رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إرهاب بلا دعاية.. ألعاب دون غاية


يرى الباحثون النفسيون أن الإرهابيين قد يحجمون عن تنفيذ عملياتهم، لو علموا مسبقًا أنها لن تأتى بدعاية كبيرة، تكشف عن حجم الخسائر التى ألحقوها بالدولة، على اعتبار أن الحرب النفسية تعمل عملها فقط فى حال أبدى البعض اهتمامًا بما قد وقع.
وقد وصفت مارجريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، هذه الدعاية المجانية بأنها الأكسجين اللازم للإرهاب، الذى لا يستطيع الاستغناء عنه، لأن تغطية الحدث الإرهابى إعلاميًا، تحقق مكاسب تكتيكية واستراتيجية للقائمين عليه.. إمعانًا فى خلق أجواء الفوضى والترويع، وإتاحة المجال أمام انتشار الشائعات المغرضة، التى تثير خوف الرأى العام وتؤلبه ضد السلطات المحلية، بحجة عجزها عن حماية أمنه، ويعمد الإرهابيون إلى التسلح بوسائل الدعاية المختلفة، لتسويق أغراضهم وغاياتهم، وتوظيفها فى تضليل الأجهزة الأمنية، واكتساب السيطرة على الرأى العام، عن طريق نشر أخبار العمليات الإرهابية التى يقومون بتنفيذها، على اعتبار أن الحملات الإعلامية التى تغطى هذه العمليات تساعد على تحقيق واستكمال أهداف الإرهابيين، الذين يرون فى التغطية الإعلامية لجرائمهم، معيارًا مهمًا لقياس مدى نجاح فعلهم الإرهابى، لدرجة أن البعض اعتبر العمل الإرهابى الذى لا ترافقه تغطية إعلامية، عملًا فاشلًا.
ولعلنا نتذكر أن تفجير برجى التجارة العالميين، لم يحدث قبل أن تنصب قناة الجزيرة القطرية كاميراتها فى مواجهة البرجين ومن زوايا متعددة، لتنقل للعالم الحدث الأكبر فى حينه، ولتصل الرسالة إلى من أراد القائمون به إيصالها، وليدرك العالم أن هناك إرهابًا تجاوز الحدود والمألوف، لا بد من مواجهته، حتى بدأ انهيار العالم العربى، وكانت ضربة البداية من العراق، الذى تحالفت قوى الشر على الإيقاع به، تحت دعاوى، العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وتحقيق الديمقراطية، التى لم تر دولة، لا العراق ولا من تلاها، لها بصيصًا، لأن ذلك لم يكن هدف المحتل، ولا كل من سار فى ركابه، من الطامعين فى مكاسب، من أبناء البلد، الذين رأوا فى هلاك وطنهم جسرًا لتحقيق أطماعهم التى أضحت سرابًا، بعدما وصل المدمر إلى مبتغاه.
لذلك، لم أندهش حينما بثت قناة الجزيرة على الهواء، حادث تفجير محيط معهد الأورام، لأن عملاء الداخل ما زالوا بيننا، وأن الهدف من الحادث لم يكن الإيقاع بمن راح شهيدًا أو مصابًا فحسب، بل الأهم هو إحداث حالة من البلبلة داخل المجتمع، وإطلاق الشائعات والتفسيرات الخاطئة، وترك العامة من الناس فى حيص بيص، خاصة وقد تأخرت البيانات الرسمية فى الصدور وحل محلها ما تركه الفراغ المعلوماتى لمواقع التواصل الاجتماعى، تمارس الهرى فيما حدث وتحمل الحكومة ما هى براء منه، حتى قال لى صديق: «هل عدنا إلى زمن كنا نحصل فيه على المعلومة التى تخص بلدنا من إذاعة البى بى سى، دون أن نسمع عنها شيئًا صريحًا من إعلامنا؟».. ولم أندهش مما قاله صديقى، بعد أن غرقنا جميعًا فى موجة مظلمة من تفسيرات ما حدث من انفجار، لم يتم التعامل معه بالسرعة الواجبة، فى مثل هذا الحادث، راح ضحايا له فى الشارع، وتضرر منه مرضى، يعانون أورامًا سرطانية.
كلا الفريقين له عذره، وسائل إعلام فضلت انتظار التصريح الرسمى الذى يكشف عما حدث، ونكصت فى سبيل ذلك عن أصول المهنة التى تستوجب التعامل مع ما حدث، من كونه حدثًا مجردًا، حتى يأتى البيان محللًا ومبينًا الدوافع والتداعيات، والموتورون على مواقع التواصل الاجتماعى أطلقوا العنان لخيال حدد إطاره أباطرة الكتائب الإلكترونية المتربصون بهذا البلد المستغلون لكل هفوة يصنعون منها جبالًا من الشائعات.. وهكذا ديدنهم، محاولة إسقاط البلاد من الداخل، خدمة لمن يدفعون.