رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحدي الارهاب


كلما ادلهمت الأمور، أو نزلت بنا نازلة، تذكّرت المقولة الخالدة للفيلسوف «سبينوزا»: «إذا وقعت واقعة عظيمة.. لا تضحك، ولا تبكى.. ولكن فكر»! وواقعة جريمة «معهد الأورام» الإرهابية، البشعة الجديدة، هى من نوع هذه «الوقائع العظيمة» التى يتوجب معها تطبيق هذه القاعدة بحذافيرها، واستدعاء مضمونها بقوّة.

يكفى منظر مرضى المعهد الذين يعانون من أخطر الأمراض البشرية، غول السرطان، وهم يهرولون مذعورين، حاملين خراطيم المحاليل العلاجية، وكأنهم يحملون «أكفانهم»، بحثًا عن ملجأ من الانفجار المُرَوِّع الذى حطّم ملاذهم من شبح الموت، وبعثر آمالهم فى الحياة مع الركام المتساقط، لكى يهتز الوجدان، وتنتفض العزائم، وتنقدح العقول، من أجل فهم ما حدث، والسعى بكل الوسائل لعدم تكراره.

نحن نواجه نوعًا جديدًا من الإرهاب، ومن الضرورى استيعاب تاريخ ومكونات هذا «الإرهاب المُستحدث»، أو «الإرهاب المُعولم»، كما أطلقت عليه فى مقالات سابقة، الذى يختلف من حيث الأهداف والأبعاد والوسائل عن «الإرهاب التقليدى» الذى عايشناه فى تسعينيات القرن الماضى.

فهو يتميز عما سبق من موجات إرهابية، بصفة أكيدة وفارقة، بارتباطه بأجهزة مخابرات خارجية، ومصالح استراتيجية لدول إقليمية وكبرى، تمده بالدعم اللوجستى والمالى والإعلامى والمعلوماتى، وتحدد له الأهداف وتقدم له المشورة والحماية، وهو ما يُفسر مواقف كل من قطر وتركيا وإنجلترا وأمريكا ودول خليجية أخرى، على سبيل المثال، التى خلقت تنظيم «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«بوكو حرام»، وغيرها، ومولتها ويسَّرت تجنيد الإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم.. إلخ.

بل والمأساة الكبرى التى يتوجب إدراكها، للعبرة التاريخية، وحتى تكون أمام أعيننا دائمًا، أن الرئيس الأسبق «أنور السادات»، الذى تسمّى باسم «الرئيس المؤمن»، وسمى دولته «دولة العلم والإيمان»، قام بدور لا يمكن نسيانه، ولا غفرانه، فى غرس البذور الشيطانية للإرهاب فى الأرض المصرية.

أولًا: بالإفراج عن معتقلى جماعة الإخوان، من القيادات والكوادر والأعضاء، وإعادة الاعتبار لهم، وتسليمهم المقار والأموال المُصادرة، والتحالف معهم، وإطلاق أياديهم فى العمل التنظيمى والفكرى والحركى، لاستئصال خصومه من اليساريين والناصريين، داخل جامعة السبعينيات وخارجها.

وثانيًا: بفتح أبواب مصر، ومصادر تأثيرها، ومخازن أسلحتها لأمراء الحرب الأفغان، تُجّار الهيروين والسلاح المعروفين، الذين أصبحوا بالإرادة الأمريكية «أمراء الجهاد» الإسلامى، فاستقبلهم فى مصر بحفاوة، والتقوا شيخ الأزهر «جاد الحق على جاد الحق»، وأركان الحكم والدولة.

وبالرجوع إلى ثلاثية الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، «الزّمن الأمريكى من نيويورك إلى كابول»، يذكر أن اجتماع «مجلس الأمن القومى الأمريكى»، الذى عُقد فى البيت الأبيض بتاريخ ٢٧ ديسمبر ١٩٧٩م، أصدر توجيهًا رئاسيًا من طرف الرّئيس الأمريكى «جيمى كارتر» نصه التالى: يتوجّه مستشار الرّئيس للأمن القومى «زبجنيُو بريجينسكى» إلى منطقة الشرق الأوسط ابتداءً بالقاهرة لمقابلة الرّئيس «أنور السّادات» والبحث معه فى تنظيم جهد إسلامى شامل يُساند المقاومة الإسلاميّة الأفغانية فى مواجهتها جيش الاحتلال السّوفيتى، ثمّ يتوجّه مستشار الأمن القومى بعد القاهرة إلى الرّياض لمقابلة «الملك خالد»، و«ولى العهد الأمير فهد»، ووزير الدّفاع «الأمير سلطان»، ويجرى معهم مُحادثات تضمن حشد موارد السّعوديّة ونفوذها لقيادة جهاد إسلامى ضدّ الشّيوعيّة فى أفغانستان.. وأخيرًا، يتوجّه مستشار الأمن القومى إلى باكستان ليُقوّى موقف الحكومة فيها بموارد السّعوديّة ونفوذها، وبثقل مصر ووسائلها، وحتّى تثِق هذه الحكومة فى إسلام أباد أنّها سوف تكون وسط عمل إسلامى يلتفُّ فيه من حولها ويجمع على أرضها قُوى الإسلام وإمكانياتها.

وقد باع «السادات»، وبتوجيه أمريكى، السلاح السوفيتى المخزّن فى مخازن الجيش المصرى لـ«المجاهدين الأفغان»، باعتبار أنّ زمن الحرب مع إسرائيل قد ولّى، طبقًا لبنود «معاهدة كامب ديفيد»!.