هل تنجح " دبلوماسية روسيا الكيميائية" في حل الأزمة السورية؟
من المعلوم أن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية تُدرج ضمن إطار الأسلحة غير التقليدية وفي مقدمتها الأسلحة النووية. وإذا كانت هذه الأخيرة قد حظيت بكم إعلامي هائل نظرا لخطورتها، إلا ان السلاح الكيميائي والبيولوجي لم يأخذا نفس الاهتمام رغم أسبقيته وقدمه في تاريخ الحروب حتى القديمة منها.
ويقول د. خليل حسين ـ استاذ العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية ـ
فى تعليق له بثه موقع (ميدل ايست أونلاين) ـ من لندن ،،://" ان ثمة اتفاقات ومعاهدات ومنظمات حاليا تعنى بالعمل على عدم انتشار الأسلحة غير التقليدية ومنها منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيميائية التي توصلت إلى اتفاقية دولية بهذا الشأن في الأول من نيسان 1993 ودخلت حيز النفاذ في العام 1997. ويشار هنا إلى ان سوريا لم تنضم إلى الاتفاقية ولم توقع عليها إلا انها بدأت بإجراءات الانضمام مؤخرا.
وفي المبدأ ليس الانضمام إلى أي منظمة عالمية يعتبر ملزماً للدول، إلا ان ما يصدر عنها من اتفاقات ذات طابع عرفي، على الدول الانصياع لها والتقيد بالتزاماتها.
وتأتي منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية كغيرها من المنظمات الدولية ذات الطابع غير الملزم إلا وفقا لآليات محددة يمكن اتخاذها عبر الأمم المتحدة وبالتحديد مجلس الأمن وفقا لصلاحياته ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويقول الدكتور خليل حسين فى تعليقه://"ولقد أتى المقترح الروسي في لحظة حاسمة وتلقفته جميع الأطراف المعنية، لكن العبرة في المتابعة والآليات الممكنة لتنفيذه. ففي المبدأ يعتبر جميع الأطراف في جزئية الأزمة السورية الحالية في مأزق، والواضح ان معظم الأطراف الفاعلة فيها يفتشون عن حل ما بهدف تفادي الخسائر الكبرى. لكن هل يمكن الولوج في اطار مقترح يبدو هلامياً وغير واضح المعالم؟
ولقد هدفت دبلوماسية روسيا الكيميائية المفاوضة على طريقة حافة الهاوية، وهي تجربة تحاول موسكو استنساخها عن أزمة الصواريخ الكوبية 1961، حين وصلت الأمور بين موسكو آنذاك وواشنطن إلى الاقتراب من إشعال حرب نووية، وتم تراجع الفريقين عبر سحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب صواريخ الناتو من تركيا.
واليوم تحاول روسيا عبر مقترحها سحب فتيل الأزمة المتمثلة بالضربة العسكرية على قاعدة الأسلحة الكيميائية التي من المفترض ان توضع تحت رعاية دولية وصولا إلى تدميرها. لكن هل يعتبر هذا المقترح قابلاً للحياة في ظل مخاوف وشكوك متبادلة بين أطراف كثيرين في الأزمة السورية؟
أولا لقد تمكنت روسيا من إبعاد الولوج بقرار أممي في مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع وهو ما حاولت باريس القيام به بداية. مما يعني أن الولوج في الملف الكيميائي السوري بات مرهوناً بأسلوب المفاوضات وغاياته ونتائجه بين الفريقين الاميركي والروسي في جنيف. وثانياً ان بدء دمشق بإجراءات الانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو دليل واضح على نيتها تقديم تنازلات في هذا الملف بالتحديد.
ويضيف الكاتب://"وبصرف النظر عن محاكمة النوايا، ثمة سوابق كثيرة في مثل تلك الملفات ومن بينها تجربة واشنطن مع العراق في تسعينيات القرن الماضي، وهو هاجس يُحرك الغرائز السياسية والعسكرية لكل الأطراف ويجعل المقترح الروسي ضرباً من الخيال للعديد من الاعتبارات العملية والعلمية المتعلقة بالأسلحة الكيميائية السورية ومن بينها، اولا عدم المعرفة الدقيقة للحجم والكم والكيف لهذه الأسلحة ما سيعني صعوبة التعامل معها، وإذا تم تجاوز هذا الموضوع فان التعامل التقني مع الأسلحة دونه صعوبات كثيرة بالنظر لانتشارها في اماكن متفرقة يصعب الوصول إليها في ظل فلتان امني موصوف وبغياب ضمانات رفيعة المستوى للفريق الذي سيكلف بهذا الملف. اضافة إلى ان الوصول إلى المراحل المتقدمة في هذه العملية يتطلب اجراءات دقيقة لجمعها وإعادة إتلافها والتي يمكن ان تستغرق سنوات كثيرة، علاوة على وضع ضوابط دقيقة على وسائل إنتاجها ووسائل إطلاقها.
أن تجربة العراق لا تزال ماثلة في الأذهان وهي آلية لم تتمكن الأمم المتحدة ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية من تقديم شيء يذكر في هذا الملف، وقد تم احتلال العراق في العام 2003 على قاعدة الأسلحة غير التقليدية وكانت شهادة هانس بليكس، فيما بعد واضحة لجهة عدم جدية التحقيقات وعمليات التفتيش والنتائج التي تم التوصل إليها."//
ويختتم الكاتب بالقول://"وعلى الرغم من اختلاف الظروف والوقائع في كلتا الحالتين العراقية والسورية، ثمة من يقول ان الأهداف الأمريكية غير المعلنة في كلتا الحالتين هي واحدة متعلقة بتدمير القوى الاستراتيجية التي تشكل تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل على المدى البعيد، بصرف النظر عن إمكانية استعمالها في هذا الاتجاه تحديداً.
ان مشكلة الأسلحة غير التقليدية وإمكانية استعمالها باتت من القضايا ذات الاهتمام العالمي في القرن الواحد والعشرين، لكن أساليب حلها الظاهرة حالياً لم تعد تقنع الرأي العام العالمي، بالنظر إلى الازدواجية التي يتم التعامل بها في نفس الملفات.
ففي الوقت الذي تمتلك اسرائيل على سبيل المثال كميات هائلة من الأسلحة غير التقليدية من النووية والبيولوجية والكيميائية ثمة تعتيم وغموض مقصود في التعاطي معه. لذا إن المقترح الروسي في هذا المجال سيظل حلاً جزئياً لقضية بعينها، ان لم يكن الحل في إمكانية الوصول إلى بيئة اتفاقات إقليمية ودولية لنزع وتدمير اسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ومن بينها الأسلحة الإسرائيلية وغيرها.
وفي الظاهر تمكنت الدبلوماسية الروسية من تسجيل نقاط واضحة المعالم، لكن إمكانية الاستمرار والبناء عليها دونها عقبات كثيرة، وبخاصة انه مقترح متعلق بأطراف كثيرة وآليات عمل متشعبة وطويلة الأمد ومرتبطة بظروف مستقبلية يصعب السيطرة عليها."//