع جميع التحف بأسعار لا تتعدى نصف ثمنها الحقيقي، وعن مصدرها: "نشتري الفرز الثاني من البضاعة المتبقية في المصانع بالجملة، ونبيعها في السوق للأشخاص الذين يفضلون وضعها كديكور في منازلهم، وبأسعار تناسب جميع الفئات".

"احتياجات مطبخ البيت كلها عندنا من أول فناجين القهوة لحد البوتاجاز"، على فرشة أخرى داخل السوق وجدنا عدد من فناجين القهوة والأطباق بسعر 3 جنيهات، لكن يُلاحظ عليهم انشقاقات من الداخل، فكان السؤال للبائع هذه المرة عن كيفية بيعهم بهذه الحالة الرديئة، فرد قائلًا: "الناس بتيجي هنا وهي عارفة انها هتشتري الحاجة بحالتها دي، وسعرها بيبان عليها".

يقول البائع أنه يوجد فرز أول وثاني من الأطباق والفناجين، وكل نوع منهم له الزبون الخاص به، كما ظهر على فرشته بوتجاز قديم للغاية في الغالب لا يعمل، لكنه يُباع بسعر 40 جنيهًا، وبسؤاله عنه قال: "ده مش شغال يا باشا، بس ممكن تصلحه عند أي حد"، كما ظهر على الفرشة أيضًا عدة لوازم الأدوات الصحية مثل الحنفيات بأسعار لا تتعدى 3 جنيهات.
بائعة بواقي الطعام: "بلّف على الفنادق بليل أجمّع منهم الأكل الباقي"

تجلس الحاجة "زينب" على كرسي صغير في منتصف السوق، حاملة في يديها كيس من البلاستيك بداخله المال الذي تدخره من بيع بواقي الطعام، تضع أمامها صيجان حديدية واسعة تحتوي على مزيج من الحلويات الشرقية، وأخرى بها بعض أنواع البسكويت والجبن، وميزا حديد من الطراز القديم لتحديد حجم البضاعة المُباعة.

"بنزل الفجر من بيتي الف على الفنادق الكبيرة في القاهرة، وأجمع منهم بواقي الأكل علشان افرش في السوق الصبح وابيعه"، تقول السيدة الأربعينية أن مصدر رزقها اليومي هو بيع بواقي الطعام الذي لا يحتاج إلى رأس مال في شراؤه، وتبيع الكيلو منه بمبلغ قدره 20 جنيهًا، ليكون عبارة عن خليط من الحلويات الشرقية "بسبوسة – كنافة"، والكيلو من قطع البسكويت المتهالكة يساوي 15 جنيهًا.

تضيف زينب، إنها لجأت لبيع بواقي الطعام داخل سوق الجمعة حتى تستطيع تلبية احتياجات أطفالها الثلاث، خاصة بعد وفاة زوجها منذ عدة أعوام، متجهة إلى السوق لخلق فرصة عمل خاصة بها تعتمد على بعض الجنيهات التي تجنيها من بيع الطعام المجمع من مطاعم الفنادق الكبرى.
تجار الملابس المستعملة: "البنطلون بـ10 جنيه والقميص بـ7 جنيه"
افترش مجموعة من التجار داخل السوق متخصصين في بيع الملابس المستعملة، كُل منهم يبيع أغراض مختلفة يحتاج إليها المستهلكين من محدودي الدخل، فكانت وجهتنا الأولى في هذا الشأن عند فرشة الحاج محمد السيد، 52 عام، الذي خصص له مأوى محاط بالستائر المانعة لأشعة الشمس الحارقة، ليعرض به منتجاته التي تميزت برخص ثمنها.

"بنيع البنطلون القماش بـ10 جنيه، والبنطلون الجينز بـ15 جنيه فقط"، يقول السيد، أن هذه الأسعار هي الأقل مقارنة بباقي التجار داخل السوق، معبرًا في حديثه مع "الدستور" عن سعادته بإقبال الزبائن عليه دائمًا باحثين عن البضائع التي يفترشها، وعن الأغراض الأخرى "عندنا قمصان صيفي بـ7 جنيه بس".

تجلس زوجته على كرسي بجانبه لمساندته في أمور البيع، وتضع خلفها حبل من الغسيل مُعلق عليه بعض من البناطيل بشكل مرتب كنوع من أنواع عرض المنتجات، وبالحديث معها اتضح أنها هي المسؤولة عن الحسابات المالية لفرشة الملابس، بينما الزوج هو المسؤول عن شراء البضائع وإحضارها إلى السوق صباحًا.

وعن مصدر الملابس المستعملة، يقول" "نبتاع الملابس المستعملة من الجمعيات الخيرية التي تحصل عليها من خلال التبرعات"، موضحًا أنه يشتريها بالطن والكيلو مقابل أسعار رمزية يستطيع توفير الربح منها، مشيرًا إلى اتهام البعض بأن البضائع المعروضة داخل السوق تكون مسروقة ما هي إلا إدعاءات ملفقة، فالتجار في السوق يعانون طوال الوقت من عملية الشراء والبيع.

وجهتنا التالية كانت فرشة الحاج عطية، حيث تخصصت هذه الفرشة في بيع الأحذية المستعملة فقط بأقل الأسعار التي تخطف أنظار المارة فور رؤيتها، فالبعض منها ظهر عليه التآكل الشديد من كثرة الاستعمال، وبالرغم من ذلك يكون لها زبائنها المعتادة، فهم محدودي الدخل أو ليس لهم دخل من الأساس.

يقول عطية، في حديثه لـ"الدستور" أنه يعمل على تجميع تلك الأحذية من خلال مقالب القمامة التي تحتوي على العديد من تلك الأغراض، ثم يعمل على تصليحها حتى تعود إلى شكلها الطبيعي ليتمكن أيضًا من بيعها للزبائن، وعن السعر "الجزمة الجلد سعرها 25 جنيه، والجزمة القماش سعرها 15 جنيه".

بحسب أخر إحصاء لواردات الملابس المستعملة في مصر، أشارت تقارير منظمة التجارة العالمية عن حجم الملابس المستعملة الذي بلغ 5.2 مليون دولار، كما أكدت الغرفة التجارية بأن حجم هذه التجارة يزيد عن ذلك سنويًا، فهي تمثل نحو 40% من تجارة الملابس في مصر.

بائعي الأدوية المستعملة: "بنشتري الزائد عند الناس بنص التمن ونبيعه على الرصيف"
في حارة ضيقة بالقرب من منطقة إمبابة، ظهرت عربات خشبية صغيرة تحتوي على العديد من الأدوية المعروفة مثل المسكنات وعلاج السكر والضغط،تمتلكها إحدى السيدات التي ظهر عليها الرهبة حين تحدثنا إليها عن ماهية تلك الأدوية، خوفًا من ملاحقة الجهات الأمنية لها كما حدث معها في العديد من المرات السابقة.
توضح السيدة ماهية تلك الأدوية في حديثها مع "الدستور"، قائلة: "مفيش حاجة عندنا مجهولة المصدر أو مغشوشة، كل الأدوية رسمية وبتتباع في الصيدليات"، لكنها بثمن أقل بسبب استعمالها المسبق من قبل أصحابها، مشيرة إلى بحثها الدائم عن الكميات الزائدة من الأدوية عند المستخدمين لبيعها على الرصيف.

تذهب السيدة إلى منازل معارفها وجيرانها بشكل يومي حتى تتمكن من الحصول على الأدوية المتبقية لديهم، كما تحثهم على الدوام بضرورة توفير الكميات الزائدة لها مقابل نصف الثمن الأصلي له، موضحة رغبتها في العمل بهذا المجال خصيصًا: "مش كل الناس تقدر على تمن الأدوية دلوقتي، احنا بنبيعه بأسعار تناسب الجميع".
تجار الأثاث المستعمل: "كل لوازم البيت عندنا.. خلي الغلابة يتجوزوا"
على بعد أمتار من سوق الجمعة تجد محال متخصصة في بيع الأثاث المستعمل، والبعض منهم افترش الأغراض خاصته على الرصيف، وتشهد هذه المحال إقبال كبير من قبل الشباب المقدم على الزواج، بسبب عدم قدرتهم على شراء مستلزمات الزواج بأسعارها الحالية، لذا يبحثون عن وسيلة أخرى بأسعار أقل.

وبالحديث مع أحد تجار الأثاث في المنطقة، يقول محمد أشرف، 44 عامًا، أنه اختار ذلك المكان خصيصًا لعرض بضائعه لأن المنطقة حيوية، وبها العديد من الشباب والفتيات المقبلين على الزواج، موضحًا أنه يعتمد على سكان المناطق الراقية والمتوسطة في بيع أغراض الموبيليا خاصتهم مستعملة، حتى يستطيع تغليفها من جديد لتُباع في السوق.
وجهتنا التالية كانت فرشة الحاج عطية، حيث تخصصت هذه الفرشة في بيع الأحذية المستعملة فقط بأقل الأسعار التي تخطف أنظار المارة فور رؤيتها، فالبعض منها ظهر عليه التآكل الشديد من كثرة الاستعمال، وبالرغم من ذلك يكون لها زبائنها المعتادة، فهم محدودي الدخل أو ليس لهم دخل من الأساس.