رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو توفيق أوضاع آخر مواطني المهجر



من الضروري الإشادة بفكرة المؤتمر الأول للكيانات المصرية في الخارج، الذي أُقيم بمشاركة ٥٥ كيانًا من ٣٣ دولة حول العالم، لمناقشة قضاياهم ومشاكلهم تحت رعاية وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، في محاولة لاستثمار المشاعر الوطنية وولاء مواطني المهجر، والتأكيد على أن الاتصال وحده لا يكفي إذا لم يتم من خلال العمل الجماعي، وأيضًا بناء بنية تحتية للمعلومات الخاصة بين المهاجر والوطن، بجانب تأصيل وتعزيز مفهوم المهاجر المتصل والهجرة التبادلية Brain Exchange وإعادة الاندماج Re-integration . كما يعكس اللقاء وقوف الوطن على مسافة واحدة من كل الكيانات، وهو ما تجلى في دعوة جميع الكيانات التي تمثل المصريين في الخارج، ويساهم في تعميق مبادئ التفاهم العالمي والتعاون بين الدول.

ولكن في الواقع يعد الاستثمار في البشر أهم أنواع الاستثمار فعاليةً لأي وطن، ويظهر ذلك في مجال الاقتصاد والتعليم وغيرهما، ولكونه الأهم في عوامل التنمية فإن هجرة العقول من الدول النامية تعد نزيفًا شديدًا يعكس خسارة هذه الدول لخيرة الصفوة من العقول النابغة المتعلمة والمدرَّبَة تدريبًا عاليًا، الذين كلفوا أوطانهم الكثير دون جني الثمار والفوائد منهم. ولهذا تعاني بلدان العالم الثالث من هجرة الكفاءات وهجرة العقول، التي تشكل خطورة على الخطط التنموية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وصارت من العوامل المهمة المؤثرة في الاقتصادات النامية، خصوصًا أن أفضل العناصر البشرية هي التي تهاجر، إما لأنها قادرة على الهجرة أو لأن الطلب عليها في الخارج كبير، ما يؤكد أنها عناصر متميزة.

لا بد من الاعتراف في الوقت الحالي بأننا نحتاج إلى مثل هذه العقول الوطنية في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي، ومحاولة استقطاب الكفاءات المصرية الموجودة خارج البلاد، مع رؤية واقعية بشأن عودتهم، مثل وضع خبراتهم في الاعتبار، وتسهيل إجراءات العودة مع ضرورة توفير المناخ الصحي للعلماء منهم، فتجارب الغرب المتقدم أثبتت أن التطور والبناء الحضاري لا يتحققان بالتنمية الاقتصادية فقط، إنما، وهو الأهم، بالموارد البشرية خصوصًا النخبة المتعلمة ذات الاختصاص والخبرة.

نستطيع تحقيق ذلك من خلال توسيع إطار المشاركة السياسية، مع تبني استراتيجية وطنية للتنمية الشاملة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية) تدعم المشاركة وتنهض بالتعليم والبحث العلمي وغيرهما، في محاولة للمساهمة في تشجيع الكفاءات المهاجرة على العودة إلى أوطانها، بجانب المساهمة في الحد من طلب المعرفة والمهارات الفنية من مصادر أجنبية، وهو ما يهدد تنمية وتقدُّم البلاد فضلًا عن تأثيره السلبي في العملية التربوية والثقافية.

مع قدر الاستقرار السياسي الحالي، يمكن مواجهة بعض التحديات التي تواجه الكوادر الراغبة في الهجرة بسبب الإحباط والتهميش من قِبل القيادات العلمية والسياسية، ما يؤدي إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم، أو تضطرهم إلى الهجرة سعيًا وراء ظروف أكثر استقرارًا، فبلدنا فيه من الخيرات والثروات بكل أنواعها ما قد يكفي ويزيد عن حاجة مواطنينا، والبطالة ليست إلا نتيجة سوء تخطيط وسوء استثمار، وليست عن نقص في مجالات العمل ورؤوس الأموال.