رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد استخدامه في «حادث الأورام».. «تليجرام».. سلاح الإرهاب الخفي

التليجرام
التليجرام

تطبيق إلكتروني لم يُرحب به في عدة دول على مستوى العالم منذ إطلاقه، بسبب تسببه في جرائم عالمية. "تليجرام" هو التطبيق الروسي الذي كان هدفه في البداية توفير وسيلة للتواصل لا تستطيع الحكومة الروسية أو أي حكومة أخرى اختراقها.

ظهر هذا التطبيق بعد أن سرب "إوارد سنودن"، ضابط المخابرات الأمريكي السابق، وثائق تفيد بتجسس وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» على مواقع التواصل الاجتماعي، وتخطيها خصوصية المستخدمين بتتبع محادثاتهم وتسجيلها، حتى أن روسيا لم تسلم من اختراق الجهاز الأمريكي.

هنا أعلن «بافيل دوروف» مؤسس شبكة التواصل الاجتماعي الروسية الشهيرة «VK»، التي تُشبه في طبيعتها موقع " فيس بوك "، عن تطبيق جديد يجمع بين السعادة والأمان، ليصبح عام 2013 بداية مولده واستخدامه، لكن "دوروف" لم يسلم من العداء الذي نشب بينه وبين والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بسبب طريقة برمجة "التليجرام" المعتمدة على التشفير، بجانب الخلافات السياسية السابقة بينهم.

الحكومية الروسية تحاول السيطرة على التطبيق
لم يتمكن جهاز الاستخبارات الروسية من مراقبة بعض مُستخدمين التطبيق لفترات طويلة، حتى طلبت من القائمين عليه إلغاء خاصية التشفير، لكن قُبل طلبهم بالرفض التام، فكان رد الشركة الأم أن التشفير هي الخاصية الأساسية التي صُمم تطبيق «التليجرام» من أجلها، فقد أصبح الأكثر انتشارًا في العالم بعد فترة وجيزة من إطلاقه، لقدرته على منع أي محاولات اختراق للمحادثات النصية.

استغلت الجماعات الإرهابية إنشاء تطبيق على المواقع الإلكترونية لديه صفات تناسب طريقة تخفيهم من الأجهزة الأمنية، لكون خاصية التشفير المزود بها تطبيق «تليجرام» شديدة التعقيد.

فلا أحد باستثناء الراسل والمُستقبل يمكنه قراءة المحادثات، الأمر الذي أكسب التطبيق شهرة عالمية، وجعله يقع في أيدي أكبر المنظمات الإرهابية في العالم، لتكون "داعش" هي أول من تستخدم التطبيق في التواصل الخفي مع أفراد التنظيم.

وغادر فريق عمل شركة "تليجرام" الأراضي الروسية، وفقًا قوانين تقنية المعلومات المحلية، وحاولوا اتخاذ الكثير من المدن مقرًا لهم، بما في ذلك "برلين، لندن، سنغافورة".

"أبوبكر البغدادي" يبث فيديوهات لـ"داعش" عبر التطبيق
أول مايو 2019، ظهر أبو بكر البغدادى، زعيم تنظيم داعش الإرهابى، فى فيديو بثته مؤسسة الفرقان عبر تطبيق "تليجرام" متوعدًا القيام بعدة عمليات ارهابية، ليكشف عن استخدام التطبيق في الدائرة الخاصة بتواصل الإرهابيين فيما بينهم، بعد أن كثفت تطبيقات «فيسبوك» و«تويتر» جهودها، من أجل غلق الحسابات والصفحات التي تنشر محتوى مؤيدًا لداعش.

يحمل التطبيق في خصائصه مميزات سهلت استخدام الإرهابيين، وعلاوة على التشفير فهو يتيح إنشاء قنوات بث خاصة، التي من خلالها تتمكن "داعش " من جذب مؤيدين للانضمام إليها.

ومنه أيضًا بدأت بث الفيديوهات التسجيلية الخاصة بالعمليات التي تنفذها «داعش»، سواء أكانت لإعدام الضحايا، أم توثيق عمليات العنف التي تنفذها خارج حدود سوريا والعراق، الأمر أصبح فجًا مما دفع القائمين على «تيليجرام» إغلاق 78 قناة تابعة لـ«داعش»، بعد أحداث باريس الدامية عام 2015.

واتخذت "داعش" التطبيق وجهة لها تبث من خلالها العملية الإرهابية المقرر تنفيذها داخل باريس، وبالفعل نُفذت العملية في منتصف نوفمبر عام 2015، وراح ضحيتها 127 شخصًا وعشرات المصابين، وأعلن التنظيم من خلال قناته الرسمية على التطبيق عن نجاح العملية، مهددًا بأنها مقدمة لعاصفة مقبلة.

هنا يُخطط لأكبر عمليات إرهابية على مستوى العالم
وأشارت تحقيقات وتقارير إلى أن تطبيق «تيليجرام»؛ استُخدم في التخطيط لهجوم برلين في عيد الميلاد عام 2016، والهجوم الذي نُفذ في ملهى ليلي ليلة رأس السنة قبل الماضية في إسطنبول، بالإضافة إلى الهجوم الذي نُفذ في مدينة سانت بطرسبرج الروسية في منتصف أبريل العام الماضي.

وهو الهجوم الذي دفع القائمين على التطبيق للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الروسية يقتضي بمشاركته مجموعة محدودة من بيانات المُستخدمين المُشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة، على أن يدير "تليجرام" عملية مشاركة البيانات.

الأمن الروسي كان أعلن عن استخدام الجماعات الإرهابية لتطبيق "التليجرام" أثناء عملية التفجير الإنتحاري في "مترو سان بطرسبرج"، التي راح ضحيتها 11 قتيلًا وعشرات المصابين، حتى يتمكنوا من التواصل وتلقي الأوامر دون اختراق، لكون الإرهابيون يستخدموه للتخطيط لأعمال وحشية على أراضٍ روسية.

وأعلن "داعش" عبر التطبيق أيضًا، عن تبينه لحادث إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية، أكتوبر عام 2015، والتي راح ضحيتها 224 شخصًا كانوا على متنها، معظمهم من السائحين الروس، أثناء عودتهم من شرم الشيخ إلى مدينة سانت بطرسبرج.

وقال عبدالرحيم المسماري، الإرهابي الليبي، المتهم في حادث الواحات الإرهابي الذي وقع عام 2017، خلال لقاء تليفزيوني سابق، إنه تواصل مع أفراد الجماعة في ليبيا عبر "التليجرام" لإغاثته، بعد هجوم الجيش جوًا على مجموعته الإرهابية، لكنهم لم يفلحوا في الوصول إليه.

لم تكن تلك العمليات هي الوحيدة التي يُعلن عنها عبر "تليجرام"، فكانت أغلقت خدمة "تليجرام" للرسائل القصيرة عشرات قنوات التواصل التي يُعتقد أنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بأكثر من لغة، في 19 نوفمبر 2015، بسبب تواصل عناصره بشكل سري بعيدًا عن أعين رجال الأمن.

واتضح مؤخرًا في التسجيل الصوتي المُسرب للإرهابيين الذين قاموا بتنفيذ عملية المنيل منذ أيام، أنهم استخدموا التطبيق في التخطيط ومتابعة مستجدات هذه العملية، فقد ذُكرت كلمات من إحداهم تفيد بأنه لا يستطيع التواصل مع أحد الأشخاص التابعين للعمل الإرهابي بسبب عدم حصوله على حساب شخصي في التطبيق.

خبير أمني :الحل حجبه عن مصر كما فعلت روسيا
يوضح اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق وخبير أمني، في حديثه لـ"الدستور"، أن مصر لديها جهاز شرطة مصري قوي، كما أن لديها أجهزة اتصالات وأمن قومي على قدر من الاستعداد لمواجهة أي تحديات تقابلها، وجميع هذه الأجهزة المعنية بحفظ الأمن القومي للبلد في تعاون وتواصل دائم يتم في غاية السرية.

وعن تواصل منفذي العمليات الإرهابية من خلال التطبيقات الذكية لا سيما تطبيق "التليجرام"، يقول مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن حاليًا مصر أمامها اختيارين الأول هو أن تمنع التواصل من خلال هذا التطبيق أي تحجب التطبيق نهائيًأ كما فعلت روسيا، أو أنها تترك استخدام "التليجرام" ويتم التعامل مع بشكل طبيعي لكن وفقًا لشروط خاصة وأحكام تضعها البلد، مشيرًا إلى أن السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي تتم في إطار قانوني وتحتاج لتقنية عالية.

"مصر تدفع ثمن العروبة"، هكذا يرى نور الدين، تفسيره للعمليات الإرهابية التي تشنها الجماعات الإرهابية على مصر، موضحًا أن مصر عادت إحكام قبضتها على إفريقيا مرة ثانيًة فضلًا عن سيادتها للدول العربية.

وأضاف: "دور مصر هذا ليس من فراغ فهو نتاج مجهودات ضخمة، وسياسات اتبعتها مصر لاستعادة مكانتها مرة أخرى، وخير دليل على هذا هو وقوف مصر في صف دول الخليج ضد إيران، ومد يد العون لليبيا ضد الميليشيات العسكرية، بالإضافة إلى دورها الجلي ومساندة السودان في خطواتها".


من جانبه قال خالد عكاشة، الخبير الأمني، أن الجماعات الإرهابية لجأت لاستخدام التطبيقات الذكية، وبدأت تعتمد عليها بشكل كبير في التواصل وإصدار الأوامر وتلقي المعلومات فيما بينهم؛ حتى خُيل لها أنها هكذا تبتعد عن أنظار الحكومة من مراقبة الهواتف والتتبع عن طريق الشرائح ، موضحًا أن الجماعات الارهابية تحاول تبادل التكليفات والإصدارات عبر هذه التطبيقات وخاصة الواردة من الخارج هربًا من أجهزة الأمن.

وتابع عكاشة، أن الأجهزة الأمنية في مصر كشفت ملابسات الحادث في أقل من 70 ساعة من وقت وقوع الحادث من خلال تشكيل خريطة معلوماتية، وهو أمر يؤكد على احترافية جهاز الشرطة المصري، ملفتًا أنه يتوقع أن المكالمة التي تم إذاعتها قبل تنفيذ العمل الإرهابية ليست كاملة؛ مرجعًا أسبابه أن بقية المكالمة تتضمن معلومات بشأن الحادث وتوقيته والتمويل المالي والأشخاص المتورطين؛ لذا فضلت أجهزة الأمن والتحقيق الاحتفاظ بها لسريتها وأهميتها.
الدول تقرر حجبه قبل فقد السيطرة.. وروسيا أولهم
لكل تلك الأمور قررت عدة دول حجب هذا التطبيق من الاستخدام في بلادها باعتبراه " حامي للارهاب "، فكانت روسيا بلد ميلاده أول الدول التي أخذت إجراءات تهدد باستمرار عمل التطبيق، وفرضت عليه عقوبات مالية لتعجيز إداراته، حتى أنها باتت تبثه من دولة الامارات المتحدة، كل هذا بسبب استخدام داعش له، الأمر الذي يهدد الصالح الروسي في المنطقة .

دولة أندونسيا جاءت في المرحلة التالية، فحذرت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الاندونسية في يوليو عام 2017 من التطبيق، واستخدام الويب الخاص به معللة ذلك بأن العديد من القنوات المُفعلة فى هذه الخدمة تستخدم لتجنيد إندونيسيين بمجموعات مسلحة، ونشر الكراهية لتنفيذ الهجمات بما فى ذلك صنع القنابل.


كانت المملكة العربية السعودية أولى الدولى العربية التي مارست الحجب ضد تطبيق"التليجرام"، وكان هذا في العاشر من يناير من عام 2016 حسب ما صرح "دورودف "، لنفس الأسباب التي توسمه بالمساهمة في نشر الفتن والارهاب.

هكذا كان حال الحكومة البريطانية حين دعت مؤسس التطبيق إلى مناقشة المسألة الخاصة بالتشفير، فكان رد "دوروف" أن في حالة تدخل أجهزة الأمن في التطبيقات الإلكترونية سنشهد استهتارًا بالسلطة، من خلال تجسس السلطات عى المواطنين، معبرًا عن عدم شعوره بالذنب.

خبير أمن معلومات: التطبيق الوحيد الذي لا يُسجل برقم موبايل
يقول المهندس وليد حجاج، خبير أمن المعلومات والمعروف إعلاميًا بـ"صائد الهاكرز"، في حديثه مع "الدستور"، إن تنظيم داعش يُعد كأبرز مستخدمي تطبيق "التليجرام" على مستوى العالم، لكونه لا يعتمد في تفعيله على رقم موبايل مثل باقي التطبيقات الإلكترونية، فهو تطبيق يحتاج إلى تسجيل الإيميل الخاص فقط دون أي بيانات أخرى.

ويوضح حجاج، أن "التليجرام" هو التطبيق الوحيد من مختلف منصات التواصل الاجتماعي يتمتع بتقنية خصوصية مرتفعة للغاية لا يمكن تشفيرها، فهو لا يُقارن بأي تطبيقات أخرى لما يمتاز به من مستوى عالٍ في أمور التشفير الذي لم تستطع الحكومات اختراقها، ومحافظته على الخصوصية تخلق صعوبة في تتبع المحادثات وصولًا إلى المستخدمين.

يشير خبير أمن المعلومات، إلى طرق القضاء على انتشار تلك التطبيقات مما يساعد الدول على ضبط الجماعات الإرهابية، التي تتطلب اتفاقات دولية وبرتوكولات تعاون تلزم الجهة الممثلة فى الشركة بالإفصاح عن تلك البيانات للحفاظ على الأمن القومى للدول، في حين استخدام الجماعات الإرهابية تلك التطبيقات من خلال القمر الصناعى.

خبير إلكتروني :تحديثات التطبيق تساعد على محو حسابات الأفراد
يوضح المهندس محمد حسين، خبير في المواقع الإلكترونية، أن تطبيق "التليجرام" يمتاز بشعبية كبيرة بين دول العالم مثله مثل أي تطبيق آخر، مما يجعل الأمر صعب في إصدار قرار وقفه، فمستخدمو التطبيق يشاركوا 35 مليون صورة بشكل يومي، بجانب تزايد العدد كل ساعة، بينما يشارك مستخدمو تطبيق "إنستجرام" 70 مليون صورة يوميًا.

وأشار حسين، في حديثه لـ"الدستور"، إلى التحديث الذي فعله "التليجرام" في عام 2014، لوصفه بالتدمير التلقائي للحساب الشخصي، فهذه الخاصية المضافة اعتمدا في الأساس على حذف جميع المحادثات وسجل الاتصال والبيانات الأخرى في حالة التوقف عن استخدام التطبيق، أو عدم تسجيل المدة لمدة 6 أشهر.

وفي حالة حذف المستخدم للرسائل خاصته يحذفها التطبيق أيضًا لدى المستقبل، بالإضافة إلى وجود خاصية يمكنها تحديد مدة زمنية معينة لحذف الرسائل والصور بعد القراءة مباشرة من قبل المستخدم الآخر، حتى تختفي المحادثات من كلا الشخصين، يستطرد حسين

يتابع الخبير الإلكتروني، أن مؤسسي تطبيق "التليجرام" كانوا أعلنوا عن عدم بنائهم لقاعدة مستخدمين يجنوا من خلالها المال، بل ينشئون نظام مراسلة للمواطنين، فالشركة لا تستعمل اشتراكات أو إعلانات بسبب عدم حصول مؤسسيها على أي دخل مادي، بينما يتغلب على جميع منافسيه من جانب الأمان والتشفير والحفاظ على الخصوصية.

وعن الاستخدام الإرهابي، يقول: "لن تحصل التنظيمات الإرهابية على ملاذ آمن مثل هذا التطبيق، لإجراء خططهم السرية ومحادثاتهم الخفية دون اختراق من قبل أجهزة الأمن، بجانب أنه من الصعب السيطرة على إغلاق التطبيق للأبد، بل يمكن حجبه عن مصر كما فعلت بعض الدول الأوروبية والعربية".