رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة "محمد حسان".. "الدستور" تكشف أسرار الإمبراطورية السلفية في أكتوبر

جريدة الدستور

رجال يرتدون جلبابًا قصيرًا، وتكسو وجوههم اللحي التي وصلت إلى منتصف صدورهم، وسيدات التزمن بالنقاب الذي لا يُظهر سوى عيونهن فقط، صورة تقليدية للمُصلين داخل المساجد التابعة للسلفيين، أو كما يطلقون على أنفسهم "أهل السنة والجماعة"، والذين انتشرت مساجدهم على مدار سنوات طويلة في كل محافظات مصر، بداية من المدن الكبيرة، مرورًا بالقرى والنجوع، وصولًا إلى قنوات التليفزيون التي عجت بالفكر السلفي.

ومع التراجع الذي شهدته الحركة السلفية بعد قيام ثورة 30 يونيو، وضم أغلب مساجدهم تحت لواء الأوقاف، إلا أن بعض رموزها حاولوا العودة إلى الساحة مرة ثانية وعلى رأسهم السلفي محمد حسان الذي قرر بناء مسجد جديد له في مدينة 6 أكتوبر.

"الدستور" نبشت خلف ذلك المسجد الذي يتم بناؤه سرًا، لتجد أن تلك المدينة التابعة لمحافظة القاهرة، تعج بالمساجد السلفية، التي لن نبالغ إذ وصفناها بالإمبراطورية، فماذا يحدث داخلها من السلفيين؟ وهل تعلم الأوقاف بوجود تلك المساجد؟.

شقيق حسان: "سيعود لإلقاء الدروس الدينية في مسجده قريبًا"
في شارع يكاد يخلو من المنازل، بالحي السادس بمدينة 6 أكتوبر، يقف المسجد الجديد للداعية السلفي محمد حسان الذي مُنع من إلقاء الخطب في المساجد منذ عام 2013، ولكنه قرر العودة مرة أخرى من خلال مسجده الجديد الذي يحمل نفس اسم قناته الفضائية "الرحمة"، كما أكد شقيقه محمود حسان المُشرف على بناء المسجد.

لم يكن الوصول إليه سهلًا، فقد بحث محررو "الدستور" كثيرًا عن المسجد، لكن لم تكن هناك أي معلومات عن حقيقة تواجده أو مكانه أو اسمه، حتى الصفحات الرسمية للشيخ على مواقع التواصل الاجتماعي والتى يديرها أحد أبنائه لم تتحدث مطلقًا عنه.

عقب عدة زيارات قمنا بها لتلك المنطقة التي لم يكن يعلم سكانها بها، وصلنا إلى المكان الحقيقي للمسجد الجديد للشيخ السلفي عن طريق أحد أصدقائه من شيوخ السلفية.
المسجد مبني على مساحة شاسعة، ويشمل مبنيين يحيطهما سور واحد، ومع الاقتراب من المسجد التقت "الدستور" أحد الشباب في طريقه للخروج، وبسؤاله عن ماهية المكان ومالكه رد سريعًا: "دا مسجد الشيخ محمد حسان"، وبالاستفسار عن تردد الشيخ على المسجد، قال: "أنا لسه جديد في المنطقة ومش عارف إذا كان الشيخ بيزور المسجد أو لا، لكن أخوه موجود طول الوقت".
إلى البوابة الرئيسية توجهنا للمسجد؛ للحديث مع الحارس المسئول عنه، بعدما أدعينا أننا في زيارة إلى أحد الأقارب في المحيط، وبسؤاله عن المسجد قال إ نه ملك للشيخ محمد حسان، وبدأ بناؤه منذ عدة أشهر وأوشك على الانتهاء، أما المبنى الثاني المجاور له فهو مستشفى تابع للمسجد.
الشيخ محمد حسان، هو أحد كبار مشايخ السلفية في مصر، مُنع من إلقاء الخطب والدروس الدينية في المساجد عام 2013، عندما قررت وزارة الأوقاف منعه وباقي شيوخ السلفية ممن لا يحلمون شهادة الأزهر من الخطابة في المساجد، وعاد المنع ليتجدد سنويًا.

وبعد 4 سنوات من المنع علّق حسان على هذا القرار عبر فضائية "الرحمة" التي يملكها، قائلًَا: "قرار المنع كان عاملًا مساعدًا لانتشار الفكر المتطرف وصعود نبرة التكفير داخل المجتمع المصري، فضل الله ليس حكرًا على الأزهر ولا على دعاته، بل من هم أئمة مشايخ الأزهر من أبو حنيفة مالك وأحمد وسفيان وغيرهم وهؤلاء ليسوا خريجي الأزهر".



طوال سنوات المنع اكتفى "حسان" بالصلاة في زاوية أسفل منزله، حسب أحاديث بعض سكان مدينة 6 أكتوبر، بالإضافة إلى برنامجه على قناة الرحمة، وظهر في رمضان الماضي ببرنامج على قناة جديدة يتحدث عن الإلحاد، بعد أن كان يرأس إدارة مجمع أهل السنة بقريته "دموه" التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية حتى ضمته الأوقاف إليها، وقلل دروسه الدينية بمسجد التوحيد بالمنصورة حتى انقطع عنها تمامًا.
داخل المسجد وجدنا محمود حسان الشقيق الأصغر لمحمد حسان، والمشرف على بناء المسجد كما أكد حارس العقار، وقال "محمود": نعمل جاهدين للانتهاء من المبنى خلال شهور وسيكون جاهزًا قبل رمضان"، وبسؤاله عن الشيخ محمد حسان ومحاضراته الدينية أكد أنه بمجرد الانتهاء من المسجد وبِدء العمل فيه سيكون هناك دروس دينية للشيخ "حسان" وغيره من الشيوخ.
مسجد الخلفاء الراشدين.. هنا دروس دينية للسلفي "وليد الشرقاوي"
مساحة شاسعة في حي الكفراوي بمدينة السادس من أكتوبر، كانت وجهتنا التالية، حيث مبنى ضخم لمسجد الخلفاء الراشدين، في واجهته 4 درجات لتصل إلى الباب الرئيسي له، والذي كان مغلقًا حينما وصلنا إليه.

حين تترك هذه الساحة متجهًا إلى اليسار ستجد لافتة كُتب عليها مصلى النساء، واللافت للنظر وجود سور فاصل بينهما أسفله ملعب يضم عددًا من الصغار، وبخطوات قليلة أخرى تجد ملعبًا على مساحة شاسعة يقابله مبنى مخصص للإدارة والعيادات الخاصة بالمسجد.

ومن خلال جولتنا حول المسجد، وجدنا أن هناك حضانة ومدرسة ودارًا للأيتام تابعة له، دلفنا إلى مكتب الإدارة للتأكد من تبعية هذه المنشآت للمسجد، لكن ليس بهويتنا الصحفية بل أمهات تسأل عن دخول أبنائها إلى المدرسة التابعة للمسجد.

ومن خلال حديثنا مع أحد أفراد الإدارة أكد لنا تبعية هذه المنشآت لهم، إلا أن المدرسة يديرها فقط "ب.ح"، وهو سوري الجنسية، والمدرسة مراحلها التعليمية تتوقف عند الصف السادس الإبتدائي.

وسألنا عن ماهية الدراسة فيها، فقال: "نُدّرِس فيها الفقه والتوحيد وكل ما له علاقة بالعلوم الشرعية والقرآن، إلى جانب المواد التربوية كاللغة العربية والكيمياء والرياضيات وغيرهم"، ثم انتقلنا للسؤال عن دروس المسجد، فما كان منه إلا أن قال أنهم شيوخ أفاضل يقدمون دروس عامة لا منهجية دون ذكره لأسمائهم.

وظل التساؤل الأكبر عن أسماء هؤلاء الشيوخ، وفي طريقنا للخروج تقابلنا مع إحدى العاملات، التي أكدت لنا أن كل الدروس تكون بعد صلاة العشاء لشيوخ كبار لكنها عزفت أيضًا عن ذكر أسماء بحجة أنها لا تعرفهم، مكتفية بالقول أنهم "من اللي بيظهروا في التلفزيون"، ما احتاج إلى دورة بحثية أخرى عنهم حتى توصلنا إلى أن أشهرهم وأكثرهم ترددًا على تلك الدروس هو الشيخ وليد الشرقاوي.

الشيخ وليد لُقب بـ "أبو اليسر"، وهو شيخ سلفي، حاصل على المعهد العالي للدراسات الإسلامية بتقدير ممتاز، وهذا المعهد يمنح درجتي الدبلوم والماجستير والدراسات الإسلامية، ودرجة الماجستير في شعب "اللغة العربية وآدابها والدراسات الاجتماعية والاقتصاد والشريعة الإسلامية" معادلان لدرجتي الدبلوم والماجستير التي تمنحها الجامعات المصرية طبقًا لقرارات المجلس الأعلى للجامعات.

على الرغم أن من الشروط التي وضعتها الأوقاف لتعيين خطباء المساجد أن يكون من خريجي كليات أصول الدين والدعوة الإسلامية والدراسات الإسلامية والعربية بنين، والشريعة والقانون "بشعبتيها "، واللغة العربية، وكلية اللغات والترجمة قسم الدراسات الإسلامية" جميع اللغات " كلية التربية جامعة الأزهر" شعبة دراسات إسلامية فقط.
منهج نور البيان الوَهّابي يُفرض على الأطفال
حضانة المسجد تتبع طريقة أو منهج نور البيان في تلقين الأطفال القرآن الكريم وعلومه، بل يتم عقد دروات للسيدات لإعدادهم للتدريس بهذا المنهج، وهي طريقة لتحفيظ القرآن الكريم بالتجويد والأحاديث، كما تقوم بتعليم الأطفال الصلاة والأناشيد الإسلامية، إلا أنه أثير لغط حولها بعد هجوم الدكتور محمد سالم أبوعاصي، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر سابقًا، عليها بوصفها: "أفكار خطيرة واتجاه وهّابي سلفي يُفرض على الأطفال".

وتحدثنا مع عدد من مرتادي المسجد، فأخبرونا أن هناك بعض الشيوخ ممن يتبعون الأساليب السلطوية في توجيه الناس، فيقول حسين صالح: "أنه على إدارة المسجد أن تراعي الإعلانات لأن الشيخ الذي دائما يتحدث لا نفهم منه أي شيء، وله أسلوب سلطوي يتحدث به دائمًا وكأننا في مدرسة ونحن تلاميذ، ولولا حرمة المكان والزمان أظن سيكون لجموع المصلين رأيًا آخر".

وكشف لنا محمد عبدالمنعم، أحد مرتادي المسجد، أن الشيخ المقصود هو الشيخ "عبدالمحسن" مالك المسجد، والذي تحدث عنه قائلًا: "أنا وكثير ممن أعرفهم تركوا صلاة القيام في المسجد، متمنيًا ألا يتصدر الشيخ عبد المحسن للحديث مرة أخرى".

مسجد راغب.. من هُنا خرجت تظاهرات السلفيين
وفي الحي الرابع من مدينة السادس من أكتوبر، كانت الوجهة الثاثة لمحرروا "الدستور"، حيث لافتة عن يمين مدخل المسجد مكتوب عليها "المؤسسة المحمدية للأعمال الخيرية"، المشهرة برقم 1745 لسنة 2003.

يقع مقرها بمركز خدمات الحي الثالث قطعة رقم 3 بمدينة السادس من أكتوبر، وتخضع أنشطتها لرقابة وزارة التضامن والشئون الاجتماعية، وفي تصريحات سابقة للقائمين عليها نفوا أن يكون لهم أي علاقة بالعمل السياسي أو الدعوي.

ورغم ذلك فإنه خلال جولتنا داخل المسجد وجدناه يحوي على كتاب "تيسير الكريم الرحمن" في تفسير كلام المنان تأليف الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ومما ذكر فيه عن المؤلف: "كان أعظم لشتغاله وانتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وبسبب استنارته بكتب الشيخين المذكورين صار لا يتقيد بالمذهب الحنبلي، بل يرجح ما ترجح عنده بالدليل الشرعي"، وهو سعودي الأصل وُلد في بلدة عنيزة في القصيم.

وابن تيمية، هو شيخ الحنابلة بعد أبيه في عصره، وأهم ما يميزهم عقائديًا خاصة في الرأي هو اعتمادهم على آرائهم الشخصية ورفض كل فكرة تعارضهم مهما كانت قوية الحجة وظاهرة الدلالة.

في فبراير 2014، انتهت وزارة التضامن والعدالة الاجتماعية من حصر الجمعيات الأهلية التي تم التحفظ على أموالها، وملحقة بها دور عبادة، بناء على طلب وزارة الأوقاف، تنفيذًا لقرار مساعد وزير العدل، بتجميد أرصدة 1055 جمعية أهلية، أثيرت حولها الشكوك بانتمائها لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي نوفمبر 2014، أعلنت الجبهة السلفية قائمة المساجد التي ستخرج منها تظاهراتها في فعاليات الثورة المسلحة عقب صلاة الجمعة، ونشرت الجبهة في بيان رسمي لها قائمة بتلك المساجد مشددة على أن كل المساجد متاحة للخروج منها بتظاهرات، ولكن تلك القائمة هي التي ستقود الجبهة التظاهرات فيها، وكان على رأسها مسجد راغب.

وأمام المسجد، التف عدد غفير من الناس ممسكين ببطاقات حول عدد من الشبابيك التي يقف خلفها موظفين، يوزعون عليهم أكياسًا مغلقة، وبسؤال إحدى السيدات عن ماهية ما يتم توزيعه، أخبرتنا أنه "تموين" شهر رمضان، حيث يوزعون يضعون أرقامًا على صور بطاقات الرقم القومي الخاصة بهم، ولا يتم تسليم هذا التموين بدون البطاقة.

وخرجت سيدة أخرى بصوت عالٍ من سرب البشر الموجودين أمام المسجد، قائلة: "عشان ضاعت مش هاخد خلاص تموين"، وبسؤالها عن سبب انفعالها أخبرتنا أن هذا التموين لا يوزع سوى في شهر رمضان فقط، وهي أطعمة في حدود 50 جنيهًا فقط، ولأن صورة البطاقة التي طبعوا عليها الرقم الخاص بها ضاع منها فحُرمت من تلك الفتات التي تستر أبنائها الثلاثة فيما تبقى من الشهر الكريم.

ويذكر أن الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة وهي جمعية تم تأسيسها منذ عام 1912، وتعمل طبقًا لأحكام القانون رقم 84 لسنة 2002، ويبلغ عدد الفروع المشهرة 1138 فرعًا يتبعها 1920 مكتبًا و2136 لجنةً و5092 مقرًا في 24 محافظةً وفق الأرقام المعلنة على موقعها الرسمي.

وتمثل جماعة أنصار السنة المحمدية وجمعياتها إحدى كيانات التيار السلفي القوية، وأُنشئت الجماعة عام 1926 بعد 16 عامًا من الدعوة على يد الشيخ محمد حامد الفقي حتى تم إشهار الجماعة عام 1926.