رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر الفيوم


إذا كنت فى البداية أوجه خالص العزاء لعائلات شهداء ذلك الحادث الغادر أمام المعهد القومى للأورام داعيًا الله لهم بالرحمة.. وللمصابين بسرعة التعافى والشفاء.. فإننى فى الوقت ذاته أوجه كل الشكر والتقدير لكل القطاعات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، التى استطاعت فى فترة وجيزة أن تحدد هوية الإرهابى القاتل، بل وتلقى القبض على الخلية العنقودية، التى عاونته فى تنفيذ تلك العملية الخسيسة، وتحدد خط السير الذى اتخذه القاتل، منذ أن التقى والدته فى حديقة الأزهر إلى أن قام بعمليته الدنيئة، التى راح ضحيتها العشرات من الأبرياء بين شهيد ومصاب.
نعلم جميعًا أننا فى علم إدارة الأزمات يجب أن نهتم بالمرحلة الأولى، وهى تلك المتعلقة بعملية «التنبؤ»، أى التوقع، وأعتقد أننا على يقين بأن الجماعات الإرهابية والدول والأجهزة التى تقوم بتمويلها وتدريبها لن تسمح لنا بأن نتقدم أو نحقق ما نصبو إليه من التنمية والرخاء بسهولة، وأن أى نجاح تحققه الدولة المصرية فى هذا الإطار لا بد أن يوغر صدور الأعداء، ويدفعهم للقيام بعمليات إرهابية، يكون الهدف منها إجهاض تلك النجاحات أو إحداث مشاعر الخوف والقلق تجاه مستقبل البلاد.
وتأتى المرحلة الخامسة من مراحل إدارة الأزمات، وهى مرحلة «الدروس المستفادة». والحقيقة أننى بحكم حصولى على درجة الدكتوراه فى هذا الموضوع، فقد توصلت فى نتائج تلك الدراسة إلى أن أهم مرحلتين من المراحل الخمس لإدارة أى أزمة هما الأولى والخامسة.
ومن هنا فإننى سوف أتناول الدروس المستفادة، نتيجة وقوع تلك الجريمة الإرهابية البشعة لأثبت للجميع أن الأمن وحده دون أن يسانده الشعب المخلص الواعى المحب لوطنه، لا يمكن أن يحقق النجاحات والنتائج، التى سوف تؤدى إلى القضاء على الإرهاب نهائيًا.
لقد تبين من نتائج الفحص الأولية لتلك العملية أن جميع من قاموا بها من أبناء محافظة الفيوم، وتحديدًا من مركز سنورس، فالإرهابى عبدالرحمن خالد وشقيقه إبراهيم، والعنصر الذى قام بتكليفه بالعملية، محمد عايش، والعنصر الذى قام بتمويلها هو الإخوانى الهارب، أحمد محمد عبدالرحمن، جميعهم من هناك، كان أحمد يقوم بتجنيد شباب هذا المركز، من خلال التواصل معهم، وقد نجح فى استقطاب العديد من الشباب صغار السن قبل وأثناء اعتصام رابعة الإرهابى، واستطاع العمل على تغييب عقولهم وإقناعهم بالفكر الإرهابى ومواجهة الدولة ومؤسساتها وتقديم كل الدعم المادى والأسلحة لهم، من خلال القيادات الهاربة.. والإرهابى المذكور يواجه حكمًا غيابيًا بالإعدام، لاتهامه بالتخطيط والتمويل فى اغتيال النائب العام الراحل الشهيد هشام بركات، بالإضافة إلى حكم آخر بالسجن لمدة ٥ سنوات، لاتهامه بقضية «حسم ولواء الثورة»، وهو هارب حاليًا ويقيم بدولة تركيا.
وإذا رجعنا إلى التاريخ لعدة سنوات، سوف نجد أن الإرهابى ومفتى الجماعة الإسلامية عمر عبدالرحمن كانت بدايته الإرهابية من الفيوم، ثم ظهرت جماعة الشوقيين، التى رأسها الإرهابى شوقى الشيخ، وكان يعمل «فرارجى» فى إبشواى بالفيوم، والذى أفتى باغتيال رجال الشرطة، وعلى رأسهم الزميل الشهيد أحمد علاء، الذى استشهد أمام منزله على مرأى ومسمع من الجميع.. ثم جاءت الجماعة الإسلامية وزادت العمليات الإرهابية، وانضم إليها العديد من شباب المحافظة، منهم ذلك الإرهابى القاتل عبدالرحمن خالد.. وانضم إليهم مؤخرًا العديد من عناصر داعش الهاربين من ليبيا، بعدما بدأ الجيش الليبى فى تطهيرها، ما أسفر عن القبض على القيادى الإرهابى الهارب هشام عشماوى، والذى كان له أكبر الأثر فى إرباك العناصر الإرهابية والتكفيرية الموجودين على الحدود الغربية، خاصة أن محافظة الفيوم من أقرب المحافظات للحدود الليبية، وهنا أيضًا يجب أن نشير إلى أن بداية عملية الواحات الغربية، التى راح ضحيتها مجموعة من ضباطنا البواسل، انطلقت من ليبيا وبتخطيط ومشاركة الإرهابى هشام عشماوى.
إذن كانت تلك المعطيات كفيلة بأن نلقى الضوء على تلك المحافظة، التى حباها الله بالعديد من الثروات الطبيعية والأثرية والسياحية، لكنها للأسف لم تستغل الاستغلال الأمثل بالشكل الذى يؤدى إلى تحسين مستوى معيشة الفرد وجعله يتخطى مرحلة الفقر والعوز إلى مرحلة الرضا والقناعة.. فعلى سبيل المثال لا الحصر تأتى محافظة الفيوم فى المرتبة الثالثة من حيث المحافظات الأكثر فقرًا وفقًا لإعلان الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بعد محافظتى أسيوط وسوهاج، وهو ما يعنى ضرورة توجيه المزيد من الاستثمارات ومشاريع ريادة الأعمال والمشروعات متناهية الصغر إليها.. والآن.. هل تعلم أن محافظة الفيوم تحتضن بحيرة قارون، التى من الممكن لو أحسنا تسويقها استثماريًا وسياحيًا سوف تكون من أهم المقاصد السياحية بالبلاد، بل وسوف تستقطب الآلاف من فرص العمل لشبابها، الذى يعانى من الفقر، رغم حصوله على درجات علمية لا بأس بها.. هل تعلم أن هناك مزارات أثرية تعتبر امتدادًا لمصرنا القديمة من الممكن أن نشيد بها متحفًا كبيرًا يكون قبلة للزائرين من دول العالم المختلفة.
هل تعلم أنه لا توجد فى محافظة الفيوم كلها دار واحدة للسينما أو للمسرح؛ لكى تعرض عليها الأعمال الفنية، التى تحث على الولاء والانتماء للوطن، وتفرغ طاقة الشباب فى اكتشاف مواهب فنية تثرى العمل المجتمعى والقوى الناعمة؟.. هل تعلم أن جامعة الفيوم معين بها نائب لشئون خدمة المجتمع والبيئة وليس لها أى دور مؤثر على الساحة الفيومية، سوى بعض القوافل الطبية التى تقوم بها بين الحين والآخر متجاهلين دورها الفاعل فى خدمة البيئة وحماية المجتمع من الأفكار المتطرفة وتعمل على احتوائهم ومحاولة تصحيح توجهاتهم المنحرفة؟، هل تعلم أن عائلات بالكامل فى العديد من مراكز محافظة الفيوم تنتهج الفكر المتطرف والإخوانى وأنها ظهرت بوضوح إبان حكم الإخوان، لدرجة أن والدة الإرهابى، الذى قام بعمليته الغادرة قد تم تكريمها باعتبارها الأم المثالية للفيوم إبان حكم الجماعة الإرهابية؟.. هل تعلم أن السادة نواب البرلمان بمركز سنورس على علم بما يدور فى هذا المركز ولا يبذلون جهدهم لاحتواء تلك العناصر المتطرفة ومحاولة مساعدتهم للخروج من دائرة العنف والجهل والضلال.
هل تعلم أن الإرهابى الذى قام بجريمته الغادرة قد استقل السيارة التى استخدمت فى الواقعة من أمام حى النزهة بعد عدة أيام من تركها هناك بدون لوحات معدنية، وتحرك بها فى شوارع صلاح سالم وحديقة الأزهر حتى لحظة السير عكس الاتجاه بشارع كورنيش النيل دون أن يقوم أى مواطن بالإبلاغ عنها إلا بعد وقوع الجريمة؟.
إننا هنا وإن كنا نشد على أيدى الأجهزة الأمنية ونشكرها على ما قامت به من عمل خارق وسط دولة يبلغ تعداد سكانها مائة مليون نسمة.. لكننا نشفق عليهم وبحق فى هذا الجهد الذى يبذل من جانب واحد، وهو ما يجعلنا ننادى دائمًا بأن الظهير الشعبى والإعلامى والاجتماعى والدراسى والأزهر والأوقاف، وكل مواطن فى هذا البلد عليه دور كبير فى حمايته وسلامته.
فليس بالأمن فقط سوف نواجه الإرهاب دائمًا.
وتحيا مصر.....