رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وفاة مدير وكالة ميتة!


الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت، الإثنين، عن وفاة مديرها العام، يوكيا أمانو، بعد صراع مع المرض. وإذا كان طبيعيًا وعاديًا أن تعرب الوكالة، فى بيان، عن شعورها «بحزن عميق»، فإن غير الطبيعى وغير المنطقى هو أن يشير البيان إلى أن الفقيد كان ينوى التنحى عن منصبه!.

يوكيا أمانو، دبلوماسى ياباني، كان مندوب بلاده الدائم فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم تولى رئاسة الوكالة فى ١ ديسمبر ٢٠٠٩، خلفًا لمحمد البرادعى الذى ظل على رأس الوكالة لثلاث فترات متتالية، بدأت سنة ١٩٩٧. وفى بيانه أمام جلسة مجلس المحافظين الأخيرة، أكد «أمانو» أن الوكالة خلال السنوات العشر الماضية، أى منذ توليه منصبه، حققت نتائج ملموسة فى مشروع «ذرات من أجل السلام والتطوير». وأعرب عن فخره الشديد بالإنجازات التى تحققت، ووجّه جزيل شكره وامتنانه للدول الأعضاء وموظفى الوكالة.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة، تأسست فى ٢٩ يونيو ١٩٥٧، بهدف الحد من انتشار السلاح النووي، وتشجيع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. وتوصف بأنها مستقلة غير أن الواقع يقول غير ذلك، ويقول أيضًا إن أعمال الرقابة والتفتيش التى تقوم بها فى الدول التى لديها (أو يشاع أن لديها) منشآت نووية، تتم حسب توجيه أو تكليف الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة فى العالم التى تنشر أسلحتها النووية خارج أراضيها.

يمكننا أن نستعرض عشرات الشواهد التى تؤكد أن هذه الوكالة لا تدب فيها الروح إلى بعد حصولها على قبلة الحياة الأمريكية. لكن بدلًا من تضييع وقتك نكتفى بالإشارة إلى أنها لم تحرك ساكنًا طوال سبعة أيام مرت على قيام هيئة تابعة لحلف شمال الأطلسى (الناتو) بنشر وثيقة كشفت عن مواقع تخزين الأسلحة النووية الأمريكية فى دول أوروبية. مع أن تلك الوثيقة احتلت عناوين مئات الصحف، وكلها اتفقت على أن تلك الوثيقة مجرد تأكيد لسر، لم يكن سرًا بالمرة: سر توزيع الولايات المتحدة لجزء من ترسانتها النووية على قواعدها العسكرية فى بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا، هولندا، وتركيا.

الوثيقة عبارة عن تقرير عنوانه «عصر جديد للردع النووي؟: التحديث والتحكم فى الأسلحة والقوات النووية المتحالفة معها»، كتبه السناتور الكندي، جوزيف داي، للجنة الدفاع والأمن التابعة للجمعية البرلمانية لحلف الناتو، قام فيه بتقييم مستقبل سياسة الردع النووى التى يتبعها الحلف. وأوضح «داي»، أن تلك النسخة الأولى من التقرير، ليست سوى مسودة، وأنه يمكن إجراء تغييرات على التقرير قبل أن تناقشه الجمعية البرلمانية لحلف الناتو فى نوفمبر المقبل.

تخرين الأسلحة النووية فى تلك الدول، أو غيرها، تم بموجب اتفاق تم توقيعه فى ستينيات القرن الماضي، قيل إن هدفه لم يكن فقط ردع الاتحاد السوفيتي، ولكن أيضًا لإقناع هذه الدول بعدم حاجتها إلى أن تكون لديها برامج تسليح نووية خاصة بها. وكان ظريفًا وطريفًا أن النسخة الجديدة، من التقرير، التى حلت محل النسخة المحذوفة، لم تشر إلى وجود الأسلحة النووية فى تلك الدول، بل إلى وجود طائرات يمكنها أن تحمل تلك الأسلحة. ونسب التقرير تلك المعلومة إلى تقرير صدر سنة ٢٠١٨ عن «مبادرة التهديد النووي»، وهى منظمة أمريكية غير حكومية.

وجود أسلحة نووية أمريكية فى تلك الدول ليس سرًا والكشف عنه لم يكن مفاجئًا. فقد سبق أن نشر موقع «ويكيليكس» برقية كتبها فيليب ميرفي، سفير الولايات المتحدة فى ألمانيا، فى نوفمبر ٢٠٠٩، ذكر فيها أن هناك مخاوف بشأن مدة بقاء الأسلحة فى هذه الدول. وأن «سحب الأسلحة النووية من ألمانيا وربما من بلجيكا وهولندا قد يجعل من الصعب سياسيًا على تركيا الاحتفاظ بمخزوناتها الخاصة». بالإضافة إلى أن النشطاء فى تلك الدول قاموا بتنظيم احتجاجات بالقرب من تلك القواعد، ضد وجود هذه الأسلحة على أراضيهم. ولعلك تتذكر أن محللين وخبراء تساءلوا، فى يوليو ٢٠١٦، عقب محاولة الانقلاب التركية، الفاشلة أو المزعومة، عما إذا كانت تركيا مكانًا مناسبًا لتخزين الأسلحة النووية الأمريكية أم لا!.

نتمنى ألا تكون قد نسيت خبر وفاة يوكيا أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإن كنا نعتقد أن تأثرك بوفاة الرجل، أو الوكالة، لن يمنعك من الضحك، حين تعرف أن فيكتور موراخوفسكي، الخبير العسكرى الروسي، ورئيس تحرير مجلة «الترسانة الوطنية»، أكد أن وزارة الدفاع الروسية لم تكن تنتظر تقرير «هذا السيناتور المسكين»، لأن لديها منذ فترة طويلة إحداثيات دقيقة تمامًا لكل مواقع تخزين الأسلحة النووية الأمريكية، وتم تضمينها فى خطط هيئة الأركان، لتكون أولى المواقع المستهدفة، لو قرر «الناتو» القيام بأى عدوان على روسيا!.