رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا تحلق نحو هاوية ليبيا


العالم على صفيح ساخن.. من سوريا إلى العراق ثم ليبيا.. تمتد أيادي تركيا لتتدخل فيما لا يعنيها.. تشعل أزمات وتدعم جماعات على حساب أخرى، حتى وإن كان هذا يعني انتشار الإرهاب والدمار.. وقد يفهم البعض دوافع تركيا للتدخل في سوريا أو العراق، فهناك حدود تجمعها مع البلدين، وأزمات طاحنة تدور فيهما، يمكن أن تشكل ذريعة للتدخل العسكري، ولكن ماذا بشأن ليبيا، البعيدة آلاف الكيلومترات عن الأراضي التركية، والتي تعاني أصلا من مشكلات تمزقها؟.
الإجابة تكمن في أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مازال حالمًا بعودة الخلافة العثمانية إلى طرابلس، تلك التي خسرتها دولته عام 1911، عندما فرضت إيطاليا سيطرتها هناك.. وفي سبيل ذلك، فإنه يرغب في تمكين الإخوان من حكم البلاد والسيطرة على مقدرات الدولة الليبية، لأن جماعة الإرهاب هناك ترتبط بحزب (العدالة والتنمية) الحاكم في أنقرة، من خلال ما يُعرف بحزب (العدالة)، الذي يرأسه محمد صوان وغيره من قيادات الإخوان، الذين خضعوا لتركيا، بعد أن نبذهم المحيط العربي.. باختصار، تركيا تريد استحضار أبوية الدولة العثمانية في تعاملها مع بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، رغبة دفينة لدى أردوغان في إحياء المجد العثماني القديم في شمال إفريقيا، ناهيك عن عوامل اقتصادية تحرك أنقرة في هذا المسار، منها، أن هناك مصالح تركية في ليبيا، متمثلة في عقود تم توقيعها منذ عام 2010، في مجالات اقتصادية وتنموية، ولديها أكثر من مائتي مليار دولار، حجم استثمارات مباشرة، وبالتالي فإن تركيا تخشى على مصالحها، دون أن تدرك أن ما تقوم به يضر بعلاقاتها مع ليبيا، وبالتالي فإنه سيضر باقتصادها المتضرر أصلًا.
يقول بعض المراقبين، إن تركيا التي برزت كفاعل أساسي خلال الأزمة السورية، ليس لها تواجد كبير في منطقة شمال إفريقيا، ولعل هدف أردوغان الآن إيجاد محط قدم له في المنطقة من خلال الأزمة الليبية، ولذا فإنه يسعى لإدخال تركيا فيما وصفه بـ (منتدى الكبار)، مستغلا الأزمات التي تعيشها بعض الدول على غرار سوريا وليبيا.. بالإضافة إلى رغبة أردوغان في اللعب بورقة الاستثمارات في البنى التحتية خلال المرحلة القادمة، ليضمن مشاريع إقتصادية مربحة ضمن مشروع إعادة إعمار ليبيا، (هناك عامل اقتصادي لا يقل أهمية عن العامل السياسي، أردوغان يرى في ليبيا سوقا جيدة).. فماذا فعل من يريد الانضمام إلى (نادي الكبار).
نفس غباء أردوغان المعهود.. انحيازه إلى طرف على حساب آخر.. واتخاذه موقفًا مثيرًا للجدل، حينما أعلن صراحة، عقب بدء عمليات الجيش الوطني الليبي العسكرية لتحرير طرابلس من قبضة الجماعات الإرهابية، إعلانه صراحة، بدعم بلاده لحكومة فايز السراج، وتدخله لصالحه في مواجهة الجيش الليبي، بعد أن انكشفت التدخلات التركية في لبيبا شيئًا فشيئًا، وتم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان آخرها السفينة التي تحمل اسم (أمازون)، والتي خرجت من ميناء سامسون في التاسع من مايو الماضي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس.. وكان الجيش الوطني الليبي قد أعلن، أنه تم استهداف طائرة مسيرة تركية في طرابلس، كانت تستعد لتنفيذ غارات على مواقع تابعة له، ليخوض الجيش الليبي معركة حقيقية مع تركيا على الأرض، لأنها تقاتل، منذ عام 2014 مع الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة وغيرها من المدن، دعمًا للمشروع الإخواني، المحرك الحقيقي لأردوغان، لأن (الهدف من تدخل تركيا في الشأن السوري، هو نفسه الذي يحركها للتدخل في ليبيا، وهو دعم مشروع الإخوان والميليشيات المسلحة).
ليبيا أعلنت حالة التعبئة والنفير العام في كامل ترابها، ردًا على التهديدات التركية بالعدوان على أرضها ولمواجهة كافة التحديات القائمة، باعتبار تركيا تشكل خطرًا على الأمن القومي العربي، ولأنها تستمر في القتال من أجل الحفاظ على سلطة الخلافة في ليبيا.
رئيس حكومة الوفاق، فايز السراج، ذهب إلى تركيا، في زيارة غير معلنة، لطلب الدعم العسكري والمادي من الرئيس التركي، وكشف موقع استخباراتي، أنه رغم الحظر المفروض من الأمم المتحدة على تصدير السلاح إلى الأطراف الليبية، فإن تركيا تستعد لتسليم حكومة طرابلس ثماني طائرات (مُسيرة)، بعد إسقاط الجيش الوطني الليبي لثلاث طائرات بدون طيار، واستهدافه مركز التحكم الخاص بتلك الطائرات بمطار معيتيقة.. لكن السراج يبحث عن الدعم بالأسلحة الأرضية وعن وحدة تركية عسكرية على الأرض الليبية لحماية العاصمة، لكن ربما لا يريد أردوغان الالتزام بالجزء الأخير المتعلق بوجود وحدة عسكرية تركية في طرابلس، بسبب التهديد المباشر الذي ستتعرض له القوات التركية على الأرض، وخصوصًا من القوات الجوية للجيش الوطني الليبي الذي هدد باستهداف المصالح التركية في ليبيا ردًا على دعم أنقرة للمجموعات المسلحة في طرابلس.
يبقى القول إن الرئيس التركي ليس في أحسن أحواله داخليًا.. هزيمة حزبه في إسطنبول ليست هينة بالنسبة للكثيرين، حتى أولئك الذين كانوا إلى وقت قريب يُحسبون عليه.. ما صار أردوغان يخشاه شخصيًا، أن يكون زمن تراجعه قد بدأ، وهو ما يتناقض كليًا مع طموحاته وما سيقاومه بقوة.. في الداخل يبدو هامش المغامرة السياسية ضيقًا، لذلك اختار كعادته، اللعب خارج تركيا، ليستعيد جزءًا من بريقه.. أفلح الرجل في إعادة تلميع صورته مرات عديدة من خلال افتعال أزمات خارجية، كان يراهن على الخروج منها منتصرًا، وهو في ذلك إنما يسعى إلى انهاء أزماته الداخلية، غير أن ما لا يخفى على أحد، أن أردوغان كان قد تعرض إلى هزائم كبيرة في إطار ذلك المسعى.. وكما يبدو، فإنه سيضيف إلى سجله في الهزائم، هزيمته الجديدة في ليبيا.
فليبيا، التي سقط نظام حكمها السابق بتدخل قوات الناتو الجوي، هي محط أنظار دولتين متنافستين، هما إيطاليا وفرنسا.. الدولتان لهما مصالح استراتيجية في ليبيا، فيما لا تملك تركيا أية مصلحة شبيهة، لذلك ستنظر الدولتان إلى التدخل التركي في إطار هزلي.. فرئيسها أردوغان، الذي يحاول أن يفرض قناعًا عقائديًا على الصراع، ينكر حقيقة ذلك الصراع، وهي الحقيقة التي تعرفها الدول المعنية بالشأن الليبي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي أيدت مسعى الجيش الليبي لتحرير طرابلس.. وهنا يبدو انفصال أردوغان عن العالم واضحًا.. فبسبب جهله، فإن مساهمته في الحرب الليبية ستؤدي إلى تلقى تركيا صفعة جديدة، قد تنقذها من تهريج رئيسها.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.