رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دور النشل.. النشر سابقًا


عن «المساء مع قصواء»، كنت أنوى الكتابة، منذ أسابيع، محتفيًا بهذا البرنامج الثقافى المهم والمختلف، ومشيدًا بزميلتنا وصديقتنا قصواء الخلالى، التى تقدمه، وشاكرًا قناة «TeN» لأنها غامرت، خاطرت، وراهنت على الثقافة فى زمن احتضارها. واليوم، أيضًا، لا مجال للإشادة، الاحتفاء أو الشكر، بعد تلك الجريمة التى صدمتنا بها حلقتا السبت والجمعة الماضيين.

فى الحلقتين، لم تكتف «قصواء» بالكشف عن ارتكاب «دار نشر» جريمة سطو على كتاب، بل قادتنا إلى عشرات الحالات الشبيهة، التى جعلتنا أمام «دار نشل» استغلت تواطؤ، تكاسل، وزارة الثقافة، أو جهلها بطبيعة دورها، وما ألزمها به القانون. والحكاية أو الجريمة، باختصار، هى أن دار نشر اسمها «نبتة» قامت بالسطو على كتاب لزكى على عنوانه «كليوباترا سيرتها وحكم التاريخ عليها»، الصادر عن وزارة الإرشاد القومى سنة ١٩٦٢، ونسبته إلى الكاتب الفرنسى الشهير ألكسندر ديماس، بزعم أن «رشاد سعد» قامت بترجمته!.

عملًا بحق الرد، أجرى مدير عام النشر بتلك الدار، مداخلة تليفونية مع البرنامج، حاول خلالها تبرير الجريمة، بزعم أن فتاة حديثة التخرج قدمته للدار وقالت إنها «جايباه من على النت.. وهو مالوش حقوق». وحرصًا على مرارتك وعلى أى أشياء أخرى قابلة للانفجار، لن ننقل باقى التبريرات الساذجة أو العبيطة. ويكفى أن تعرف، مثلًا، أنه حين سئل عن كتاب غراميات نابليون: «جبتوه منين»، أجاب بلا تردد: «برضه بنفس الطريقة.. بنت جابته». بينما ستكتشف أن ترجمة هذا الكتاب منسوبة إلى ماجد سرور، صاحب دار النشر أو «النشل»، الذى تحتاج سوابقه، سوابق أنشطته و«سبوباته»، إلى وقفات. وطبعًا، ستضرب كفًا بكف، أو «راسك فى الحيط» لو عرفت أنه تم تكريمه، فى 2018، بدرع اتحاد الناشرين ودرع الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفاز بجائزة مالية قيمتها ٢٠ ألف جنيه!.

أكثر من تسعين كتابًا أصدرتها تلك الدار، يمكنك بسهولة اكتشاف أن غالبيتها منسوبة إلى غير مؤلفيها أو مترجميها: ترجمة حلمى مراد لرواية ستيفان زفايج «حذارِ من الشفقة»، نسبوها إلى شخص يدعى عمر عبدالعزيز. فقط، تم تغيير، أو تشويه، العنوان ليكون «احذر من شفقة الحب». وكذا كتاب «غراميات قائد الحملة الفرنسية فى مصر» للفرنسى روجيه ريجيس، نسبوا ترجمته إلى صاحب الدار، بدلًا من مترجمه الأصلى حبيب باجاماتى. ويكفى أن تقرأ كلمة الغلاف الأخير، لتعرف أنها هى نفسها الفقرة الأولى من الترجمة الصادرة سنة ١٩٦٢ بعنوان «بونابرت فى مصر» عن الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة، والتى أصدرتها، أيضًا، المكتبة الحديثة فى بيروت سنة ١٩٧٩، بعنوان «غرام نابليون فى مصر».

الكتب التى تم السطو عليها، ليست لها حقوق مادية، أو بمعنى أدق انقضت مدة حماية حقوقها المالية، وآلت إلى الملك العام، بموجب المادة ١٦٠ من القانون رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢، الخاص بحقوق الملكية الفكرية، التى تُسقط الحقوق المالية للمؤلف بعد مرور خمسين سنة، على وفاته. غير أن المادة ١٤٣ من القانون نفسه نصت على أن الحقوق الأدبية أبدية، غير قابلة للتقادم، أو للتنازل. وأول هذه الحقوق وأهمها هو الحق فى نسبة المصنف (الكتاب) إليه، ومنع تشويهه أو تحريفه. كما أن المادة ١٨٣ منحت الوزارة المختصة، التى هى فى هذه الحالة وزارة الثقافة، حق منح الترخيص بالاستغلال التجارى أو المهنى للمصنف الذى يسقط فى الملك العام.

غير مداخلة مسئول دار النشر أو «النشل»، كانت هناك مداخلة مع رئيس اتحاد الناشرين المصريين، وعد فيها باتخاذ اللازم. ومداخلة ثالثة صادمة مع رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، زعم فيها أن وزارة الثقافة لا علاقة لها بالموضوع، وأن الجهة المعنية هى شرطة المصنفات الفنية، التابعة لوزارة الداخلية. فى حين أن المادة ١٤٦ من القانون ألزمت وزارة الثقافة بأن تباشر الحقوق الأدبية للمؤلف، فى حالة عدم وجود وارث أو موصٍ له. ولو رجعت إلى اللائحة التنفيذية للقانون، ستعرف أن الوزارة ملزمة، أيضًا، بأن تتخذ الوسائل والإجراءات اللازمة لمباشرة تلك الحقوق على النحو الذى يكفل الحفاظ على الكتاب وعلى سمعة المؤلف. بالإضافة إلى أن الوزارة، كما أوضحنا، هى جهة إصدار ترخيص الاستغلال. وبالتالى، يمكنها سحبه أو محاسبة من لم يحصل عليه.

الخلاصة، هى أن القانون يتيح لوزارة الثقافة منع ارتكاب تلك الجرائم وردع مرتكبيها. لكن «البليد» له دائمًا حجة، تبدأ بمسح «التختة» أو السبورة، ولا تنتهى بمزاعم لخلاصة، هى أن القانون يتيح لوزارة الثقافة منع ارتكاب
تلك الجرائم وردع مرتكبيها. لكن «البليد » له دائمًا حجة، تبدأ
بمسح «التختة » أو السبورة، ولا تنتهى بمزاعم غياب القوانين
أو العقوبات الرادعة. مع أن القوانين موجودة وبها ما يكفى
من العقوبات، سواءً تلك التى نصت عليها المادة 181 من
القانون، السابق ذكره، أو المنصوص عليها فى المادة 163 من
القانون المدنى. وهذا ما سنوضحه غدًا.