رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفحة السودان الجديدة


بتوقيع «وثيقة الإعلان الدستوري» بين المجلس العسكرى الانتقالى وقوى الحرية والتغيير، تطوى دولة السودان الشقيقة صفحة فى تاريخها لتفتح صفحة جديدة، نتمنى أن يكون عنوانها الاستقرار السياسي، التعافى الأمني، والازدهار الاقتصادي.

ممثلًا عن المجلس العسكرى الانتقالي، قام الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، نائب رئيس المجلس بالتوقيع على الوثيقة. وعن قوى الحرية والتغيير، وقّع أحمد ربيع. ومع التوقعين، حملت الوثيقة توقيعات شهود الاتفاق: المهندس مصطفى مدبولى رئيس وزراء مصر، أبى أحمد علي، رئيس وزراء إثيوبيا، موسى محمد فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وعدد من السفراء.

بهذا الاتفاق الذى تم التوصل إليه، فى ٤ أغسطس الجاري، تنتهى نحو ثمانية أشهر من الاضطرابات التى بدأت بالإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، فى أبريل الماضي، بعد ٣٠ سنة من حكم السودان. وننتظر أن ينتهى أيضًا نظام البشير، الذى أتاح لجماعة الإخوان وما تفرع عنها من جماعات وتنظيمات، أن تتغلغل فى المؤسسات العسكرية والأمنية، وأن تحكم قبضتها على مفاصل الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، العامة والخاصة.

لا نرى، إذن، أى مبرر لموقف «الجبهة الثورية السودانية» التى رفضت «وثيقة الإعلان الدستوري» بزعم رغبتها فى مزيد من الضمانات. إذ إن كل الشواهد الظاهرة، إلى الآن، وكل خطوات وقرارات «مجلس البرهان»، قالت (وتقول) بوضوح إن المجلس متجاوب، إلى أقصى درجة، مع مطالب الشارع والقوى السياسية، بدءًا من تنازل عوض بن عوف، وزير الدفاع السابق، عن رئاسة المجلس، وليس انتهاءً بمطالبته القوى السياسية بالتوافق حول شخصية قومية تراها مناسبة لرئاسة الحكومة. وهو ما تحقق باختيار عبد الله حمدوك، الخبير الاقتصادى الذى عمل لفترة فى الأمم المتحدة. وبالطبع، سيكون على رأس قائمة أولوياته إصلاح الاقتصاد السودانى الذى يعانى من أزمة طاحنة، كانت بين أسباب الإطاحة بنظام البشير.

بالتوقيع النهائى على الاتفاق، أمس السبت، سيتم اليوم الأحد حل المجلس العسكرى الانتقالي، والإعلان عن أسماء الـ١١ عضوًا، أعضاء المجلس السيادي، الذى سيدير البلاد لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تنتهى بإجراء انتخابات. وطبقا للجدول الزمني، المتفق عليه، سيؤدى رئيس الوزراء اليمين الدستورية، يوم الثلاثاء، وسيتم تشكيل الحكومة فى ٢٨ أغسطس الجاري، على أن ينعقد أول اجتماع مشترك بين مجلس الوزراء ومجلس السيادة فى أول سبتمبر. وبعودتها إلى المسار الدستوري، تعود دولة السودان، أيضًا، إلى الاتحاد الإفريقي. إذ كان «مجلس السلم والأمن الإفريقي» قد عقد جلسة طارئة، فى ٦ يونيو الماضي، اختتمها باعتماد بيان قرر فيه تعليق مشاركة السودان بشكل فورى فى جميع نشاطات الاتحاد حتى إنشاء سلطة انتقالية بقيادة مدنية، باعتبارها السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.

فى تلك الجلسة، طالب الهيئة الحكومية للتنمية (إيجاد)، بالتواصل مع السودان، والوساطة بين الأطراف المتنازعة من أجل استعادة السلام والاستقرار. واستجابة لطلب المجلس، قام رئيس الوزراء الإثيوبي، الذى تترأس بلاده الدورة الحالية لـ«إيجاد»، بزيارة إلى الخرطوم، استمرت عدة ساعات، أجرى خلالها، والوفد المرافق له، لقاءات مكوكية مع المجلس العسكرى الانتقالى السودانى وقيادات المعارضة. ووقتها نقلت وكالة السودان للأنباء تأكيد الفريق أول عبدالفتاح البرهان على أن المجلس منفتح للجلوس والتفاوض للوصول إلى حل فى أى وقت. كما عبّرت قوى الحرية والتغيير عن قبولها الوساطة بشروط محددة.

بهذا الشكل، لا نبالغ حين نقول إن الاتحاد الإفريقى لعب دورًا بارزًا، واتخذ عدة خطوات مهمة، ساعدت فى الوصول إلى الاتفاق. وطبقًا لشهادة وإشادة موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد، فقد بذلت مصر ودول الجوار جهودًا كبيرةً ومخلصة لتحقيق الوفاق والتصالح بين جميع الأطراف السودانية للتوصل إلى ذلك الاتفاق، الذى أعربت الخارجية المصرية، فى بيان، عن ترحيبها به وعدّته «خطوة مهمة على الطريق الصحيح ونحو تحقيق الأمن والاستقرار فى البلاد». وأكدت على «دعمها الكامل لخيارات وتطلعات الشعب السودانى بكافة أطيافه، ومؤسسات الدولة باعتبارها المسئولة عن تنفيذ هذه التطلعات». وربما، تكون الإشارة هنا مهمة إلى أننا كثيرًا ما غضبنا من الدولة الشقيقة، حين كنا نراها ترتمى فى أحضان، مع مَن لا يريدون خيرًا، لنا أو لها.

إجمالًا، نحن أمام صفحة جديدة أو مرحلة جديدة، نتمنى أن يتمكن خلالها الأشقاء فى السودان من تجاوز أزماتهم السابقة والحالية، بأقل قدر من الخسائر، وأن ينجحوا من إدارة شؤون بلادهم على النحو الذى يلبى آمالهم وتطلعاتهم، دون مراعاة لأى ضغوط أو تدخلات خارجية. وقطعًا، لن يتحقق إلا برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتفكيك دولة «الإخوان» التى تغلغلت، كما أشرنا ونكرر، طوال عقود، وسيطرت على غالبية المؤسسات العامة والخاصة.