رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حوارات كشف المستور فى زمن الأزمة


كثيرًا ما تقودنى يداى وفأرة الحاسب الآلى إلى كثير من دهاليز الكتب، أتصفح عناوينها، وأقف عند ما يطيب لى منها، ويوافق مزاجى القرائى.. هكذا أفعل دون أن أتنازل عن علاقة العمر الحميمة مع الكتاب المطبوع، كأس القراءة وخمرها المُدام.. وهكذا أيضًا وجدتنى وجهًا لوجه مع نسخة من كتاب مصرى محفوظة طبعته الأولى فى مكتبة جامعة «تورنتو»، أكبر الجامعات الكندية، لأهميته فى كشف النقاب عن كثير مما حدث فى مصر، إبان أزمة حكم مرسى وجماعة الإخوان الإرهابية لها.

تذكرت أن لدىّ نسخة من الطبعة الثانية المنقحة لهذا الكتاب.. فعدت إلى رفوف مكتبتى، وشرعت فى قراءة ما سبق أن أهدانيه الكاتب الصحفى على محمود نسخة من الطبعة الثانية لكتابه المهم «حوارات فى زمن الأزمة.. أسرار انتصارات مصر السيسى»، التى قامت الهيئة العامة للمطابع الأميرية بطباعته، بعد أن نصحه بعض أساتذة الصحافة بتقديم هذه الطبعة، حتى يتذكر الشعب المصرى الأحداث الجسام التى مرت بمصر المحروسة خلال عام ٢٠١٢، وأدت إلى قيام ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، التى أسقطت النظام الدينى الفاشى الإرهابى، ممثلًا فى جماعة الإخوان، وهو ما قام عليه فورًا، خاصة وقد حظيت الطبعة الأولى من الكتاب بنصيبها من النفاد حال طرحها بالأسواق، مما يُعد مؤشرًا على تنامى الحالة الثقافية المصرية، وتوق الناس الشديد إلى معرفة ما وراء الحدث، وما هى آفاق المستقبل.. يستوى فى ذلك ما كان أيام جماعة الإخوان الإرهابية، وما يحدث فى أى وقت وحين.. فالزمن لم يعد زمنًا للسماع المجرد لحكايات الأحداث وأبطالها، بل هو وقت التفاعل والاشتباك، بحثًا عن الحقيقة، وسعيًا وراء كشف غموض ما قد يعتريها، من زيف أو تحريف. ينتهج المؤلف، الذى ينتمى إلى مؤسسة «دار الهلال» الصحفية العريقة، والمحرر العسكرى والأمنى الحالى لجريدة «الدستور»، فى تسجيله لهاتين المرحلتين العصيبتين من تاريخ مصر، الحوار سبيلًا لكشف الحقائق والمعلومات، من خلال ما يُقارب ثلاثين لقاءً أجراها المؤلف مع عدد من الشخصيات المهمة التى تمتلك معرفة بأحوال مصر خلال هاتين الفترتين، ولديها القدرة على تحليل أحداثها المركبة، فضلًا عن أن كثيرًا من هؤلاء الذين استجوبهم المؤلف كانوا شهود عيان عايشوا أحداث المرحلتين عن قرب، وينتمون إلى أفكار واتجاهات متعددة، تُمكن القارئ من استكمال زوايا الرؤية والصورة، بحيث يصبح أقرب ما يكون من الحقيقة.

بعض هؤلاء مسئولون كبار تولوا مناصب حساسة، مكنتهم من أن يكشفوا فى حواراتهم الستار عن أسرار كثيرة تتعلق بوقائع هذه الفترة، معظمها يخص الأمن القومى، وبعضهم محللون سياسيون معروفون بمصداقيتهم، ويتميزون بعمق الرؤية والفهم ودقة المتابعة لما يجرى على المسرح السياسى المصرى وداخل كواليسه.. وبين هؤلاء مفكرون عايشوا من الداخل تجربة حكم جماعة الإخوان، وعرفوا الكثير من أسرارها، وواتتهم الشجاعة أن يكشفوا فى حواراتهم مع المؤلف أهداف الجماعة ومخططاتها، بعد أن نجحت فى القفز على السلطة، وتمكنت من سرقة ثورة ٢٥ يناير من أصحابها الحقيقيين، وتولت مقاليد الحكم فى غفلة من الزمن، وركزت أول أهدافها على توزيع المغانم والمناصب على أبناء العشيرة والجماعة، كما سعت إلى تركيز السلطة فى يدها، وأقامت حكمًا فاشيًا مستبدًا، لم تر له مصر مثيلًا على امتداد تاريخها الحديث.

ما يزيد من قيمة شهادة هؤلاء أنها شهادات جاءت طازجة تحفل بالصدق وشجاعة الرأى، لأن حوارات المؤلف مع هذه النخبة الواسعة جرت، فى الأغلب، فى غمار أحداث مهمة شهدتها البلاد خلال هاتين المرحلتين، فكانت شهاداتهم تعبيرًا كاشفًا عن مواقف واضحة، تلقى المزيد من الضوء على هذه الأحداث وتكشف أسرارها وغموضها وأهدافها ومراميها.. ولأن الحوارات استهدفت استقصاء الحقيقة، من خبراء وسياسيين ومفكرين وقضاة وشهود عدول، فإنها تشكل فى مجموعها صورة مكتملة واسعة الأبعاد لمجمل الظروف التى أحاطت بمصر خلال هاتين الفترتين، وطبيعة المحركات السياسية التى أدارت أحداثها.

وعند المنتهى من القراءة أدركت سر احتفاظ جامعة كندية بنسخة من كتاب عن بعض أحوال مصر، لدى مكتبة إحدى جامعاتها.. فإذا كان حفظ التراث الإنسانى جزءًا من رسالة هذه الجامعة، إلا أن سببًا آخر ربما سافر بهذا الكتاب إلى ما وراء البحار.. فقط كونه شهادة على حقبة ستظل محفورة طويلًا فى التاريخ، لأنها فترة فرقت بين الحق والباطل، فزال الباطل وبقى الحق، وراح الشعب يبنى دولته من جديد.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.