رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصانع الأبطال


تشهد البلاد حاليًا احتفالات كلية الشرطة والكليات العسكرية بمختلف تخصصاتها بتخرج دفعات جديدة من الطلبة الذين سوف ينضمون لكتائب الأبطال من زملائهم فى ميدان الشرف والفداء والعطاء، وسط فرحة عائلاتهم الذين حضروا تلك المناسبة وهم يرون فلذات أكبادهم قد تحولوا بكل كيانهم ووجدانهم وعقيدتهم إلى «مشروع بطل» وهب حياته عن قناعة فداء لهذا الوطن، لكى نعيش فيه وننعم بالأمان والاستقرار.

كان من اللافت مشاركة طلبة الكليات العسكرية فى احتفالية تخرج طلبة كلية الشرطة، ثم مشاركة طلبة الشرطة زملاءهم فى الكليات العسكرية بمناسبة تخرجهم بعد حفلهم بيومين فقط. وذلك فى رسالة واضحة للعالم كله أن الجيش والشرطة يد واحدة فى مواجهة الإرهاب، أو أى محاولات مساس بأمن البلاد وسلامة العباد.

قدم خريجو تلك الكليات عروضًا عسكرية وبدنية غاية فى الدقة والروعة، وقد لاحظت أن تلك العروض تختلف فى كل عام عن الأعوام السابقة، حيث تتضمن كل ما هو جديد فى عالم التدريب العسكرى والتأهيل البدنى والنفسى الذى يشهد دائمًا تطورًا وتقدمًا عن العام الذى سبقه، وتواكب كلياتنا العسكرية والأمنية تلك التطورات بالشكل الذى يجعلها دائمًا فى مقدمة الدول والجيوش وعمليات التأمين والمواجهة على جميع الأصعدة.

وقد جمعتنى عدة لقاءات مع مجموعة من أبنائى خريجى كلية الشرطة والكليات العسكرية هذا العام، وأيضًا معهم بعض الضباط حديثى التخرج. حيث لمست منهم جميعًا هذا الاستعداد البدنى والنفسى والمعنوى لمواجهة أى محاولات اعتداء على الوطن، سواءً من الخارج أو من الداخل، وكذلك كيفية التعامل مع هؤلاء الإرهابيين والتكفيريين بكل شجاعة وإقدام، لقناعتهم الكاملة بتلك المسئوليات والمهام الملقاة على عاتقهم والأمانة التى حملها لهم أبناء الشعب المصرى الأصيل. لقد كانوا جميعًا على استعداد أن يضحوا بحياتهم فداء لوطنهم حتى ولو كان ذلك فى بدايات عملهم فى الجيش أو الشرطة، لمواجهة فلول الإرهاب وأيضًا هؤلاء المجرمين الجنائيين الذين يستخدمون الأسلحة النارية للقيام بجرائمهم.

كانت تلك عقيدتهم التى اكتسبوها خلال فترة دراستهم فى كلياتهم، والتى زرعت بداخلهم هذا الاستعداد للتضحية وعدم التنازل عن ذرة من تراب الوطن أو محاولات تخريب البلاد وترويع العباد. فكل منهم كان يعتبر نفسه مشروع بطل وأيضًا مشروع شهيد إذا اقتضى الأمر ذلك.

كنت حريصًا أن أوضح لهم أن الأصل فى البطولة هو النجاح فى القضاء على أى عدو يحاول أن يعبث بأمن الوطن. بمعنى أن المواجهة يجب أن تكون لتحقيق الانتصار فى المقام الأول، ثم حماية أنفسنا فى المقام الثانى لنستكمل مسيرة العطاء والقضاء على الإرهاب، خاصة أن من نواجههم هم خوارج هذا العصر الذين يعيثون فى الأرض فسادًا، وبالتالى يجب أن تكون لدينا اليد العليا فى تلك المواجهات، وأن نخرج منها بأكبر المكاسب، المتمثلة فى القضاء عليهم وبأقل الخسائر بالنسبة لنا، سواء فى الأرواح أو المعدات. أما إذا قدر لنا أن نلقى «الشهادة» ونحن نواجه هؤلاء الأعداء، فهنيئًا لنا ذلك، لأننا أقسمنا على أن نحمى وطننا بأرواحنا وحياتنا، ومن هنا فإن الاستشهاد هو غايتنا الثانية وليست الأولى، مع قناعتنا الكاملة بأن أعمارنا محددة سلفًا فى اللوح المحفوظ بيد الله سبحانه وتعالى.

وفى هذا الإطار جاء تكريم السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى لأسر شهداء الجيش والشرطة، ليؤكد للجميع أنه لولا هؤلاء الشهداء ما تحقق لنا ما نحن فيه الآن من أمان واستقرار، فى حين أن معظم الدول التى تحيط بنا تشهد نزاعات وانقسامات وحروبًا داخلية وتدخلات خارجية ولاجئين ومشردين هنا وهناك. نعم، لقد قدم الشهيد حياته ثمنًا غاليًا لكى ننعم بما نحن فيه من أمن وأمان. وكم كان المشهد مؤثرًا خطف القلوب عندما ظهرت صورة الشهيد النقيب عمر القاضى وهى تزين ميدان العرض فى أكاديمية الشرطة فى حضور والدته والدموع تنهمر من عينيها على فقيدها الغالى. إلا أن الموقف الإنسانى الرائع للسيد الرئيس ومواساته لها وتقبيل رأسها أمام العالم أجمع، وإطلاق اسم نجلها على دفعة طلبة كلية الشرطة التى تخرجت هذا العام، جاء بردًا وسلامًا على قلب هذه الأم الصابرة التى قدمت وحيدها فداء للوطن.

وعلى الرغم من كل هذه الصعاب والمخاطر التى يتعرض لها هؤلاء الأبطال يوميًا، إلا أننا وجدنا وفور الإعلان عن فتح باب التقديم للكليات العسكرية وكلية الشرطة إقبالًا كبيرًا فاق الأعوام السابقة من الطلبة الحاصلين على الثانوية العامة هذا العام، وجميعهم لديهم الرغبة الصادقة والتصميم الحقيقى للالتحاق بها، فى ظاهرة إيجابية تزداد عامًا بعد عام، بعدما ترسخ فى وجدانهم أن تلك الكليات هى «مصانع الأبطال» الذين يتحملون مسئولية حماية وطنهم وسلامة البلاد وأمان العباد، ويواجهون الإرهاب والإجرام يوميًا دونما خوف أو تردد، وينشدون الأمل فى تحقيق النصر أو الشهادة فداء لهذا الوطن.

ولا يفوتنى هنا أن أشيد بهؤلاء الرجال من قيادات وضباط القوات المسلحة والشرطة الذين قاموا بالتدريب والإشراف، وزرع بذرة العزة والكرامة والتضحية والفداء داخل نفوس طلبة الكليات العسكرية والشرطة خلال سنوات دراستهم بها، حيث نجحوا فى أن يقدموا للوطن أعدادًا جديدة من الأبطال الذين سوف يتحملون مسئولية الدفاع والتضحية والفداء لهذا البلد الأمين.

هنيئًا لوطننا العزيز هؤلاء الأبطال. وهنيئًا لهؤلاء الأبطال انتماؤهم لهذا الوطن، هنيئًا لنا تلك الأجيال التى سوف تحمل شعلة النور والأمل فى مستقبل مشرق تستحقه مصرنا الغالية.
وتحيا مصر.