رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. والعيد فرحة رغم الأحزان




رغم الأحزان، فإن المصريين يبحثون عن لحظات الفرح فى الأعياد ويبحثون عن ابتسامة تنسيهم الأحداث الأليمة، ويبحثون عن لمة العيلة فى العيد لتجاوز المحن.. كل عام وأنتم بخير، فاليوم هو آخر أيام عيد الأضحى المبارك، الذى استقبله المصريون بالفرحة والأمل والتفاؤل.. فنحن شعب يحب الحياة رغم كل ما مر بنا فى السنوات الأخيرة.. نحن شعب عرف الموسيقى والبناء والفنون، وسجل تفاصيل حياته وأفراحه على جدران المعابد.. إن الشعب المصرى رغم تاريخه العريق من الصعب التكهن بردود أفعاله فى المواقف الكبرى وفى الأحداث الكبرى.
ببساطة نحن شعب ليس له كتالوج محدد.. لكنه فى كل الأحوال، وتحت أى ظروف مهما بلغت درجة خطورتها، يتوحد وقت الخطر، ويسعى للحفاظ على بلده وأمنه واستقراره، وتُزيده محاولات الإرهاب لترويعه قوة وصلابة، وتزيده محاولات الفتن تماسكًا وثباتًا على وحدته الوطنية.. لن يتوقف الإرهاب، ولكنه قطعًا قد قل وتضاءل وتراجع كثيرًا.. ولا بد أن ندرك أنه لن يستسلم مشعلو الفتن والعنف والمتآمرون ضد استقرار بلدنا عن أعمالهم القذرة وكراهيتهم للشعب المصرى.
إن الخطر الذى ما زلنا نواجهه هو الخيانة والتمويل والغدر من الداخل، فهناك فى الداخل من تم لهم «غسيل مخ»، وأصبحوا كارهين للشعب وكارهين للاستقرار، هؤلاء وإن كان لا بد من القضاء عليهم، فإن القضاء عليهم لن يتم بين ليلة وضحاها.. ولا بد أن يتم ذلك بمعاونة الشعب ويقظته، والإبلاغ عن أى تحركات مشبوهة.. لقد خلّف الحادث الإرهابى أمام مستشفى الأورام القومى خسائر فادحة، حيث وصل عدد الشهداء إلى ٢٢ شهيدًا منهم ١٧ من أسرة واحدة، لقوا مصرعهم حين كانوا يستقلون سيارة ميكروباص لحضور زفاف أحد أقاربهم، وتعطلت السيارة المنفجرة التى غادرها المنفذ قبل الانفجار بثوان، وتحول جسده إلى أشلاء متناثرة.
حددت فرق الفحص هويته بواسطة تحليل «دى. إن. إيه».. كما استطاعت أجهزة الأمن المصرى أن تحدد هوية المشاركين فى أيام معدودة، وبسرعة شديدة.. كما استطاعت أجهزة الأمن أيضًا التوصل إلى تصوير كاميرا فيديو لأسرة منفذ الهجوم وهى تودعه بحديقة الأزهر قبل الحادث الإرهابى بيوم واحد.. كما خلف الحادث الأليم جرحى وخسائر كبيرة فى المستشفى الذى يعالج فيه المرضى الأكثر احتياجًا.
إن أصحاب الضمائر الميتة ما زالوا يحاولون ترويع الشعب المصرى، ولا تزال مخططاتهم القذرة قائمة.. لكنها لم تستطع أن تنال من عزيمة المصريين وكراهيتهم للإرهاب ولأعداء الحياة. صحيح أننا فقدنا شهداء بكيناهم بدموع حارة لأنهم أبرياء كانوا بالمصادفة موجودين فى مكان الحادث الإرهابى نفسه.. وصحيح أن وراء كل منهم قصة أليمة وأسرة تبكى أعزاء فقدتهم.. مما يشكل تفاصيل جريمة نكراء وراءها فكر ملعون وتمويل كبير ومستمر- إلا أن حزن الشعب المصرى قد تحول إلى غضب عارم يطالب بالقصاص السريع من كل الشركاء، كذلك من الضرورى أن يشمل القصاص أهل الإرهابيين الذين يعرفون بأنهم يأوون بداخل بيوتهم هذا الفكر المريض، وهذا الإرهاب الأسود المتلطخة أياديه بدماء المصريين.
إن الشعب لن يهدأ إلا بتوقيع أقصى عقوبة ليس فقط على الذين قاموا بالعملية الخسيسة التى ألقت بظلال حزينة على الشعب المصرى قبل عيد الأضحى المبارك.. وإنما أيضًا لا بد من أقصى العقوبات على الأهل الذين كانوا يعلمون بأن أحد أفراد أسرتهم يخطط لارتكاب هذا الحادث الإرهابى الخسيس بقتل مصريين أبرياء كانوا موجودين فى مكان انفجار العبوة الناسفة.. إنهم شركاء فى الجريمة، كما أنه من الضرورى معرفة مصدر تمويل هذه العملية الإرهابية، ومن شارك فيها ومن خطط لها وتوقيع أقصى عقوبة على كل الشركاء.. الأب الذى دعم وساند مجرمًا يستحق أقصى عقوبة، والأم التى تعلم وتساند لأنها مجرمة من الدرجة الأولى.
وأعتقد أن وقفة المصريين وتكاتفهم لإعادة بناء مستشفى الأورام القومى بتقديم تبرعات هى وقفة تعكس صورة شعب معدنه أصيل يظهر فى المحن الكبرى، ويرفض الإرهاب رفضًا تامًا، ويدين كارهى الحياة وكارهى الوطن، ولقد ظهرً جليًا معدن الشعب المصرى الأصيل فى سرعة تقديم التبرعات الضخمة لإعادة بناء المستشفى وتزويده بالأجهزة الضرورية.
إن معدن الشعب المصرى ما زال بخير، وما زالت تُوحّده الأزمات والمحن، ومن المؤكد أن الغضب الشديد الذى أبداه الشعب المصرى تجاه هذا الحادث الإرهابى لا بد أن يجعل الدولة تتعامل بحزم أكبر مع كل من يقفون وراء هذا الحادث الإرهابى، سواء أكانوا مرتكبيه أو أهلهم أو من ساعدوهم.. إننا نأمل أن تتعامل الدولة بيد من حديد مع أى شريك فى هذا الحادث المأساوى، ومع كل من يأوون الإرهابيين أو يتسترون عليهم أو يمدون لهم يد المساعدة.. إنهم أعداء الشعب وأعداء الوطن.. بكل المقاييس.
قلبى مع أسرة كل شهيد فقدناه قبل أيام، وقلبى مع كل شهيد نفقده فى ساحة الدفاع عن الوطن.. ورغم الأحزان فإن مصر تمضى فى طريق الاستقرار والتنمية والبناء بكل ثبات وفى كل يوم تفتتح مشروعات جديدة عملاقة لتؤكد أن المصريين عازمون على اقتحام المستقبل بثبات وقوه وصلابة.. ولم يتخلَّ أهل مصر عن مظاهر الفرحة باستقبال عيد الأضحى المبارك، وإن تبادل التهانى على مواقع التواصل الاجتماعى يعكس حرص المصريين على محاربة الإرهاب بالإصرار على إرادة الحياة والفرحة بالأعياد، وكل عام ومصر بخير بمناسبة عيد الأضحى المبارك، وشعبها المخلص المحب لها بخير.