رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مافيا العقارات».. «الدستور» تحقق في سماسرة الإيجارات السكنية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

موجة عارمة تبدأ في بداية المرحلة الجامعية من كل عام، فلا يستطيع أحد تجنبها، ولا يُجيد آخرون الاستنفار منها؛ فقط الغرق فيها هو الحل الوحيد أمام طلاب جامعة الأزهر، وما يعانون منه بسبب أسعار الشقق التي تزيد يومًا تلو الآخر، فمن كل حدب وصوب يأتي الطلاب من جميع محافظات مصر، بحثًا عن أماكن تضم خلوتهم بجانب جامعة الأزهر بالقاهرة، إلا أنّ مشكلة العثور على سكن للطلاب المستجدين المغتربين عن محافظاتهم، تواجههم منذ معرفة مكان كليتهم، فيبادرون للبحث عن مكان مناسب للسكن فيه قبل بدء الدراسة، مما يجعلهم فريسة سهلة في يد سماسرة الشقق المفروشة دون سابق إنذار.

«في مكاتب سماسرة أصبحوا يتاجرون في الموضوع ده وبيكسبوا فلوس كتير»، كلمات لخصت بها هدى كامل طالبة بجامعة الأزهر، جشع مافيا العقارات وجشع السماسرة، الذي أصبح فيروس مميت يمتص دماء كل من يقابله، ولم ينج منه طالب علم مغترب يبحث عن الاستقرار من أجل متابعة دراسته، أو حتى طالب فرضت عليه ظروفه الاغتراب واللجوء لمافيا العقارات واستغلال السماسرة في ارتفاع أسعار الشقق.

تقول الطالبة، إنّ وجود مافيا السماسرة هي العقبة الوحيدة أمامهم؛ فارتفاع الأسعار بالمناطق المجاورة لجامعة الأزهر، أصبح بيزنس لمن يُجيد التربح، سواء «وسيط»، أو غيرة من الذين يأجرون تلك العقارات، مؤكدة أنّ السماسرة وأصحاب الشقق يقومون باستغلال المغتربين، منتهزين احتياجهم المُلح والضروري لسكن بأسعار مرتفعة ومبالغ فيها.

هدى ليست الطالبة الأولى التي تشكو من جشع السماسرة وأصحاب العقارات في ارتفاع أسعار الشقق السكنية بمبالغ ضخمة على طلاب الأزهر، فهناك طلاب كثيرون يعانون من تلك الظاهرة الأثيمة، وهذا ما دفعهم لتفعيل هشتاج بعنوان (#الشقق_مش_بنزين_مقاطعة_السماسرة)، مطالبين الدكتور محمد المحرصاوي رئيس جامعة الأزهر بالتدخل السريع.

الغريب في الأمر أنَّ الشقة الواحدة يتراوح سعرها بدءًا من 1600 إلى 2000 جنيه، إلا أنّ تدخل السماسرة قد يصل سعر الواحدة إلى 6000 جنيه، ليس ذلك فقط. بل تسكن الشقة الواحدة ما يقرب من 10 طلاب فأكثر، فيتحول السكن من سكن آدمي لمخزن يفتقد كل عوامل الحياة الأدمية التي يحتاجها كل إنسان أبسطها الخصوصية، إلا أنًّ على الجانب الآخر لا يمتنع الطلاب بالرفض، خاصة وإن كانوا «بنات»، وذلك لعدم لجوئهم لأرصفة الشوارع، فيرضين بالواقع الأليم، حسبما ذكرته الطالبة هدى أثناء حديثها لـ«الدستور».

السماسرة يتحكمون في بورصة الشقق السكنية
علي خالد -أحد طلاب جامعة الأزهر الذين وجدوا أنفسهم ضحيه لأصحاب المكاتب العقارية أو كما يطلق عليهم الـ«سماسرة»-، يقول إن الأمر أصبح بذيئًا وأكثر قباحة، فالطالب أصبح كالفريسة الصغيرة التي يصطادها أسدٌ كبير الحجم وأكثر قوة، مشيرًا إلى أنّ «السماسرة» أصبحوا أكثر تحكمًا، إذ يقوم كل منهم بتأجير الشقة لحسابة الشخصي ثم الاتجار فيها بالسعر المبالغ فيه للطلبة، حسبما يؤكد الطالب.

يتابع خالد لـ«الدستور»، أنه في السنة الماضية حصل على شقة مقابل 2500 جنيه، إلا أنَّه تفاجأ هذا العام بارتفاع السعر إلى الضعف ونصف الضعف تقريبًا، وهذا جعله في حيرة حتى الآن ما بين أن يسكن بهذه الأسعار، وما بين أن يتعامل كطالب «المنازل»، الذي يأتي كل عام على الامتحانات فقط.

ومن جانب آخر يقول أحمد محمد طالب بجامعة الأزهر، إنه عندما قرر السكن بمنطقة قريبة من الجامعة ذهب لسمسار ليبحث معه عن سكن مناسب وقريب من كليته، واضطر بعدها أن يدفع 3 أشهر مقدم، كالتالي (شهر تأمين، شهر إيجار مقدم، شهر سمسمرة «للسمسار نفسه»)، موضحًا أن هذا يحدث مع كل الطلبة وليس معه فقط .

يوضح محمد، إذا قرر طالب أن يترك السكن لابد عليه أن يوفر بديلًا مكانه قبل الرحيل، ولا يحق له استرداد مبلغ التأمين قبل مرور عام دراسي والذي يبدأ من سبتمبر من كل عام.

سماسرة عقارات: المرحلة الجامعية موسم رزق وحصاد
كلام الطلاب لا يتناقض مع الحقيقة، وهذا ما أكده محرر الـ«الدستور»، عندما انتحل شخصية طالب بجامعة الأزهر ويُريد الحصول على شقة بالإيجار، فوجد أن الأسعار تختلف بحسب الحالة، إلا أنّ المطلق في الأسعار يبدأ من 3300، لكن الكارثة الحقيقة وهي أنّ الطالب قبل أن يسكُن عليه بدفع هذا المبلغ ثلاث مرّات، أي ثلاثة أقسام هى (إيجار الشقة + التأمين + العمولة).

عندما أراد محرر الـ«الدستور» أن يخفض السعر قليلاً، كان الرد من صاحب مكتب العقارات حاسمًا: «هو ده اللي موجود عندي»، مؤكدًا أنَّ المعاملة معه فقط لا مع صاحب العقار، وأنَّ الشقة التي يبلغ سعرها 3300 جنيه تتكون من غرفتين، والدفع يكون له فقط، لتتحول هذه الشقق لمشاريع للتربح دون وجود أدني رقابة أو تصريح من أي جهة حكومية.

علي الجانب الآخر يقول سامح الخياط أحد سماسرة العقارات بمدينة نصر، إنه يقوم بتأجير الشقق لطلبة وطالبات الجامعات والمغتربين عامة بأسعار متفاوتة تتراوح بين 3000 جنيه لتصل لـ6000 جنيه شهري وأحيانا 900 جنيه للفرد، مشيرًا إلى أنّ الشقة المفروشة تختلف عن غير المفروشة.

وأضاف الخياط، تُعتبر بداية السنة الجديدة من المرحلة الجامعية موسم رزق وحصاد، وذلك لتوافد الطلبة من جميع المحافظات للدراسة، ومعظمهم يبحث عن سكن مناسب بجانب جامعة الأزهر وبحسب أوضاعه الماديّة.

أستاذ جامعي: الطلاب يتعرضون للنصب من «سماسرة» العقارات السكنية
الدكتور محمد دويدار أستاذ بكلية الشريعة والقانون، يقول إن الاستغلال محرم شرعًا ويُعد من الأمور التي تدخل في قائمة الربا، بما نهى عنه الرسول وأسماه بـ«الغش والتدليس»، مشيرًا إلى أن النبي أباح للبائع أن يبيع بحرية لكن دون الغش وعملية الاستغلال التي تتواجد بين هؤلاء، وخاصة "الوسيط" الذي يعمل على تأجير العقارات السكنية بأسعار مبالغ فيها للطلبة دون النظر إلى حالتهم الشخصية وظروفهم الاجتماعية، التجارة التي تكون عن طريق مكسب غير شرعي.

يتابع دويدار، لـ«الدستور» يجب على جميع الكليات وضع آلية من الإداريين تتكفل بتوعية الطلاب من جشع «السماسرة»، وإرشادهم للمناطق الأكثر أمانًا، وأيضًا الأقل في التكلفة، مؤكدًا أن الطلاب بالفعل يتعرضون لعملية الاستغلال والنصب في بعض العقارات السكنية، وأنَّ الأسعار ترتفع حتى على الأشخاص غير القادرين على هذه المبالغ الضخمة.

رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية: يجب مباشرة الجامعة للعقارات
الأمر لا يُدين «السماسرة» لكون الشقق تجارتهم وهم من يبايعون فيها بأسعار، وإن كانت لا تُناسب الطلبة، وهذا ما يقوله المهندس حسن جمعة رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية، مشيرًا إلى أنَّ الطالب الجامعي فقير وليس مليونيرًا، لسداد هذه المبالغ الضخمة في الشقق السكنية «الطالب المغترب فقير ومينفعش يتعرض لاستغلال ونصب».

يتابع رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية لـ«الدستور» يجب على الجامعة شراء عقارات سكنية للطلبة، لحمايتهم من عملية النصب وجشع الـ«سماسرة» والحفاظ على الطلاب والطالبات، مشيرًا إلى أنه أمر طبيعي باكتمال أعداد الطلبة للمدينة الجامعية، إلا أنه يجب على جامعة الأزهر بتأجير مبانٍ تحت إشرافها، بناءً على طلبات يقوم بتقديمها الطلبة في بداية كل عام دراسي جديد، وبعدها تتم الجامعة بالتعاقد على شقق بعدد هذه الطلبات، ويتم تأجيرها للطلاب «مينفعش الجامعة تترك الطلبة فريسة سهلة للسماسرة والنصّابين والحرامية».