رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منعم يغنى على فيتنام!


لماذا لا يذكر أحد فيتنام؟!
هذا السؤال كان عنوان مقال للدكتور عبدالمنعم سعيد، نشرته جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، أمس الأحد، جاء فيه أن فيتنام الموحدة أصبحت رأسمالية، والولايات المتحدة شريكًا تجاريًا رئيسيًا لها «ولم يعد معروفًا مَنْ الذى انتصر فى الحرب الفيتنامية على أى حال».
بثقة شديدة، نحسده عليها، أضاف رئيس مجلس إدارة جريدة «المصرى اليوم»، ورئيس مجلس إدارة ومدير المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية: «على أى الأحوال أصبحت حرب فيتنام بعيدة، ونادرًا ما تأتى فى السياق العام لأحاديث الحروب الكثيرة، بل إن الحرب لم تعد مثيرة لهوليوود لإنتاج أفلام عنها، بعد أن كانت شائعة لوقت طويل». و..... و..... و«درس مهم لم يتعلمه أحد من الحرب الفيتنامية، وهو أنه عندما تطول الحروب فإنه يأتى وقت لا يعرف فيه كثيرون لماذا ومتى بدأت، ولا لماذا وكيف انتهت؟».
لا يذكر أحد.. لم يعد معروفًا.. لم يتعلم أحد.. ولا يعرف كثيرون. بينما يقول الواقع إن حرب فيتنام لم تصبح بعيدة إلا عن بال الدكتور «منعم»، أو عن خياله الذى أوصله فى نهاية المقال إلى أنه «ليس مدهشًا أن أقدم صراعات المنطقة وأكثرها شهرة (يقصد الصراع الفلسطينى الإسرائيلى) هى الأقل تكلفة فى الضحايا والتدمير، مقارنة بما جرى فى حروب الشرق الأوسط الأخرى»، زاعمًا أنه «فى فلسطين لم يعد أحد يتذكر فيتنام، وإنما كيف يكون الاقتراب من علاقة تجعل العيش ممكنًا بأقل التكاليف».
لضيق المساحة، و«الخُلق»، لن نتوقف عند تلفيقات كثيرة حملها المقال، مكتفين بالإشارة إلى أننا حتى نقول، بمثل هذه الثقة، إن أحدًا فى فلسطين، أو فى غيرها، لم يعد يتذكر فيتنام، نحتاج أن نسأل الفلسطينيين، أو غيرهم، فردًا، فردًا، أو «نفر نفر». أما ما جعلنا نؤكد أن حرب فيتنام لم تصبح بعيدة إلا عن باله أو خياله، فهو أن ثلاثة كتب، على الأقل، صدرت عنها هذا العام، فى الولايات المتحدة، ورابع سيصدر عن دار «هاربر كولنز» منتصف أكتوبر المقبل.
ليس صحيحًا، أيضًا، أن «الحرب لم تعد مثيرة لهوليوود لإنتاج أفلام عنها»، لأن أى متابع جيد، أو نصف جيد، للسينما الأمريكية، يعرف أنها لم تتوقف عن إنتاج أفلام ومسلسلات، روائية ووثائقية، عن حرب فيتنام، أو تظهر تلك الحرب فى خلفية أحداثها، بينها فيلم، لا نعتقد أن صحفيًا، أو له علاقة بـ«الشغلانة»، لم يشاهده. ونقصد فيلم The Post، الذى أخرجه ستيفن سبيلبيرج وبدأ عرضه أواخر ديسمبر ٢٠١٧. وهناك، أيضًا، على سبيل المثال لا الحصر، أفلام My All-American (٢٠١٥)، American Pastoral (٢٠١٦)، Last Flag Flying (٢٠١٧)، Bad Times at the El Royale (٢٠١٨)، When We Last Spoke (٢٠١٩)، والمسلسل الوثائقى The Vietnam War (٢٠١٧) الذى يقع فى ٩٩٠ دقيقة!.
بهذه المناسبة السعيدة، نشير إلى أن «The Post» هو الاسم المختصر لجريدة «واشنطن بوست»، وأن أحداث الفيلم تدور حول قيام رئيس تحرير الجريدة، بِن برادلى «توم هانكس»، وناشرتها كاثرين جراهام «ميريل ستريب» بتحدى إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، ونشر وثائق سرية تخص وزارة الدفاع «البنتاجون»، تثبت أن إدارات أمريكية متعاقبة تعمدت إخفاء الحقائق بشأن حرب فيتنام، لإقناع الرأى العام بضرورة الاستمرار فى تلك الحرب الخاسرة.
فى ذلك الوقت، أى فى يونيو ١٩٧١، كانت «واشنطن بوست» مجرد صحيفة محلية «على قد حالها»، إذ لم يكن بوب وودورد وكارل برنستين قد فجّرا فضيحة «ووترجيت» التى أطاحت بـ«نيكسون». وفى ذلك الوقت، أيضًا، كانت جريدة «نيويورك تايمز» قد بدأت فى نشر وثائق «البنتاجون»، قبل أن تستصدر السلطات قرارًا قضائيًا بمنع النشر. وهنا، قرر «برادلى» أن ينتهز تلك الفرصة، وأقنع «جراهام» بمخالفة القرار ونشر الوثائق. وعليه، خاضت «واشنطن بوست» صراعًا قضائيًا مع البيت الأبيض، انتهى بأن تلقى الصحفيون، فى غرفة الأخبار، اتصالًا تليفونيًا ينقل لهم أن المحكمة العليا سمحت للجريدة بالاستمرار فى النشر، فيستقبلونه بالتصفيق، مع تصاعد موسيقى جون ويليامز المفرطة فى العاطفية.
متفرجون أو مشاهدون، استقبلوا هذا المشهد أيضًا بالتصفيق. وطبعًا، لم يكن بينهم الدكتور «منعم»، الذى أكد فى مقاله أنه لم يشاهد أو يسمع أو يقرأ أو يسمع عن الفيلم أو عن الكتب، الأفلام، أو المسلسل، التى أشرنا إليها، وقلنا إنها أمثلة وليست حصرًا. أما الدرس المهم الذى نتمنى أن تتعلمه، فهو أنه عندما تستسهل فإنه يأتى وقت لا يعرف فيه كثيرون لماذا ومتى بدأت الاستسهال، ولا لماذا وكيف تنتهى؟!. وربما تستجيب لنصيحة الأستاذ حسين رياض: «انت اللى حاتغنى يا منعم»، وحين تتركك «ليلاك» وتنام، لا تجد ما تغنى عليه غير فيتنام!.