رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم مواز.. تطبيق «تيك توك» يُصيب متابعيه بالإدمان

جريدة الدستور

لم تعد المواد المخدرة مقصورة على الأنواع الشهيرة من حشيش وكوكايين وترامادول، وامتدت مع التطور التكنولوجي الكبير، لتشمل أنواعًا أخرى مثل الموسيقى الرقمية، التي احتلت عالم التواصل الاجتماعي خلال الأعوام الأخيرة، لتسيطر على عقول العديد من الشباب والفتيات.

واكتشف مستمعو هذه الموسيقى لا سيما موسيقى"التيك توك"، أن الاستماع الزائد لها يمنحهم نفس الحالة المزاجية التي تنتج عن تعاطي المخدرات، لمساهمتها في تفعيل "هرمون السعادة"، لذا يتوافد كثير منهم في الوقت الحالي على شرائها من المواقع الإلكترونية بقليل من الدولارات، بالإضافة إلى تهيئة الجو المناسب الذي يُشترط للاستفادة من مفعولها.

تواصل "محرر الدستور" مع بعض ضحايا موسيقى "التيك توك"، لكشف خباياها التي انغمسوا بها دون دراية منهم بأعراضها المستقبلية، كما تحدثنا مع أساتذة علم النفس لتفسير الظاهرة، بجانب استقباله لحالة عانت من إدمان الموسيقى الرقمية، وعلاجها في مدة ثمانية أيام فقط.

سوزي :حملت أنواع كتير منها بـ40 دولار ومقدرتش ابعد عنها يومين
فتاة عشرينية لم تكن تتعاطى أي نوع من أنواع المخدرات، إلا أنها اكتشفت إدمانها بعد ابتعادها يومين فقط عن سماع إحدى أنواع الموسيقى التي اعتادت عليها مؤخرًا، معبرة في حديثها مع "الدستور" عن الحالة المزاجية السيئة التي رافقتها لمدة 48 ساعة متواصة، وجعلتها غير قادرة تمامًا على الذهاب إلى عملها، بالإضافة إلى الأعراض الجانبية التي دمرت نفسيتها نهائيًا.

تقول سوزي، إنها تعرفت على هذه الموسيقى من خلال إحدى صديقتها التي مكثت معها يومًا كاملًا في منزلها، وأرشدتها إلى "طريق السعادة" كما وصفته الفتاة، وتضيف: "قالتلي اطفي الأنوار والباب كويس، وتعالي هسمعك حاجة حلوة"، هكذا كانت أول تجربة للفتاة مع الموسيقى الرقمية، حتى عجبها الأمر وانغمست به لمدة ثلاث شهور متواصلة.

كانت تنجرف داخل هذا العالم يومًا بعد يوم، دون أن تعلم بمخاطره التي اكتشفتها مؤخرًا، بعد إصابتها بنوبات تشنجية شديدة للغاية فور الابتعاد عن سماع تلك الموسيقى لمدة ساعات، كونها كانت تحتاج الجرعة يوميًا مثلها مثل مدمني المخدرات، هذا ما توصفه الفتاة في حديثها، موضحة أنها ابتاعت هذه الموسيقى من مواقع إلكترونية مختصة بترويجها مقابل مبلغ يتراوح من 5 - 7 دولارات.

لم تستطع الفتاة التخلص من تلك العادة إلا بعد الخضوع للتأهيل النفسي من جديد، مثلها مثل متعاطي المخدرات، مشيرة إلى الكم الكبير التي ابتاعته من هذه الموسيقى بأنواعها المختلفة، حتى كلفها الأمر أكثر من 40 دولار، وبالرغم من حالة التشنجات التي طاردتها في كل مرة كانت تصم أذنيها عن سماع الموسيقى، إلا أنها قررت التخلص من هذا الأمر بمساعدة أحد أطباء النفسية والعصبية الذي تابع حالتها لمدة شهر حتى انتهت من فترة الانسحاب.

الموسيقى الرقمية صُنعت في ألمانيا
بداية الموسيقى الرقمية كانت على يد أحد العلماء في دولة ألمانيا عام 1839، ويُعرف باسم "هينريش دوف"، وأُطلقت لأول مرة في عام 1970 لتُستخدم في علاج الحالات النفسية المصابة بالاكتئاب، الذين يرفضون العلاج بالأدوية.

كانت الطريقة المبتكرة هي معالجتهم عن طريق تذبذبات كهرومغناطيسية لفرز مواد منشطة للمزاج، واعتمدت على تقنية تسمى "النقر بالأذنين"، لكن تم التحذير من استخدامها أكثر من مرتين في اليوم، حتى تحولت إلى تجارة إلكترونية خلال الأعوام الماضية.

علاء: "هوسي بالمزيكا وصلني لحالة ميؤوس منها"
"أنا شغال من زمان في الدي جي، ومهتم بكل أنواع المزيكا علشان أطور من نفسي، واشتغل في النايتات الكبيرة"، يقولها علاء المحمدي، 27 عامًا، يعمل "دي جي" في إحدى الملاهي الليلية، يحكي في حديثه لـ"الدستور" تجربته في إدمان الموسيقى الرقمية، التي اكتشفها منذ 3 أعوام، كونه متابعًا جيدًا لأنواع الموسيقى المطروحة في الدول الأوروبية.

استمع الشاب أول مرة لهذه الموسيقى على إحدى المواقع الإلكترونية بالمجان لمدة ساعة إلا ربع، لكنها توقفت إذ فجأة بعد انغماسه في الحالة المزاجية بها، ليتلقى رسالة من الموقع طالبًا منه 3 دولارات مقابل الاستماع لأغنية أخرى، وبالفعل قام "علاء" بإدخال بيانات حسابه البنكي لتحميل مقاطع جديدة، وبالبحث المتواصل علم أن هناك معايير مخصصة قبل الاستماع، وعمل على تنفيذها في كل مرة ينفرد في حجرته لخوض هذه التجربة.

سماعات أذنية معينة بجانب غلق أضواء الغرفة، وإنارتها بضوء أحمر أو أزرق طفيف، هذه كانت الشروط الواجب اتباعها للحصول على الحالة المزاجية الكاملة التي تنتج من هذه الموسيقى، بالإضافة إلى الانعزال التام عن محادثة أي أشخاص خلال الساعات التي يقضيها داخل الغرفة، موضحًا أنه في بداية الأمر لم يكن يعلم أنها تُصنف كإدمان، لكنه اكتشف ذلك حين ابتعد عنها 5 أيام، ليُصاب بحالات من الهلوسة المصاحبة لتشنجات في عضلات جسمه.

أخصائي نفسي: "أعراض الموسيقى الرقمية مطابقة للإدمان"
يوضح الدكتور جمال فرويز، أخصائي علم النفس، في حديثه لـ"الدستور"، أن هناك أنواعًا من الموسيقى الرقمية مثلها مثل المخدرات، وتكون أعراضها مطابقة تمامًا لأعراض المخدرات، مشيرًا إلى عدم الرقابة الكافية على الشباب من هذه الموسيقى التي احتلت العالم التكنولوجي في جميع الدول العربية، كونها تخلق نشوة عالية.

ترددات معينة في الأذن اليمني تقابل ترددات أقل في الأذن اليسرى، هذا ما يصفه "فرويز" عن السماعات المُستخدمة التي تسبب عدم اتزان المخ، بجانب التأثيرات السلبية الناتجة عن الموسيقى ذاتها، والتي تتمثل أعراض انساحبها في حدوث تشنجات مستعصية لدى الحالة بجانب الآلام المستمرة في الخلايا الجسدية.

يضيف فرويز أنه استقبل حالة في عيادته الخاصة، كانت تعاني من التشنجات المستمرة بسبب الابتعاد عن سماع هذه الموسيقى، وتم متابعتها داخل العيادة لمدة 8 أيام من العلاج بالأدوية العصبية المسكنة لتهدئة الحالة نفسيًا، حتى استقرت وأرشدها إلى المكوث في منزلها لكن بشرط المتابعة المستمرة من قبل ذويها، والابتعاد عن أي وسائل إلكترونية خلال فترة التأهيل النفسي.

يارا: التيك توك كان بداية الإدمان
البحث عن الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي كانت رغبة "سارة"، الفتاة العشرينية، ما جعلها تستغل تطبيق "التيك توك" أسوء استغلال، كما تصف الفتاة، مشيرة إلى اعتيادها بشكل يومي على استخدام ذلك التطبيق في عرض مقاطع صوتية ومسجلة لها، وهي ترقص على النغمات الصادرة منه، لعلمها بأن هذا ما سيجذب الشباب على مشاهدتها للوصول إلى مبتغاها من الشهرة.

حققت المقاطع المسجلة للفتاة شهرة كبيرة بالفعل على صفحات "الفيسبوك"، حتى أصبحت صفحات معروفة تعرضها، وتلقت أيضًا تفاعلًا كبيرًا من المشاهدين كما كانت تريد، لكنها لم تكن تعرف أنها بداية الخطر، فهذه الشهرة المزيفة جعلتها تعرف العديد من الشباب والفتيات الذين أودوا بها في طريق ليس له عودة.

جلسات مستمرة مع الأشخاص، الذين تعرفت عليهم مؤخرًا جعلتها تندرج إلى عالم المخدرات الذي لم تكن تعلم عنه شيئًا في الماضي، لكنها لم تكن أي مخدرات بل كانت الموسيقى الرقمية، التي قضت على تركيزها نهائيًا، ودمرت الخلايا العصبية بداخل مخ الفتاة، فكانت تقضي ساعات متواصلة معهم في غرفة منغلقة، كُل منهم منغمس في السماعات الأذنية.

آلام في الرأس والأذن بعد الانتهاء من سماع الموسيقى مباشرة، مصاحب للهلوسة الناتجة عن تعاطي أي نوع من أنواع المخدرات، كانت هذه هي حالة "يارا" بشكل شبه يومي، تاركة دراستها ومستقبلها بالانغماس خلف هذه التجربة.