رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"به سم قاتل".. "الدستور" داخل مراكز الوشم والدق الأسود

جريدة الدستور

رسومات غريبة، رموز أكثر غرابة، بعضها يحمل عبارات ذات معنى، وبعضها حمل معناها داخل بعض كتب الشعوذة والسحر، ولكن المشترك بينهم جميعًا أنهم حفروا داخل جلد الشباب بأبر وصبغات مكونين ما يعرف بالوشم الذي أقبل عليه الشباب والفتيات بكثرة هذه الأيام الوشم، حتى أخفي بعضهم لون جلده الأصلي بعد أن امتد عليه رسومات هذا الوشم.

محررة "الدستور" قامت بجولة لبعض مراكز دق الجلد وتعرفت من خلالها على بعض أسرار هذا العالم الخفي ومدى خضوعه للرقابة من عدمه، أدعت المحررة بكل مركز الرغبة في التأكد من مدى آمانه وسلامته للقيام برسم الوشم داخله، وكان من الملفت انتشار هذه المراكز بعدة أحياء، ولكن كان النصيب الأكثر منها بحي المعادي والزمالك الراقيين.

داخل أحد مراكز الوشم الراقية "استوديو" كما يطلق عليه بحي المعادي، انتظر العشرات من الشباب الشخص الوحيد "س.ب"، والذي يرسم الوشم في الاستوديو، وأصبح له زبائنه المعتادين على أبرته، علامات دلت على الرفاهية، والتحرر والعناد المجتمعي ظهرت على الشباب والفتيات المنتظرين الذي أخذ بعضه يدخن سجائره الفاخرة منتظرًا دوره.

كان سعر أصغر تاتو داخل مركز "س.ب" 800 جنيه، بينما الأكثر تداولًا بينهم كانت بعض الرسومات متوسطة الحجم، والتي تراوح ثمنها ما بين 2000 إلى 2500 جنيهًا، وواصفًا الوشم الذي يقوم به قال "س.ب" بأنه وشم من النوع الدائم الذي لا يزال نهائيًا إلا باستخدام الليزرويمكنه وضع مرهم موضعي للتخدير لعدم الشعور بالآلم أثناء عملية الوشم.

يؤدي لسرطانات الجلد

الدكتور صالح الشيمي أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة عين شمس يؤكد أن المواد المستخدمة في عمل الوشم هي مواد كيميائية مضاف إليها بعض الصبغات الملونة، والتي تخترق الجلد بشكل غائر وبالتالي تتسبب في أن يمتصها الجلد، وفي كثير من الأحيان تؤدي هذه المواد إلى حدوث بعض الأورام السرطانية بالجلد خاصة مع زيادة مساحة الوشم المرسوم الذي يصبح من الصعب إزالته، وبأقل الأخطار ضررًا يقول الشيمي يحدث هيجان وحساسية بالجلد لدى الكثير؛ بسبب هذه المواد المستخدمة في عمل الوشم.

الأمر لا ينتهي عند هذا الحد بل أنه يمتد إلى ما بعد إزالة الوشم، الذي لا تتم إزالته نهائيًا، كما صرح أستاذ الأمراض الجلدية، الذي وضح أن إزالة الوشم تتم باستخدام الليزر، ولكنها لا تقضي على علامات الوشم نهائيًا بل يتبقى آثارًا منه ويصعب إزالتها بشكل كامل؛ مما تتسبب في العديد من الأخطار بوجودها لفترات كبيرة على الجلد ويختلف هذا من طبيعة بشرة إلى آخرى.

داخل منزل والده بالأميرية يعمل "ع.س" على استقطاب الفتيات والشباب؛ لرسم الوشم بحجة ظروفه المرضية، وعلى الرغم من ذلك أقبل هؤلاء الشباب بكثرة مرتادين ذلك المنزل؛ لرسم ما يرونوه متعة وتنفيسًا عما بداخلهم، كما يوضح "أ.ه" الذي وصف أن الوشم بمثابة حياه له، يستطيع به التعبير عما بداخله في حرية دون تقييدًا من أحد.

بدأ سعر أصغر تاتو داخل مركز "ع.س" بـ500 جنيه وهو الوشم الدائم، وتزايد سعره حسب نوع الرسمه وحجمها كما توافر الوشم المؤقت الذي بدأ بسعر 700 جنيهًا، ويستمر لمدة ثلاث سنوات فقط، ويمكن إزالته، وكان من الواضح أن الفتيات والشباب يأتون محددين الرسومات الراغبين "دقها" عن طريق رسائل "whats app" للقائم بالوشم حتى يقوم برسم مثيلاتها على أجسادهم.


يصيب بفيروس "سي"

"أصيبت بفيروس سي" بعد استخدام حقنه ملوثه أثناء رسمي للوشم بأحد المراكز"، كانت هذه كلمات "ي.ن"، 35 عامًا، محاسب بأحد البنوك الشهيرة، الذي وضح أنه رسم وشم على ذراعيه الاثنين منذ عامين؛ ليكتشف صدفة أثناء إجراء بعض الفحوصات الطبية، إنه أصيب بفيروس سي، ورجح طبيبه المعالج أن تكون بسبب الإبر المستخدمة في الوشم، وزاد تأكد "ي.ن" من احتمال ذلك بأن أحد أصدقاؤه ممن رسموا أيضًا الوشم بنفس هذا المركز أصيب هو الآخر بنفس المرض.

عند محاولة الموشوم التبرع بالدم لابد من إجراء كافة الفحوصات الفيروسية له قبل التبرع، حسبما صرح به الدكتور حسين مجدي طبيب البلازما، موضحًا أن الشخص الموشوم من الجائز أن يتعرض إلى الإصابة ببعض الأمراض الفيروسية، مثل التهاب الكبد الوبائي وأكثر من غيره، وذلك في حال كانت الأدوات المستخدمة في رسم الوشم ملوثة وغير معقمة فبالتالي تصبح أداة لنقل الأمراض.


بمركز آخر خصص لدق الوشم فقط بحي الزمالك بدأ سعر التاتو الدائم فيه ب 1350 جنيهًا، وتزايد إلى 6000 و7000 لغيره من الرسومات المتوسطة الحجم وتنوعت الرسومات ما بين بعض الرموز والحروف والشخصيات الخيالية وكذلك بعض الحيوانات والزواحف، وبالطبع فلم تتنافر هذه الأسعار مع المستوى الاقتصادي لرواد هذا المركز الراق، والذين كان أغلبهم من الشباب بسن المراهقة، بالغي الترف والتأثر بأنماط الحياة الغربية، غير مبالي بتقاليد مجتمعه، حيث ظهر ذلك جليَا على لغاتهم الجسدية واللفظية.

حبر الوشم بـ900 جنيه

وباختراق آخر لعالم الأحبار المستخدمة في الوشم تواصلت المحررة بأحد تجار هذه الأحبار الشهيرين "م.ع"، مدعية رغبتها في دخول هذا البيزنس وشراء تلك الأحبار، فكان الرد أن الزجاجة بحجم 220 ملل" بحجم الكان الصغير" من الحبر الأبيض سعرها 700 جنيه، أما زجاجة الحبر الأسود فلا يزيد سعرها عن 900 جنيه، موضحًا أنه يمكنها ألا تزيد بالرسمة الواحدة فقط عن استخدام2 ملل فقط من الحبر الأمر الذي يوضح مدى الربح في التاتو الواحد.

بالمواجهة مع خالد مصطفى المتحدث باسم محافظ القاهرة؛ للوقوف عند ترخيص مثل هذه المراكز من عدمه، قال إنه لا يوجد هناك ما يسمى باسم مراكز متخصصة في عمل الوشم "وذلك على الرغم مما وجدته المحررة من انتشار هذه المراكز، تحت ذلك المسمى في المحافظة وغيرها"، موضحًا أن أصحاب هذه المراكز يعملون على استخراج ترخيص تحت مسمى مركز تجميل أو ناد رياضي وخلافه، وهو الأمر الذي يخالف ما يقومون بعمله بالفعل، حسب تعبيره، مشيرا إلى أن المسئولية تقع في النهاية على رؤساء الأحياء.


الوشم في الدين

"لعن الله الواشمة والمستوشمة" بكلمات حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأ الدكتور أحمد كريمة من علماء الأزهر الشريف حديثه، مؤكدًا حرمانية رسم الوشم بالإسلام أو العمل به، ويضيف أن انتشار الوشم بالدول العربية يعني الانضمام لسلسلة من تقليد الشباب الأعمى لكل ما يفعله الغرب، حتى ولو كان يتنافى مع المعتقدات الإسلامية والعربية، والتي تدل بالنهاية على الفراغ الروحي الذي يعيشه الشباب بمجتمعاتنا العربية.

أما عن الأسباب النفسية التي تدفع الشاب أو الفتاة إلى اللجوء لرسم الوشم أشار الدكتور محمد هاني الخبير بالصحة النفسية أنه يعد نوعًا من الفراغ والإضطراب السلوكي، مؤكدًا على أن الوشم ينتشر بين الشباب الـunder age؛ نظرًا لمرورهم بما يسمى مرحلة الميوعة، وبها لم تتكون بعد أفكارهم أو تتشكل شخصياتهم بشكل كامل مما تمثل خطرًا عليهم في حال غياب القدوة الحسنة، وكذا غياب الرقابة مجتمعية والأسرية، وبالتالي في هذه الحالة يتجه الشباب للقيام بسلوكيات شاذة وغريبة بتقليد سلوكيات بعض الرموز الغربية التي يراها ناجحة مثل الممثلين ولاعبي الكورة فيما يفعلونه من رسم للوشم وارتداء الملابس الغريبة بتصميماتها، وهذا ما وصفه بأنه لا يتعدى كونه مجرد اتباع مظهري لهذه النماذج، ولا يتبع بأي نجاح عملي لهؤلاء الشباب الذين لا يتعدوا كونهم مقلدًا للغيرفاقدًا لشخصيته.