رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فين أيام فصاحة خطاب الكراهية البليغ؟


بعد ما وصل إليه الحال على منصات التواصل الاجتماعي من انحدار لمستوى الخطاب وفقدان المعيارية في التعبير عن الرأي في حالة الغضب أو رفض موقف ما، حتى صار الخطاب رديئًا والمحتوى رديئًا، أصبحنا نستدعي أيام لغة النقد السياسي العميق، وخطاب الكراهية البليغ الراقي البسيط!

على الرغم من تحذير خبراء الإعلام والأكاديميين خلال العقدين الماضيين من خطورة محتوى الخطاب السياسي في وسائل الإعلام وتأثيره السلبي على العامة، فإن خطاب الكراهية والحقد والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي قد تعاظم الآن، ويمكن ببساطة رصد إلى أين يتجه المجتمع في ظل ردود الفعل على أى قضية رأي عام، من استخدام خطاب الحقد والكراهية في الإعلام المرئي والمسموع والصحافة المكتوبة والإلكترونية، التي صار فيها المواطن يتلقى جرعات مكثفة من خطابات الحقد والكراهية الرديئة الركيكة على نحو يومي، ويتأثر بها وقد يحوِّلها إلى واقع مليء بالكراهية والانقسامات المجتمعية، ما يؤثر في وحدة المجتمع وسلامته.

وبنـاءً علـى مـا يجـري حولنا يوميًّا، فهنـاك حاجـة ماسـة إلى تمييـز الخـط الفاصـل بـين حريـة التعبير والانخراط في خطاب الكراهية عبـر وسائل التواصل الاجتماعي على أي نحو، فاحتواؤهـا يصبح صعبًا فـي حــال حــدوثها، كما نــرى في وسائل التواصل من تعليقات عنصرية وعدوانية على نحو واضح.

وقد صار من الضــروري التصــدي لخطــاب الكراهيــة علــى شــبكة الإنترنــت والنهـوض بمنهج المحاسبة، لخلق مناخ يدعم التعدديـة والانـدماج الاجتمـاعي فـي مجـالات الحيـاة المختلفـة، مـن خلال منع أي شكل من أشكال التعبير التي تعمل على تحريض أو تشجيع أو تبرير الكراهية على أساس التعصب والرفض.

يجعل هذا مســئولية مواجهــة خطــاب العنــف والكراهيــة مسـئولية اجتماعية تتحملها الحكومات بالدرجة الأولى، وتبــدأ بمراحل التنشئة الأساسية في الأســرة والمؤسسات التعليمية والدينية، حتى تتأصل في وسائل الإعلام الحديثة، كما رأينا مثالًا في تغريم السلطات الألمانية شركة (فيسبوك) 2.3 مليون دولار بموجب قانون مكافحة خطابات الكراهية، واتهمتها بالفشل في تلبية متطلبات الشفافية في ما يخص معالجتها شكاوى خطاب الكراهية، حسب تقرير (فيسبوك) للنصف الأول من العام 2018 الذي لا يعكس العدد الفعلي للشكاوى المتعلقة بالمحتوى المشبوه غير القانونى، والذي تضمن في ألمانيا خطابات معادية للسامية وموادّ الهدف منها التحريض على الكراهية ضد شخصيات أو جماعات على أساس ديني أو عرقي.

وقد اتهمت أيضًا حكومة الولايات المتحدة الأمريكية شركة (فيسبوك) بأنها لم تقدم معلومات كاملة حول التدريبات والمهارات اللغوية للموظفين الموكلة إليهم مهمة التعامل مع شكاوى خطاب الكراهية؛ وهذان الموقفان من الحكومتين إنما يدلان على ما ذهبنا إليه من أن الأمر مسئولية مجتمعية تبدأ الحكومة أولى خطواتها ثم يتبعها المجتمع بمؤسساته كافة.