رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية إِضافية للقَوَّال

جريدة الدستور

تدخل الليل الكبير وحيدةً
والدمع يمشى فى العيونْ
ليتها قالت لقوّالِ الحكايا:
أرهقتنى الخاتمةْ
ليتها اقترحتْ عليه نهايةً أخرى
وبدّلت الحوادثَ من بدايتها
بحيث تتيحُ للحكَّاءِ أن يبصِرَ فى لهفتها حجمَ الحنينْ
لكنها استندتْ على لوعتِها
ساءلته:
كيف تعطى قاتلًا حقًا بأن يبكىَ مقتولته؟
أعطته برهانًا على أن الشتا لا يمنحُ العشاقَ دفئًا كى يصيدوا سمكَ البحرِ
وكى يبكوا بما فيه الكفايةُ من تصاريف المنونْ
غير أن الحاكى
لم يكن يَقْصِدُ من قصتِه بعدا سوى ما تقتضيه حبكةُ القصةِ فى أحداثها
وشخوصها المُتَقَتِّلينْ
لم يستطعْ أن يلمحَ الدمعَ الذى كتمتْه فى أعماقها
واصل قصَّتَه كما لو كان فى حفلٍ من الناسِ الذين أتوا على دقِّ طبولِ العازفينْ
وحكى عن بطلِ القصةِ فى حيرته
بين حشيش الحبِّ فى حيطانِ أبنيةِ المساءِ
وبين خائنة القلوبِ بحائطِ الدير
كما يحكى عن الفارسِ فى الحربِ وعن جولاتِه
بحياديَّةِ أهلِ القصةِ المتمرسينْ.
كانت ابنةُ الطرقاتِ قصدًا لربيبِ الديرِ
كان الراهبُ الساكنُ فى الديرِ- على حسْبِ روايتِه-
له قلبٌ يضمُّ اللهَ والمعشوقَ فى آنٍ
وما كان به شِرْكٌ
ولكنْ كان يقدرُ أن يُنَحِّيَهُ إذا ما جاءه الليلُ
وقد أعطاه فى طولِ النهارِ الصواتِ كما يجدرُ بالمأخوذِ فى حضرةِ آخذهِ المُعَلَّى
فى تجاويف السنينْ
كى يعسَّ إلى هوى المعشوقِ فى طرقاتِه
يتبعُ آثارَ خُطاهُ فى الممرَّاتِ
وفى حاشيةِ الأسواقِ
فوق مناضدِ الباراتِ
فى تجويفِ حائطةِ المراقصِ
والجفونْ
كى يُدَحْرِجَ فى يديه الصلواتِ
كما يليقُ بذاهلٍ متساقط دمه ويتبعه أساهُ
كان يسترسلُ فى السردِ كما يجدرُ بالقوَّالِ
حتى شاهدتْ قِطَعًا من الدمِ فى حكايتهِ على جلبابها الملهوفِ
تسرى كى تمس شغافها المفتونْ
فاستدارت فى اندهاشتها وقالت:
كيف تعطى قاتلًا حقًا بأن يبكىَ مقتولتَه؟
لم يجبها
واصل الحاكى حكايتَه بأنْ وصف اختلاطَ الدمعِ
- دمعِ الراهبِ الملهوفِ-
فى بُقَعِ الدماءِ
- دماءِ مقتولتِه- فى عريها المظنونْ
ساءلتْ:
كيف استحالت خاطئاتُ الليلِ قصدًا لربيبِ الديرِ؟
قال:
ستكبرُ الأيامُ فى كفيكِ ذات ضحًى وذات هوًى
وساعتها ستحترقين فى حَرِّ السؤالِ المُرِّ
فى شجر البنفسجِ
فى عزفِ الأنينْ
نفَّضتْ ألقَ الكلامِ لتعرف المغزى
وقالت:
أيها القوَّالُ زدنى
إن جلبابى مُثَقَّبَةٌ حواشيه لفرْحِ الحكْىِ
كان يُلَمْلِمُ الأحداثَ من قُدَّامِها
ويشُدُّ فى يدِ راهبِ الديرِ
ويستجمع فى عينيه بُقْيا ابنةِ الطرقاتِ فى موعدها لما يخونْ
سألته:
أيها الحاكى مواعيدى ستأتى مرةً أخرى إلى قرميدةِ السقفِ
لكى تطرقَ بابى فتمهَّلْ
كان قد أنهى حكايته
ولَمَّ بضاعةً أسيانةً فى جيبه المحزون
لم يستطعْ أن يلمحَ الدمعَ الذى كتمتْه فى أعماقها
سار إلى شوقِ حكايتِه
كان بطيئًا مثل من يحملُ فى كفيه آلافَ الحكايا
وقديمًا مثلما يجدرُ بالقوَّالِ
لم يتبقّ من خللِ الشبابيكِ التى فى قصةِ الراهبِ والمعشوقِ
إلا قِطَع الدمِ فى جلبابها
تسرى تمس شغافها المفتونْ.
ليتها قالت لقوّالِ الحكايا:
أرهقتنى الخاتمةْ.