رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أول جسر مع الكيانات المصرية بالخارج


من المؤكد أن المصريين بالخارج هُم جبهة دفاع مهمة عن مصر لا بد من الاهتمام بها.. بل هم فى تقديرى إحدى الركائز التى يمكن أن ترتكز عليها الدولة المصرية لتقديم صورة صحيحة عنها فى الخارج، وللتصدى لخطط تشويه صورتها فى العالم، وكذلك لدحض الشائعات التى يطلقها المغرضون والمتآمرون علينا فى السنوات الأخيرة.. وما أكثرهم فى إطار خطط التآمر الدولى لزعزعة الاستقرار فى المنطقة.

هذا ما أحسسته حينما سمعت بعض المناقشات فى حوارهم بمؤتمر الكيانات المصرية فى الخارج الذى نظمته وزارة الهجرة وافتتحته وزيرة الهجرة نبيلة مكرم.. وهى وزيرة متميزة تقدم جهودًا متواصلة ومستمرة وناجحة من أجل توثيق روابط التواصل مع المصريين بالخارج.

وفى هذا المؤتمر لمستُ عن قرب، من خلال كلماتهم، رغبة المصريين بالخارج فى الحديث عن كيفية خدمة وطنهم من خلال مواقعهم.. وطرحوا العديد من الأسئلة حول القوانين والتعليم، كما حرصوا على التنبيه إلى خطورة القنوات الفضائية الغربية أو المغرضة التى تبث شائعات كثيرة وأخبارًا مغلوطة ضد مصر، وهى نفس الشائعات التى تبثها مواقع التواصل الاجتماعى.

وكان من بين الملاحظات التى قالوها فى اليوم الأول للمؤتمر الذى افتتحته وزيرة الهجرة وحضره ممثلو الوزارات الخاصة والجهات المعنية وأعضاء من البرلمان.. أن الإعلام المصرى لا يصل للخارج للرد على الشائعات المغرضة والتشويه المتعمد لكل النجاحات والمشروعات الكبرى والتنمية التى تتم فى مختلف المجالات داخل مصر.

ولقد حرصت بدورى على الاستماع إلى بعض آراء وشكاوى ومناقشات كثيرة من المصريين بالخارج.. وذلك فى مبادرة هى الأولى من نوعها للتواصل مع هذه الكيانات.. واتساقًا مع اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أعاد وزارة الهجرة فى إطار هذا الاهتمام.

ولا شك أن هذه المبادرة هى الأولى من نوعها، وتُحسب للوزيرة المتميزة نبيلة مكرم فى العام الرابع من عمر الوزارة الذى ستتمه فى شهر سبتمبر المقبل بعد سلسلة مؤتمرات ناجحة بعنوان «مصر تستطيع» التى شارك فيها خبراء وعلماء مصريون نوابغ يعيشون فى الخارج، لكنهم من خلال هذه المؤتمرات جاءوا لتقديم خلاصة خبراتهم وعلمهم إلى وطنهم الأم.

وفى مؤتمر الكيانات المصرية بالخارج، الذى حرصت على متابعة بعض جلساته التى استمرت على مدى يومين.. شارك ٥١ كيانًا من ٣٣ دولة وتصدرت هولندا فى عدد الكيانات المشاركة فيه وشهد المؤتمر ١١جلسة وورشة عمل متنوعة تمت بحضور ممثلين عن جميع الوزارات والجهات المعنية ونواب من البرلمان ومن الخطوات المهمة التى ستؤتى ثمارها قريبًا حيث تم تنظيم زيارات ميدانية مهمة لقناة السويس ومدينة الجلالة بالعين السخنة واستقبلهم فى قناة السويس الجديدة الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس والمنطقة الاقتصادية الذى شرح أهمية القناة الجديدة كمشروع عملاق تم إنجازه فى زمن قياسى بأيدٍ مصرية وبتمويل الشعب المصرى، وشاهدوا فيلمًا عن المشروعات الاستثمارية التى تم إنشاؤها ضمن مشروع تنمية منطقة السويس، وأبرز الصناعات والفرص الاستثمارية المرتقبة إقامتها ضمن مشروع التنمية.. كما زاروا وتفقدوا مشروع هضبة الجلالة المتكامل بالعين السخنة كأحد المشروعات التنموية العملاقة التى بدأها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو مشروع يؤهل المنطقة لتصبح مدينة عالمية على أرض مصر.. وفى خلال الزيارة كان اللافت للنظر هو مدى إعجاب الحاضرين بالمشروعات القومية الكبرى، وهتفوا فى أثناء تفقد هضبة الجلالة تحيا مصر.

إن أهمية هذا المؤتمر ليست فى التواصل فقط مع الكيانات المصرية بالخارج، وإنما فى توثيق العلاقة بوطنهم الأم، واستدعاء روح الوطنية لديهم والولاء للوطن والمشاركة فى مستقبله، كما أنه قد أعاد تشكيل العلاقة بين الدولة وممثلى الكيانات المصرية بالخارج، وأكد لهم الاهتمام الفعلى للوزارة للسعى لحل مشاكلهم والإجابة عن الكثير من استفساراتهم، وكذلك الجيل الثانى والثالث حتى لا يفقدوا الهوية الثقافية العريقة التى ينتمون إليها.. وحتى تظل العلاقة وطيدة لصالح خدمة مصر وتقدمها والحفاظ على مواطنيها فى الخارج، كما فى الداخل.. لأنهم خط دفاع أساسى عن الوطن.

ولا شك أن هذا التواصل الذى بدأ، والجلسات التى انطلقت ستسفر حتمًا عن مشاركة قريبًا لصالح الوطن وفى خطط الاستثمار والسياحة والإسكان وغيرها من المشروعات المختلفة.. وأكدت الوزيرة نبيلة مكرم حرص الوزارة على التواصل مع أبناء مصر حول العالم واستمرار تلقيها جميع الاستفسارات والشكاوى، كما سيكون هناك قريبًا أيضًا تواصل عبر الفيديو كونفرانس وهذا شكل جديد للتواصل.. وقالت لى إن الكيانات المصرية فى الخارج هى القوة الناعمة للدولة حول العالم.

ولا شك أن التعرف عليهم خطوة أولى مهمة فى حد ذاتها، وتعتبر، كما لمست، بداية لحل مشاكلهم المختلفة والاستماع لآرائهم وإشراكهم فى التخطيط للمستقبل، وإقامة حلقة وصل بينهم وبين مؤسسات الدولة.. وقالت الوزيرة أيضًا إنهم كتيبة مصر فى الخارج التى تدافع وتصحح الصور المغلوطة عنها.. وفى جلسة الافتتاح قال مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا: إن المصريين بالخارج أمن قوى لمصر.. أما مدير وكالة الدفاع الوطنى فقال: إن الكيانات المصرية بالخارج هم أحد أسلحة القوى الناعمة للدولة المصرية فى الخارج.. أما المحاور على مدى يومين فتضمنت مناقشة الشق القانونى والشق الاجتماعى والشق الاقتصادى والشق السياحى والشق الثقافى.

كما اندرج تحتها العديد من النقاط التى يرغب المصريون بالخارج فى إيضاحها بالنسبة للخدمات الحكومية، وتلا ذلك أيضًا مناقشات مهمة فى عدة جلسات متعلقة بالاستثمار والإسكان والتعليم وقانون الهجرة الجديد.

ولا شك أن هذه العلاقة التى تتوثق الآن وتقوى يمكن أن تمثل حجر زاوية فى إحساس كل مصرى فى الخارج بأن وطنه الأم يهتم به، ما سيجعله بدوره سفيرًا فوق العادة فى تصحيح صورة مصر فى الخارج، وسيجعل منه مسئولًا عن تقديم صورة سليمة عن بلده والمساهمة فى التصدى لأى محاولات للنيل منها أو تشويهها أو تقديم صور مغلوطة عنها، وهو دور بلا شك مهم نظرًا لما ينفق من مليارات على الإعلام الغربى الذى يقدم تفسيرات خاطئة حتى الآن عن مصر وعن أى أحداث أو أخبار تتناول مصر. فلا تزال بعض أبواق الغرب، مثلًا، تقف ضد إرادة الشعب المصرى وما قام به من ثورة عظيمة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. وهذه التفسيرات الخاطئة لا بد أن يصححها ويرد عليها بالبراهين والحقائق المصريون المحبون للوطن فى الخارج والكيانات المصرية فى خارج الحدود المصرية، فهم لهم دور كبير ومسئولية وطنية تقع على عاتقهم خارج مصر.

لقد لمستُ على مدى اليومين مدى الشعور الوطنى الجارف الذى يتسم به رؤساء ومسئولو الكيانات المصرية بالخارج، هؤلاء الذين تحدثوا فى جلسة الافتتاح أو الذين تحدثت إليهم بشكل فردى فى الاستراحات بين الجلسات.. وأشهد أن هذا الشعور الوطنى تعكسه كلماتهم ورغباتهم فى خدمة وطنهم إلى حد أن إحدى المصريات فى الخارج كانت تسأل عن كيفية التحاق ابنها بالجيش المصرى للدفاع عن أرض الوطن الأم.

لقد بدأت المبادرة الأولى بهذا المؤتمر المهم الذى أعتبره أيضًا دعوة لإيقاظ روح الوطنية والهوية المصرية فى قلب كل مصرى يعيش فى الخارج ورسالة بأن مصر تهتم بكل أبنائها فى الخارج، وبحل مشاكلهم وتذلل العقبات أمام مشاركتهم فى بناء مستقبل الوطن.. وهى مبادرة أتمنى أن تليها مبادرات مقبلة لتشارك أيضًا فى مؤتمر ثان جميع الكيانات التى لم تلحق بالمشاركة فى هذا المؤتمر الأول بمصر.. وأن نرى قريبًا الجيل الثانى والثالث من أبناء الكيانات يشاركون بصورة فعالة فى المستقبل، حيث سيلقون كل التحية والترحيب بهم ما إن يطأوا أرض مصر.. وأتمنى سرعة تنفيذ توصيات المؤتمر لحل مشاكل الكيانات المصرية بالخارج وخاصة مسألة تقوية المكاتب الثقافية بالخارج.

إن مصر- كما أعلم- ترحب بكل مصرى يريد خدمة وطنه الأم وهى تفتح ذراعيها لكل محب لها، ولكل مشارك فى صياغة مستقبلها، ولكل من يريد أن يسهم فى مشروعاتها التنموية والاستثمارية والسياحية والتعليمية بإخلاص، وبعمل مبتكر ومفيد فى تقدمها وازدهارها.. إننى أطالب كل مصرى فى الخارج، محب للوطن بأن يكون وزيرًا لإعلام مصر بين الأجانب وسفيرًا فوق العادة يدافع عنها ويحافظ على صورتها بهية ومشرقة أمام الآخرين فى الخارج.. هذا دور ورسالة مهمة منوط بها كل مصرى لديه ولاء لبلده الغالى فى الخارج.