رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشك واليقين.. فى قوتك تكمن نقطة ضعفك «٢»



هل حقًا إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه.. وصدّق ما يعتاده من توهمِ، وأصبحَ فى ليلٍ من الشك مُظلمِ، كما يقول المتنبى؟
فرغم أن «الشكوك هى الموصلة إلى الحق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقى فى العمى والضلال».
إلا أن الشك قد لا يناسب كل النفوس وكل العقول.. القدرة على التشكيك ميزة لا يمتلكها كل البشر.. الأسئلة تحتاج إلى تفكير والتفكير يحتاج لصمت والصمت يحتاج لزمن يملكه الإنسان وليس لساعات وعقارب هو عبد لها، والساقية التى تدور يغلب هديرها على همسات: مَنْ نحن؟ ومن أين أتينا؟ وما الذى ينبغى علينا أن نكون عليه؟
الشك ينبع من قوة، من ثبات ما، من رفاهية قد لا يمتلكها كثيرون حتى لو كان الشك مؤرقًا، مجهدًا، وهذا ما يجعل كلفته عالية لا يطيقها كثيرون.
من يملك قدرة «ديكارت» فيشك فى كل ما يعرف، سواء ما كان مكتسبًا أو ما توصل إليه شخصيًا، حتى إنه قرر عدم تصديق أى شىء، لأنه إذا آمن بشىء فلن يعرف أبدًا إن كان على صواب أم على خطأ.
الشك يحتاج لطول أمل، لصبر، لا يتعلق الأمر بالإيمان بظاهر الأمور وسطحها أو الإيمان بالباطن والعمق، إنما يرتبط ربما باليقظة والغفلة.
هل يكفى أن ندرك مدى جهلنا وقلة ما نعرفه كما يقول سقراط؟
كيف نعرف أن ما نفعله صحيح أم خاطئ؟ لماذا نعتقد أن بعض الأمور صحيحة والأخرى خاطئة، فتصبح الحقيقة نسبية ولا توجد حقيقة واحدة ثابتة أو يمكن تعميمها؟
كيف نمتلك يقينًا بينما يمكن لجسدنا فى أى لحظة ودون سبب واضح أو لسبب متعلق بالبيئة أو الوراثة يخذلنا ويتفكك ويتهاوى، فالخلية البشرية التى هى الوحدة الأساسية المكونة منها أجسامنا نتيجة لنشاطها الطبيعى أو لعوامل بيئية، مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة الأخرى، معرضة لأن يصاب حمضها النووى بالتلف ما يؤدى إلى إصابة الخلية بملايين الآفات والتغيرات.
على سبيل المثال يحدث أن يصاب الجهاز المناعى فجأة بفرط نشاط، ويصبح فى حالة تحفز وتأهب مستمرين، واستعداد لمهاجمة أى شىء يقابله، حتى وإن كانت أنسجة الجسم نفسه، يضرب الخلل قدرته على التمييز بين خلايا الجسم وأنسجته وبين الأجسام الغريبة التى تهاجم الجسم، مثل الجراثيم والفيروسات والبكتيريا والفطريات، يفقد القدرة على التفرقة بين العدو والصديق، فيأكل الإنسان نفسه حرفيًا.
والمضحك المبكى أن النساء اللاتى يتمتعن بجهاز مناعى أقوى من الرجال، نتيجة ما يتعرضن له من حمل وولادة ورضاعة ما يتطلب جهازًا مناعيًا قويًا قادرًا على حمايتهن.. هذه الحماية القوية تنقلب فجأة وتجعل النساء الأكثر إصابة وضررًا من أمراض المناعة الذاتية أكبر بكثير من الرجل.
أنت لا تدفع فقط ثمن أخطائك ولكنك تدفع ثمن قوتك مضاعفًا.
الشك: سلس البول، الذئبة الحمراء، الإكزيما، بطء الحركة، المشية غير المتوازنة، تصلب العضلات وتشنجها، فقدان الجسم قدرته على القيام ببعض الحركات التلقائيّة، كالابتسام والرمش بالعينين وأرجحة الذراعين أثناء المشى، التأتأة فى الكلام، الأرق، مشاكل فى النوم، الشعور بالكآبة.. وبسبب كل هذه التأرجحات تحتاج وأنت فى آخر العمر، حيث تتحلل أعضاؤك، تتفسخ الخلايا وتهترئ الروابط اللاصقة، ولا يتحكم الإنسان فيما يخرج منه، وتكون كل الضوابط منفلتة.. فى هذه اللحظات المتأرجحة، قد تحتاج ليقين، لأرض ثابتة تقف عليها، صلابة تسند ميوعتك، أو استقامة توازن اهتزازك.