رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف أصبحت روسيا صديقًا للقرد التركى؟


بالأمس القريب.. وتحديدًا فى أكتوبر عام ٢٠١٥، اعترفت أنقرة بإسقاطها طائرة روسية من طراز سوخوى سو-٢٤ بعد انتهاكها المجال الجوى التركى.. فيما أكدت روسيا أن طائرتها الحربية تحطمت فى سوريا بعد إصابتها، وهى تحلق على ارتفاع ٦ آلاف متر بعيدًا عن الأجواء التركية.

حينها وصف الرئيس الروسى تلك الحادثة بأنها «طعنة فى الظهر من شركاء الإرهابيين».. ومن ثم تفاقمت الخلافات بين البلدين إلى حد التهديد بالحرب غير التقليدية.. وهو الأمر الذى كانت تترقبه واشنطن بقلق خوفًا وحرصًا على حليفها وشريكها فى صناعة ونشر واستخدام الإرهاب العالمى من غضب الروس.

واليوم تبدلت المواقف بشكل مريب ويثير التساؤل لكل من يتابع تغيرات المسرح السياسى العالمى.. وذلك بعد إعلان شركة روستيخ الروسية استعدادها لتوريد مقاتلات من طراز «سو-٣٥» لتركيا إذا رغبت فى هذا العرض!!.. وهو ما اعتبره ترامب فى «عرفة وقاموسه البلطجى» بـ«الطعنة غير المتوقعة من أحد صبيانه».. خصوصًا بعد تسلم أردوغان صفقة صواريخ طراز s400 الروسية فى ١٢ يوليو الجارى.. والذى برر موقفه بأنه اضطر لذلك حماية لبلاده من أى هجمات جوية بعد أن توقفت واشنطن لسنوات عن بيعها أنظمة الدفاع الصاروخى باتريوت لأنقرة.

تبرير أردوغان بتقاربه مع الروس لم ينل إعجاب المتابعين لهذا الملف.. حيث أرجعوا هذا التقارب للدور الذى لعبته وكالات الاستخبارات الروسية فى إنقاذه أردوغان شخصيًا من محاولة اغتيال محققة بأوامر أمريكية صدرت لطائرات عسكرية تتبع «ناتو» أثناء الانقلاب العسكرى ضده ونظامه عام ٢٠١٦ من قبل الضباط الأتراك الموالين للبنتاجون.

وقد بدا ذلك مستساغًا بعد اعتبار واشنطن أن s400 صُمِّمت خصيصًا لإسقاط مقاتلاتها.. من طراز «JSF F-35» التى يتم إنتاجها بواسطة شركة لوكهيد مارتن، وبمشاركة العديد من الشركات العالمية بينها مصانع تركية.. لذا هددت واشنطن بفرض عقوبات على أنقرة وطردها من الشراكة فى برنامج تصنيع المقاتلة F-35..وفى المقابل أرادت موسكو- على ما يبدو- إذلال واشنطن أكثر فأكثر إثر الكشف عن رغبتها فى أن تلعب أنقرة معها دورًا ما فى المستقبل القريب لإنتاج نظام (s500).. بعد نقلها الجزئى إليها تكنولوجيا إنتاج نظام (s400) التى سبق وباعتها للهند والصين.. وهذا الموضوع يطول شرحه وليس مجاله الآن.

ما لا يجب تجاهله فى سلوك النظام التركى الإرهابى ضد دول بعينها فى المنطقة كالشقيقة سوريا والصديقة قبرص.. هو ما جاء على لسان الصحافى أوكان موديرس أوغلو الموالى للنظام الأردوغانى أنه «يمكن أن يتم نشر الصواريخ الروسية فى قطر».. وجميعنا يعى ويتابع الإجرام «الأمريكى- التركى- القطرى» داخل بلداننا العربية!!.. وكذلك تصريح أحمد برات تشونكار، نائب رئيس الفريق التركى فى الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسى «ناتو» عضو لجنة الشئون الخارجية فى البرلمان التركى، لصحيفة «ازفستيا» الروسية عندما قال إن «الأكثر أهمية لنا هو تأمين الحدود الجنوبية والشرقية التى يخيم عليها الخطر الأكبر، ولذلك قد توضع منظومات الصواريخ عند الحدود مع سوريا وقبرص الشمالية!

ومع ذلك جاء الرد السورى على هذه الصفقة أشبه باللغز المحير بعدما قال السفير السورى لدى موسكو، رياض حداد: «فى الوقت الحالى تركيا تؤدى دور دولة ضامنة فى إطار عملية أستانا إلى جانب روسيا، وتنسق خطواتها مع القيادة الروسية. لهذا السبب يمكن القول إن هذه المسألة ليست فى دائرة اهتمامنا»!!.. فيما أدانت قبرص عملية التنقيب التركية عن الغاز والبترول قبالة سواحلها، ووصفتها بـ«غير المشروعة وتمثل تصعيدًا للانتهاكات التركية المستمرة».. كما اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى فيديريكا موغيرينى فى بيان أن «الاتحاد الأوروبى سيرد بالشكل المناسب، وهو متضامن تمامًا مع قبرص».

تراكم وسرعة الأحداث السابقة يُنبئ عن حقيقة بتغييرات جذرية فى «العلاقات المُحرمة» بين «أنقرة وواشنطن وموسكو» خلال الأيام القليلة القادمة.. بدليل ما جاء أيضًا على لسان الصحفى التركى مراد بردكشى فى صحيفة «Haberturk» عندما كتب: «ثمة رمز فى أن توريد s400 الروسية إلينا قد تم بتاريخ ١٢ من يوليو.. وهو ذات التاريخ من العام ١٩٤٧ الذى وقّعت فيه تركيا والولايات المتحدة اتفاقيتهما حول المساعدة»!.

ختامًا.. على قيادتنا السياسية الرشيدة أن تنتبه وتتوخَّى الحذر من أشكال وأنواع السيناريوهات الظاهرة والخفية التى أُعدت بالفعل أو تُعد حاليًا للمنطقة برمتها على يد الروس وحلفائهم الجدد من ناحية.. ومن الناحية الأخرى عدم إغفال ما يُشاع على ألسنة أيتام وأرامل القرد التركى.

إنه بعلاقته الحالية مع روسيا وعدائه الظاهر مع أمريكا يُهيئ نفسه لكسب ثقة العالم الإسلامى وقيادته بواسطة تنظيمه الدولى لإخوان الشياطين ضاربًا بعرض الحائط غضب الغرب والأمريكان من أنقرة كونها جزءًا من «الأطلسى».