رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«التاء المربوطة » والأمن الأسرى


يبدو أنه لا بد أن نسأل أنفسنا فى تلك المرحلة من تاريخنا: كيف يمكن للمرأة أن تلعب دورًا فى نشر ثقافة السلام إذا كانت تشعر بأنها لا تعيش سلامًا داخليًا، وبأن علاقتها مع ذاتها لا تغمرها مشاعر الرضا والطمأنينة والأمان وعدم الخوف من المستقبل.

لذلك، وكما تؤكد الباحثة الدكتورة وفاء جناحى، أنه وحتى تضطلع المرأة بدورها فى نشر ثقافة السلام فى المجتمعات، يجب التأكد من تمتعها بالسلام الذاتى وأيضًا السلام الأسرى، ولن يتحقق ذلك إلا بضمان حصول المرأة على المكتسبات الإنسانية والاجتماعية والعلمية كـ«الاحترام والتعليم والعمل وحرية التعبير والتصويت والترشح»، وضمان تمتعها بحقوقها فى قوانين الأحوال الشخصية «سن الزواج، الإرث، الطلاق، حضانة الأطفال، الزواج بالإكراه، التبعية.. إلخ»، ليس هذا فحسب، بل لا بد من الاهتمام بالجانب التعليمى للمرأة لتتحمل قدرًا من المسئولية، وكما قال الشاعر «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق».

لقد أوضحت دراسة قديمة نسبيًا نُشرت بمركز بحوث الإعلام بجامعة القاهرة، وأجراها الدكتور محمود يوسف، الأستاذ بكلية الإعلام، عن صورة المرأة المصرية فى الأفلام السينمائية التى يقدمها التليفزيون، أن ٧٢٪ من تلك الشخصيات النسائية، تحمل ملامح سلبية مقابل ٢٨٪ فقط يحملن قيمًا إيجابية لصورة حواء السينمائية جاء فى مقدمتها التفكير المادى واستخدام عبارات مبتذلة أثناء الحديث، وإظهار مفاتن الجسد بطريقة مبالغ فيها، وشرب الخمر وتزيين الفاحشة وتجميل السقوط للرجل. كما أكدت الدراسة- كما جاء فى صحيفة الأهرام- أن ٣٥٪ من تلك النماذج التى تقدمها السينما يدفعها الثراء السريع لممارسة أعمال غير مشروعة.

فى حوادث ممارسات التحرش وجرائم هتك العرض والاغتصاب، والتى توثقها المراكز البحثية، نجد أن الجرائم التى لا يكشف عنها تفوق بكثير تلك التى يُبلغ عنها، لأن الكثير من النساء، يرغبن فى تجنب الفضيحة التى سيحدثها إبلاغهن عن الجريمة، وما يتبعه من تحقيق ومحاكمة، والحرج الناشئ عن نظرة الناس إليهن، والتى تجعلهن يشعرن وكأنهن هن اللاتى أجرمن، ذلك أن المعاملة التى تلقاها النساء المغتصبات، سواء من بعض رجال الشرطة عند الإبلاغ عن الجريمة، أو من جهاز العدالة أثناء المحاكمة تسبب لهن ارتباكًا شديدًا، إذ ينظر إليهن المعنيون فى خبث وارتياب، ويبالغون فى توجيه الأسئلة التى تتناول أدق التفاصيل، وغالبًا ما يعتبرون أن الضحية كانت سببًا فى وقوع الجريمة، سواءً لأن مظهرها جذاب، أو لأن سلوكها فيه شىء من الليونة، الأمر الذى قد يؤدى إلى تعذر زواج الضحية إذا كانت لم تتزوج بعد، أو إلى طلاقها إذا علم زوجها بما حدث، فتفضل إبقاء الأمر سرًا، كذلك قد تكون الفتاة على علاقة عاطفية برجل يغتصبها ويعدها بالزواج ريثما تنقضى اللحظات التالية للاغتصاب بما يكتنفها من مشاعر القلق والندم من جانب الفتاة، فإذا انتهى الأمر، ولم تقم الفتاة بالإبلاغ عما حدث، عمد إلى إنهاء العلاقة، أو أبقى عليها فى شكلها الجديد.

نعم، وتؤكد العديد من الدراسات والبحوث الميدانية الاجتماعية التى تجرى فى مجتمعاتنا المحلية والعربية، أن هناك حساسية بالغة تجاه أى لون من ألوان التمرد النسائى ضد الرجل مهما كان مُقنعًا فى دوافعه وأسبابه، لأنه يعتبره اعتداء على القيم السائدة ذاتها، وقد يتضح ذلك من خلال مقارنة الكثير من الأحكام التى ترصدها المراكز البحثية النسوية، والتى تصدر عن القضاة فى قضايا تتعلق بالنساء أو الرجال. فعلى سبيل المثال كانت عقوبة شاب قتل شقيقته الحبس سنة مع إيقاف التنفيذ، فى حين حُبست إحدى الزوجات ستة أشهر مع النفاذ لأنها ضربت زوجها، رغم أن الضرر الناتج فى الحالتين لا يُقارن، كذلك قررت النيابة إخلاء سبيل أب فقأ بقسوة عينى إحدى بناته بضمان مالى ليستطيع إعالة بقية أبنائه دون التنبه إلى خطورته الإجرامية على بقية بناته، خاصة أنه اشتُهر بكراهيته للبنات، وقسوته البالغة فى معاملتهن، ودون أن يحصل من المجتمع رد فعلى تلقائى على الحادث، لأن «الإحساس بكراهية الفتيات إنما يعبر عن قيمة اجتماعية راسخة ناتجة عن الوضع المتدنى للمرأة»، وأبرز أشكال العنف الموجهة ضد المرأة تتمثل فى الإيذاء البدنى، والطلاق التعسفى قد يجسد ممارسة للعنف عندما يرسل الزوج للزوجة ورقة تعلمها بأنها طالق، لمجرد إشباع نزوة كالزواج من أخرى، أو يحاول إذلالها وجرجرتها إلى المحاكم لسنوات عدة، رافضًا تطليقها، حتى تتنازل له عن جميع حقوقها، بل وحتى تدفع له مبلغًا كبيرًا، ودعاوى النفقة التى ترفعها الزوجات القادرات على مقاضاة الزوج كثيرة جدًا، وتشهد على ما تعانيه المرأة من إذلال وإهدار لحقوقها وانتهاك لكرامتها.