السيناريو العراقي حاضر في المشهد السوري رغم الاتفاق الأمريكي الروسي
رغم الترحيب العربي والدولي من جانب كل من الأمم المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، بالاتفاق الأمريكي ـ الروسي على خطة لنزع الأسلحة الكيميائية السورية بحلول منتصف 2014، إلا أن الاتفاق تضمن ايضا نصاً بالعودة إلى مجلس الأمن لإصدار قرار وفق الفصل السابع في حال انتهاك دمشق بنود الاتفاق، بما يلوح في الأفق شبح السيناريو العراقي الذي بات يلقي بظلاله على المشهد السوري.
وقد تضمن الاتفاق البنود الرئيسية التالية :
أولاً: تطلب الولايات المتحدة وروسيا من منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية الموافقة على إجراءات غير عادية خلال الأيام القليلة القادمة "لتدمير برنامج الأسلحة الكيميائية السوري على وجه السرعة والتحقق بطريقة صارمة من ذلك".
ثانياً: تعمل الولايات المتحدة وروسيا معا لتبني قرار سريع من الأمم المتحدة يضع موضع التنفيذ قرار منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيمائية بما في ذلك خطوات لضمان التحقق من التنفيذ وفاعليته.
ثالثاً: يتعين على سوريا ضمان حق تفتيش أي المواقع وكل المواقع في سوريا على الفور ودون قيود.
رابعاً: إذا لم تلتزم سوريا ـ بما في ذلك النقل غير المرخص للأسلحة الكيمائية أو استخدامها من جانب أي طرف في سوريا ـ فيجب أن يفرض مجلس الأمن "إجراءات" بموجب قرار يصدر على أساس الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (الذي يجيز استخدام القوة).
خامساً: على سوريا أن تقدم في غضون أسبوع "قائمة شاملة تتضمن أسماء وأنواع وكميات أسلحتها الكيميائية وأنواع الذخائر وموقع وشكل التخزين والإنتاج والأبحاث ومنشآت التطوير".
سادساً: تريد الولايات المتحدة وروسيا تدمير الأسلحة خارج سوريا إذا أمكن ذلك. ويتعين القضاء على منشآت تطوير وصنع أسلحة كيميائية ونظم إطلاق الأسلحة.
كما يشمل الاتفاق المواعيد المستهدفة التالية: استكمال التفتيش الأولي الميداني للمواقع المعلن عنها بحلول نوفمبرالمقبل، تدمير معدات الإنتاج ومزج العناصر وتعبئتها بحلول نوفمبر أيضاً، القضاء الكامل على كل مواد الأسلحة الكيميائية ومعداتها في النصف الأول من عام 2014.
مؤشرات الضربة العسكرية قائمة :
وعلى الرغم من وضوح هذه البنود، إلا أنه ثمة مؤشرات قوية على نية الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، على غرار ما فعلت في العراق رغم التزامه حينئذ بقرارات الأمم المتحدة وشروط المفتشين الدوليين، ومن أهم هذه المؤشرات ما يلي:
أولاً: برغم ترحيب الرئيس الأمريكى باراك أوباما بالاتفاق واستعداده لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية الجارية حول ملف الأسلحة الكيماوية السورية، خاصة بعد اعتراف دمشق بامتلاك أسلحة كيماوية، وكذلك إعلانها الاستعداد للانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، إلا أنه أكد أن الخيار العسكرى لا يزال مطروحا إذا فشلت الحلول السياسية، مشدداً على ضرورة أن تظل بلاده "مستعدة للتحرك" فى مسألة الأسلحة الكيماوية.
ثانياً: رفض العضوين الجمهوريين بمجلس الشيوخ الأمريكي، جون ماكين وليندسي جراهام، الاتفاق الأمريكي والروسي حول تدمير الأسلحة الكيميائية السورية، معتبرين أن نظام الرئيس بشار الأسد سيستخدمه لمماطلة وخداع العالم، ووصفاه بأنه مجرد بداية طريق دبلوماسي "ضيق ومعتم"، مؤكدين أن الاتفاق لا يمكن أن يحل الأزمة، وأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقاد إليه من قبل الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ثالثاً: كشفت بعض التقارير الأمريكية، أن واشنطن ستبحث عن عقوبات أخرى ملموسة فى حالة عدم التزام سوريا بموقفها حيال ترسانة الأسلحة الكيماوية. الأمر الذي يعيد الأذهان إلى التجربة العراقية بكل ما حملته من مغالطات أثبتها وأكدها بعض المسئولين الأمريكيين فيما بعد.
رابعاً: أثبتت تطورات الأزمة السورية قدرة النظام السوري على المماطلة والتسويف والخداع التكتيكي تارة والاستراتيجي تارة أخرى، وهنا يبدو أن هذه سمة مميزة لكل الأنظمة البعثية العراقية والسورية، ولذا ليس من المستبعد أن تسير الأزمة السورية إلى نحو ما آلت إليه الأزمة العراقية الصدامية.
خامساً: في ظل الاصرار الفرنسي على استصدار قرار من مجلس الأمن يلزم النظام السورى بتنفيذ وعوده فى تسليم ترسانته الكيماوية، على أن يكون القرار محدداً بفترة زمنية. فإن سيناريو اللجوء للقوة العسكرية يظل قائماً وبقوة، حيث قدمت فرنسا مشروع قرار معدلا بشأن سوريا إلى مجلس الأمن لمناقشته، يدعو إلى إحالة مرتكبى استخدام السلاح الكيماوى إلى محكمة الجنايات الدولية، منذ ١ مارس ٢٠١١.
وينص مشروع القرار الفرنسي، على أن توافق دمشق فى غضون ٢٤ ساعة من إصدار القرار الأممى على وضع كل عناصر برنامج الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية، ويطالب القرار حكومة الأسد بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة فى غضون ٧٢ ساعة عن أماكن مكونات البرنامج.
ويطلب القرار الفرنسى المعدل من الأمين العام أن يقدم فى غضون ٣٠ يوماً خطة لإنشاء مهمة خاصة للأمم المتحدة تعنى بحظر الأسلحة الكيماوية، كما ينص على اتخاذ الإجراءات المناسبة إذا استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية مجدداً. ويطلب من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية خلال ٥ أيام استصدار قرار وضع آلية لمراقبة مستمرة ودائمة لـ٥ مواقع إنتاج للسلاح الكيماوى.
كما يدعو مشروع القرار الفرنسى كل الأطراف إلى تشكيل هيئة حكومية انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة خلال ٩٠ يوما. ولم يحدد حتى الآن موعد لمجلس الأمن لمناقشة هذا القرار المتشدد، الذى ربما لن يمر فى مجلس الأمن بسبب الموقفين الروسى والصينى.
على أية حال يمكن القول: إن التوصل لهذا الاتفاق الإطاري للقضاء على الأسلحة الكيميائية السورية، لا يعني انتهاء الأزمة، وإنما استمرارها لفترة زمنية أخرى يستطيع نظام الأسد من خلالها الدخول في ترتيبات أخرى تضمن عدم محاسبته عما ارتكبه بحق الشعب السوري من مذابح وانتهاكات، وتضمن له وبقايا أركان نظامه المحافظة على مكتسبات معينة، وحتى لا يكون مصيره مثل مصير بعض قادة دول الربيع العربي.