رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليس على الأعمى حرج



فوز كبير حققته مصر، بنجاحها فى تنظيم بطولة كأس الأمم الإفريقية، على هذا النحو الذى شاهدناه، وشهد له العدو قبل الصديق. واستكمالًا للكرم المصرى، أعلن مستشفى للعيون عن تبرعه بإجراء فحص مجانى للمدعو جمال بلماضى، المدير الفنى للمنتخب الجزائرى، مؤكدًا أن لديه من الخبرة والإمكانيات الطبية المصرية ما يضاهى مثيلاتها العالمية والفرنسية. وكان ظريفًا ولطيفًا ألا تشمل المقارنة مستشفيات العيون الجزائرية.
نجاح المنتخب الجزائرى فى اقتناص الكأس الثانية فى تاريخه، ربما أثر على القوى العقلية لمديره الفنى، وليس على بصره فقط، وإلا ما زعم فى مؤتمر صحفى، عقب التتويج، أنه فى حاجة إلى استشارة طبيب عيون «فى فرنسا»، لأنه لم يتمكن من رؤية مصريين يشجعون منتخب بلاده، أو التى من المفترض أن تكون بلاده. صحيح أن هذا التتويج طال انتظاره نحو ثلاثين سنة، تحديدًا منذ فوز الجزائر باللقب الأول سنة ١٩٩٠، إلا أن ذلك لا يبرر بعض الرعونة، بعض «الجليطة»، وبعض السفالة، التى لا يؤاخذ عنها، قطعًا، الشعب الجزائرى الشقيق. وليس مقبولًا أو معقولًا أن يؤاخذ عن تصريحات وتصرفات سفهاء ينتسبون إليه زورًا وبهتانًا.
آلاف المصريين لم ينساقوا وراء محاولات إحداث الفتنة بين البلدين الشقيقين، وقرروا تشجيع منتخب الجزائر، قبل وبعد لقائه مع نظيره السنغالى فى المباراة النهائية، كما لم يلتفتوا إلى أى تصريحات كتلك التى استهان فيها «بلماضى» بتشجيعهم لفريقه، وكنا قد استبشرنا خيرًا حين وجدناه يوضح عبر الموقع الرسمى للاتحاد الإفريقى لكرة القدم، أن ما قصده هو أن لدى الجماهير المصرية مطلق الحرية فى اتخاذ أى قرار يريدونه، وأبدى ترحيبه بمساندتها وبوقوفها إلى جانبهم. كنا قد استبشرنا خيرًا بذلك، غير أنه عاد ليؤكد على سوء تربيته، الفرنسية القطرية.
المدعو «بلماضى»، فعلًا، تربية فرنسية قطرية. فهو مولود فى مدينة شامبينى سور مارن، الفرنسية، وبدأ مشواره الكروى لاعبًا فى فريق تلك المدينة PA Champigny، وظل يتنقل بين النوادى الفرنسية، حتى أتيحت له فرصة اللعب فى الدورى الإنجليزى، الذى لم يكمل موسمًا فيه، وانتقل إلى نادى الاتحاد القطرى «الغرافة حاليًا»، ثم إلى نادى الهلال «الخريطيات»، وبعد أن قضى موسمين فى قطر انتقـل إلى نادى ساوثامبتون الإنجليزى، الذى سرعان ما تركه وعاد إلى فرنسا. وباعتزاله اللعب، ذهب إلى قطر، سنة ٢٠١٠، مدربًا لنادى الدحيل، ثم تولى فى ٢٠١٣ تدريب منتخب قطر الاحتياطى، قبل أن يصبح مدربًا للمنتخب الأساسى، حتى تم إقصاؤه من الدور الأول لكأس آسيا فى ٢٠١٥. ليعود إلى نادى الدحيل، ومنه انتقل إلى تدريب منتخب الجزائر الذى اقتصرت مشاركته فيه لاعبًا على ٢٠ مباراة، أحرز خلالها ٥ أهداف.
جريدة «لوباريزيان» الفرنسية لم تبالغ إذن، حين نشرت، منذ أيام، تقريرًا عنوانه «نهائى كأس أمم إفريقيا.. الجزائر من صنع فرنسى»، تناولت فيه دور المدرسة الفرنسية فى تشكيل النواة الأساسية للمنتخب الجزائرى، وأشارت إلى أن ١٤ لاعبًا من أصل ٢٣ يشاركون فى البطولة، بطولة كأس الأمم الإفريقية، وُلدوا وتعلموا أبجديات الكرة فى النوادى والمدارس الفرنسية، بالإضافة إلى «بلماضى». وتضمن تقرير «لوباريزيان» شهادات لمديرين فنيين سابقين للجزائر، تحدثوا فيها عن دور اللاعبين مزدوجى الجنسية، وفضلهم على المنتخب الجزائرى، مثل عبدالغنى جداوى، ناصر سنجاق ونورالدين قريشى. وأجمعت تلك الشهادات على أن اتحاد كرة القدم الجزائرى يلجأ لـ«المنتج الجاهز»، القادم من فرنسا، بسبب غياب أو انعدام البنى التحتية التى تحتضن المواهب الشابة فى الجزائر، وغياب مدربين مختصين فى تكوين وتنشئة اللاعبين.
زيارة إلى طبيب عيون، وطبيب أمراض نفسية، وأطباء من تخصصات مختلفة، قد تكون بينها أمراض الذكورة، يحتاجها أيضًا ذلك الذى وقع عليه اختيار قناة «بى إن سبورت» القطرية للتعليق على مباراة النهائى. وبعيدًا عن تأوهاته وشهقاته وزفراته، التى لم نجد لها تفسيرًا، فإن المذكور لم يتوقف، بمناسبة وبدون، عن خلع صفات لا منطقية على منتخب الجزائر بينها «منتخب الاستقلال»، وكأنه أريد أن يستفز أطرافًا بعينها، فرنسية أو جزائرية، لإحياء المقارنة الأبدية بين اللاعبين المحليين ومزدوجى الجنسية. وربما لهذا السبب أيضًا نشرت صحف تمولها قطر، عناوين مستفزة من عينة «أفراح الجماهير فى الدوحة وباريس تتزين بألوان الجزائر»، ما يوحى بأن الجزائر خلت من مواطنيها أو غابت عنها مظاهر الفرح بالفوز!
ليس على بلماضى، وأمثاله، أى حرج. ليس فقط لأنهم عميان، القلب والبصر، ولكن أيضًا لأنهم من مخلفات «الماضى» الاستعمارى البغيض، الذى جعلهم يعتادون لعق أحذية مستعبديهم، ويضبطون بوصلتهم على ما ينال رضاهم، سواء كانوا فرنسيين، صهاينة، أو ينتمون إلى العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة.