رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى يستعيد التعليم الفنى وجاهته الاجتماعية


نفحات من الأمل تتسرب إلى النفس، تفاؤلًا بمصر التى ننتظرها فى الغد المأمول.. تصريحات ومعلومات، تدفع فينا بالثقة التى نحملها للرجل الذى يبنى مصر الحديثة، على أساس من العلم ومراعاة ظروف الحالة.

انتابتنى السعادة وأنا أستمع إلى حديث تليفزيونى مع نائب وزير التربية والتعليم للتعليم الفنى، يتحدث عن تلك الطفرة التى بدأت خطواتها بقوة، فى هذا النوع من التعليم، بسعى حثيث من الدولة، لإصلاح منظومة كانت قد أصبحت ركامًا، وتعاون من شركات عالمية ورجال أعمال مصريين شرفاء، لبناء منظومة من مدارس التعليم الفنى فى مصر، تأخذ فى حسبانها المواصفات العالمية المطلوبة فى خريجى مثل هذه المدارس، ومدى حاجة سوق العمل إليهم، كمؤهلين حقيقيين يمتلكون ناصية المهارة والجودة، بعيدًا عن زيف الشهادات التى لا تعدو الآن كونها ورقة، لا تغنى ولا تسمن من جوع.

التعليم الفنى يحتل، فى دول العالم المتقدم، وفى الاقتصاديات سريعة النمو، مكانة كبيرة. فنحو٧٠٪ من العمالة فى ألمانيا، أكبر اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى، من خريجى التعليم الفنى، وفى سنغافورة، يحصل خريجوه على رواتب تعادل ما يتقاضاه مديرو البنوك، وتخرج كوريا والصين سنويًا، مئات الآلاف من العمالة الفنية شديدة المهارة، وتصدر كفاءاتها للخارج. وفى مصر، يمثل التعليم الفنى٤٠٪ من طلاب المرحلة الثانوية، بنحو ١.٩ مليون طالب سنويًا، موزعين بين مدارس التعليم الفنى الزراعى والصناعى والتجارى والفندقى. وإيمانًا بأهميته، فقد أولى الرئيس السيسى اهتمامًا بالغًا، وتطرق للحديث عنه، مرارًا، وطالب الإعلام وأهل الثقافة والفن بالاهتمام به، لتشكيل رأى عام داعم لفكرة الالتحاق بالتعليم الفنى.. كما أشار إلى ضرورة مساعدة الأسرة المصرية للدولة فى النهوض به، وأن تكون على درجة عالية من الانتباه، لئلا يتم تخريج أبنائهم من الكليات إلى الشارع، وضرورة الوعى بأن التعليم الفنى والتدريب المهنى يسهم فى دعم منظومة التنمية التكنولوجية الحديثة، وتوفير العمل اللائق والمستدام للشباب، بالإضافة إلى رفع تنافسية الإنتاج الصناعى وزيادة الصادرات وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة.ولهذا فإن الدولة تعمل على تنمية وتطوير هذا القطاع الحيوى بهدف تحسين مخرجاته، بما يتواكب مع المستويات العالمية لتلبية احتياجات سوق العمل فى مصر، وتصدير عمالة ماهرة، تلبى احتياجات الأسواق الخارجية، من خلال تطوير المناهج التعليمية والتدريبية، وتدريب وتأهيل المدرسين والمدربين وبناء قدراتهم، وتطوير البنية التحتية لهذه المؤسسات التعليمية والتدريبية، وكذا توفير أحدث الماكينات والمعدات اللازمة للتدريب، بالإضافة إلى تطوير وتطبيق منظومة الجودة بها، ودعم الطلاب المبتكرين بالتعليم الفنى والتدريب المهنى بالدولة.. لكن كل هذا يظل أسير التحديات التى تواجه هذا القطاع فى مصر، والتى تتضمن تدنى النظرة المجتمعية لخريجى هذه المنظومة التعليمية، وضرورة العمل على تغيير المفهوم الخاطئ لدى المجتمع، عن هذه الفئة التى أسهمت فى دفع عجلة التنمية، بجميع الدول المتقدمة حاليًا.

وللحق نقول، إن مصر ليست حالة فريدة فى التعليم الفنى، فالقضية شديدة التعقيد والتشابك، وإدارة هذا النوع من التعليم فى أى دولة تختلف عن الأخرى، على حسب النظام الاقتصادى والإمكانيات والموارد المتاحة، ولم تكن أوروبا بعيدة عن التحديات التى تواجه مصر حاليًا فى هذا الشأن.. كما يقول لويك جون، خبير تطوير برامج التعليم الفنى بالاتحاد الأوروبى، والشريك فى وضع استراتيجية التعليم الفنى الجديدة، من خلال برنامج «تيفات مصر»، وهو مشروع دعم وتطوير التعليم الفنى والتدريب المهنى فى مصر بالشراكة مع الاتحاد الأوروبى «إن تطوير التعليم الفنى فى أوروبا تم خلال فترة زمنية طويلة، وواجه الكثير من الصعوبات والتحديات، وحتى ألمانيا وفرنسا، وهما قوتان اقتصاديتان كبيرتان، واجهتا تحديًا ثقافيًا مرتبطًا بالصورة الذهنية السلبية عن التعليم الفنى والطلاب الملتحقين به، بسبب مخرجات هذا التعليم، واستغرق الأمر عقودًا حتى استطاعت تجاوز هذا الأمر، وأن يصل التعليم الفنى بها إلى ما هو عليه الآن».

وحل هذه المشكلة الاجتماعية يتحقق بتغيير كامل لوضع هذه النوعية من التعليم، ضمن منظومة التعليم قبل الجامعى، بمعنى أن يلغى تمامًا مسمى المدارس الصناعية أو الفنية أو التجارية، وأيضًا المعاهد فوق المتوسطة، ويحل محلها مسمى جديدا يقبله المجتمع ويضفى على الملتحقين به الاحترام من الجميع، وهذا المسمى معمول به فى جميع دول العالم المتقدمة وهو «كليات المجتمع» Community Colleges.. وقد سبقت دول مجاورة لنا وطبقت نظامًا شبيهًا، هو «كليات التقنية»، منها دولة الإمارات، وحققت فيه نجاحًا مذهلًا، وأقبل عليه معظم مواطنى الدولة الغنية، لأنه عندما يشعر الطالب بأنه سيلتحق بكلية وليس بمدرسة صناعية، سيحرص على الإقبال على هذا النوع من التعليم، خاصة إذا ما أتيحت له فرصة استكمال دراسته الجامعية، دون تفرقة بينه وبين حاملى الثانوية العامة.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.