رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"هاربات من الجحيم".. أسرار خاصة عن الداعشيات التائبات

جريدة الدستور

كلما قرأت مسمى"داعش" تجسدت أمامك المشاهد الدموية والتعذيب، وكثير من مشاهد القتل بدون حساب، لكونهم معتبرين أنفسهم يد الله في الأرض، وفي كل وقت يمر يطورون من أساليبهم لاستقطاب أكبر عدد من الشباب للانضمام إلى صفوفهم.

يفعل داعش ذلك، رغبة في أن يصبحوا قوة عظمى لا يمكن التغلب عليها، فهم يلعبون على وتر احتياجات بعض الشباب وتوفيرها لهم، كالأموال والهجرة على سبيل المثال.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت النساء بين صفوفهن ما بين سبايا ومقاتلات، لكن كثيرًا منهن نجحن في الانفلات والانشقاق عن صفوفهم والعودة إلى بلادهم، إلا أن تلك العودة شكلت العديد من التساؤلات حول ماهية هؤلاء العائدات.

وانشقت الدراسات العربية والأجنبية والصحف كذلك حولهن، فما بين متعاطف مع أحوالهن وما عانوا منه من تعذيب بأبشع الوسائل، وما بين متخوفين من تجنيدهن كخلايا نائمة تنشط في وقت محدد وأن أمر عودتهن ما هي إلا خدعة لا يجوز الاطمئنان إليها.

"الدستور" في السطور التالية تعرض عددًا من الدراسات والكتب والمقالات العربية والأجنبية لتوضيح تلك المفارقة التي سطرها الكتّاب والباحثون، واستعانت في النهاية برأي خبراء لتوضيح رأيهم في فكرة عودة نساء من صفوف "داعش".

سبايا ومحظيات
"نساء داعش .. سبايا ومحظيات"، هو واحد من الكتب العربية، صاحبته الكاتبة أسماء مصطفى كمال، وهي مغربية الأصل، ظهر كتابها إلى النور في نوفمبر 2018، والكاتبة اعتمدت في كتابها على الحيادية في تقديم العائدات من "داعش".

وركزت على نساء الطائفة الأيزيدية، في فصل يتحدث عن ضحايا الأسر، فالمعاملة معهم كالسلعة التي تباع وتشترى، وآخر عن سيدات ذهبن بمحض إرادتهن للانضمام إلى تلك الصفوف الإرهابية، وآخر عن المجندات اللاتي تم إقناعهن بالسفر للانضمام لهم، وفصل عن نساء عدن من أسر هذا التنظيم، وجزء عن الأطفال المولودين في صفوف الدواعش، وكيف تعامل الغرب مع العائدات من داعش خاصة فرنسا.

الأجنبيات أكثر عنفًا
وعلى العكس، نجد في دراسة أجراها مركز مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث للكاتب سعود الشرفات، كان هناك مفارقة بين العائدات من داعش ما بين الأجنبيات والعربيات، فالباحث في تلك الدراسة يرى أن الأجنبيات لديهن الرغبة الأكبر في الانضمام لصفوف داعش.

فكتب: "وتشكل عودة النساء "الداعشيات" إلى بلادهن مشكلة كبيرة للدول، من حيث كيف ستتعامل معهن، وما هي أفضل السبل لإعادة إدماجهن في المجتمع مرة أخرى".

ويسطر الكاتب أن النساء قد يكن خطرًا أكبر من الرجال، فهن يتدربن ويشاركن في القتال جنبًا إلى جنب مع الرجل، مستدلًا ببعض الحوادث: "إحدى النساء، وهي تحمل طفلها فجرت نفسها في منتصف تموز 2014م في مجموعة من الجنود العراقيين، وهي تتظاهر بالهروب مع المدنيين من حصار الموصل".

وأضاف: "وفي أيلول 2016 قامت ثلاث نساء بمهاجمة مركز للشرطة في كينيا، وتم إفشال عمليات مماثلة في فرنسا، حينما حاولت 3 نساء تفجير كاتدرائية روتردام بسيارة مفخخة، وفي المغرب تم القبض على خلية من عشر نساء، وفي أوروبا بشكل عام لوحظ زيادة في عدد العمليات مقارنة مع السنوات السابقة، حيث بلغت نسبة العمليات التي تقف وراءها النساء في داعش 23% عام 2017".

دعاية لاستقطاب النساء
أما مركز "كارتر" فيرى أن أساليب داعش الجديدة لاستقطاب النساء هي سلاح ذو حدين، ففي الوقت نفسه تكتسب هذه الدعاية تعاطفًا مع هؤلاء النساء رغم أنها قد تكون خدعة.

جاء ذلك في دراسة عنوانها "النساء في داعش"، تم نشرها في فبراير 2017، وهي من إنتاج إحدى المنظمات غير الربحية، مقره في جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تأسس عام 1982 على يد الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر وزوجته روزالين كارتر، بالشراكة مع جامعة إيموري، لتعزيز السلام والصحة في جميع أنحاء العالم.

واحتدت تلك الدراسة، التي اعتمدت على عدد من الدراسات والمقالات الأجنبية التي تتحدث على دور النساء في الجماعات المتطرفة أو الإرهابية، على تسليط الضوء في وسائل الإعلام على نساء "داعش".

أنهن فقط ضحايا تابعات لما يؤمرن به من قبل بعولتهن، معتبرًا أن هذا الوصف "يتجاهل تعدد الأدوار التي تقوم بها النساء لتوسيع نطاق الأجندة الأيديولوجية والعملياتية في "داعش"، كما يفرط في تبيسط الدوافع الكامنة وراء قرارهن بالانضمام إلى "داعش".

وتلفت النظر إلى نجاح تلك الجماعات الإرهابية في استقطاب النساء من ثقافات وحضارات مختلفة، ورغم الكره الشديد الذي يكنوه للنساء إلا أنهم يلعبون على وتر المساواة بين الجنسين: "تقوم داعش أيضًا بنشر الروايات التي تركز على كل من الجنسين للنساء والرجال على حد سواء، وعادة ما تكون هذه الروايات مثقلة بالمراجع الثقافية والنداءات الدينية التي تزيد من مدى صداها وتأثيرها".

ورأت أن هكذا تقدم للنساء رؤية بديلة للحرية والتمكين، بحيث يطمحن أن يصبحن جزءًا من مجتمع، حيث يمكنهن ممارسة إيمانهن بلا اعتذار مع الشعور بالانتماء والتآخي، معتبرة أن نشر مثل تلك الأفكار ليس فقط من باب إغراء النساء بالانضمام لهم، بل لها بُعد آخر هو التأثير على الرجال الذين لم ينضموا إليهم، بصيغة أن النساء تقوم بأعمال أكثر رجولة من الرجال أنفسهم.

الدراسة كاملة ..
https://www.cartercenter.org/resources/pdfs/peace/conflict_resolution/countering-isis/women-in-daesh-report_final_arabic.pdf

اتهامات غير مباشرة
ومن الأبحاث والكتب إلى الصحف والقنوات، التي تبنت مسارًا مشابهًا ففي قناة "أرتي"، وهي قناة تلفزيونية فرنسية ألمانية، حاولت ألا توجه اتهامات مباشرة للعائدات من "داعش"، بل قدمتهم على أنهن نادمات على ما قمن به واشتركن فيه من عمليات إرهابية.

بالتالي أثبتت الدراسات أن النساء لهن القدرة على القيام بعمليات إرهابية متسترات تحت غطائهن الأسود، باعتبارهن مجاهدات في سبيل الله، ورغم عرضها فكرة أنهن نادمات إلا أن الإشارة إلى قيامهن بأحد أنواع الإرهاب دون إجبار يضع شكًا في نوايا المقطع الذي قامت بعرضه في يوليو الماضي.

وأجرت مجموعة من الحوارات مع بعض النساء العائدات من "داعش"، سطرت في بداية المقطع: "كان من الشائع أن نساء الدواعش هن فقط ضحايا مجبرات على طاعة أزواجهن، لكن هذه صورة مبسطة للغاية لكنهن كن مندمجات أيضًا في العمليات الإرهابية، لكن من تحدثن إليهن في سوريا والعراق خلال هذا التسجيل نادمات على ما قمن به ويحاولن نسيان ماضيهن الذي يشوبه العار والألم".

إحدى العائدات تروي قصتها التي وقعت في "الرقة": بعض النساء المختطفات من "داعش" كن حوامل لكن بعد تعذيبهن تم إجهاضهن، واحدة فقط منّا من وضعت مولودها ولكنها لم تضع غطاء عينيها، فتم القبض عليها من قبل "داعش" ووضعت مولودها في "الحسبة" (جهاز "داعش" الأمني) تحت التعذيب، وإلى جوارها العديد من المُجهضات، لم يكن هناك رحمة، وهذه كانت وظيفتنا إرهاب الناس.

لمشاهدة الفيديو كاملاً .. اضغط الرابط
https://www.arte.tv/en/videos/079471-000-A/the-women-of-daesh/

نيويورك تايمز: الداعشيات جيش آخر
فيما تبنت الكاتبة فيرا ميرونوفا، أحد كتاب المقالات في جريدة "نيويورك تايمز" الأمريكية، اتجاهًا معاديًا لنساء "داعش" العائدات، ففي مقالها المنشور في 21 فبراير الماضي، ترى أنهم جيش آخر جنبًا إلى جنب مع الرجال، وهو على عكس الصورة المصدرة دائمًا بأن السيدة مكانها في المنزل لتربية الأبناء على منهاجهم، متطرقة خلال مقالها إلى ظهور النساء ضمن صفوف "داعش" بشكل بارز ففي أوائل العام الماضي، أظهر شريط فيديو امرأة تحمل طراز AK-47.

ووصفت المشهد بكلمات "المرأة التي تسافر إلى ربها مرتدية ملابس الطهر والإيمان منتقمة لدينها وشرف إخواتها"، ثم عادت لتقول إن هناك البعض منهن مجبرات على تنفيذ أوامر الدواعش، وكما أخبرها الأشخاص الذين قابلتهم في مخيمات اللاجئين، فهناك العديد من الأرامل اللائي تركن بدون دخل ويعشن في ظروف رهيبة في مخيمات اللاجئين.

وأضافت: يشعرون أنه ليس لديهم خيار آخر سوى العمل في هذه المجموعة حتى تتمكن أسرهم من البقاء على قيد الحياة، مشيرة إلى أن فكرة انضمام النساء إلى صفوف الدواعش يعطيهم ميزة، فالنساء يمكن أن يفلتن من العقاب.

ووفقًا لمسح أجرته مع زميلة في الموصل في ديسمبر الماضي، كان 85% من 400 ممن شملهم الاستطلاع أنه في الماضي، كانت نساء تنظيم الدولة الإسلامية متطرفين مثل الرجال ووافق 80% أو وافقوا بشدة على أنهم لعبوا دورًا مهمًا في المجموعة؛ فيما قال 82% إنهم وافقوا أو وافقوا بشدة على أن نساء تنظيم الدولة الإسلامية سيكونن خطرات على الموصل في المستقبل.

الاندبندانت: النساء ضحايا
أما صحيفة الاندبندنت البريطانية، فترى أن كثيرًا من تلك النساء هن ضحايا للدواعش، وعودتهن لا تمثل أزمة، بل قد يتحولن لجيش لمحاربة الدواعش، انتقامًا لما مروا به من مواقف عصيبة خلال تواجدهم في معسكرات هم.

نشرت الصحيفة على موقعها فيديو يظهر فيه فتاة يزيدية كانت محتجزة من قبل "داعش" لمدة 3 سنوات إلى مسقط رأسها، عندما اجتاحت العراق حملة وحشية في أغسطس 2014، وقالت الفتاة: "أنا أحمل هذا السلاح للانتقام".

وتروي أنه تم اختطافها ضمن عدد كبير من النساء والأطفال خلال الحملة التي شنتها "داعش" على جبل "سنجار"، وتمت معاملتها كسلعة تُباع وتشترى، وبعد عذاب 3 سنوات تم تحريرها، بعدها قررت الانضمام لصفوف المجاهدين ضد "داعش" للأخذ بثأرها من "أبوالحسن" و"أبويوسف" و"أبوسعيد"، وهم الأشخاص الذين قاموا بتعذيبها.

خبير مكافحة الإرهاب: عودتهن خطر كبير
بعد سرد تلك الدراسات، يعلق العقيد حاتم صابر، خبير مكافحة الإرهاب الدولي، بأن عودة الدواعش يمثل خطرًا كبيرًا، فالأفكار الإرهابية مترسخة في أذهانهم وليس من السهل التخلي عنها في سبيل العودة إلى مسقط رءوسهم، ولذلك الدول الأوروبية تتعامل معهم بحظر شديد وتتخذ إجراءات صارمة نحوهم، فيجب عدم الاطمئنان لفكرة عودة شخص عايش جو من العنف والقتال لتحقيق هدف ثابت لن يتغير.

وفقًا لتقرير صادر عن جامعة "كينجز كوليدج" في لندن، هناك 4 آلاف و761 امرأة، أي بمعدل 13%، و4 آلاف و640 طفلًا (12%)، من أصل 41 ألفا و490 مواطنًا أجنبيًا، انضموا لـ"داعش" في العراق وسوريا، وذلك في الفترة الفاصلة بين أبريل 2013 ويونيو 2018.