رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشفيات الولادة الحكومية "الداخل مفقود"

جريدة الدستور

استيقظت شريهان مصطفى، 25 عامًا، في الشهر الثالث من حملّها، على نزيف حاد لا تعرف سببه، انتقلت إلى المستشفى سريعًا لإيقاف النزيف، والذي كان سببه ارتفاع ضغط الدم بشكل مفاجئ، وقال الطبيب إنها أخذت أدوية زادت من ارتفاع ضغط الدم لديها.

تتذكر الفتاه أن طبيب الولادة والاستشارات النسائية الذي تتابع لديه، أعطاها أدوية زادت من ضغط الدم، رغم أنها أخبرته في المرة الأولى أنها تعاني مِن ذلك المرض، إلا أنه لم يراع هذا في الأدوية الموصوفة لها في روتين متابعة الحمل، بل على العكس كتب أدوية أدت إلى سيولة في الدم.

تكرر الأمر مرة أخرى بعد نحو ٩ أيّام كما تروي والدة "شريهان"، لكن هذه المرة كان الجنين على وشك أن يُجّهض بسبب زيادة نبضات قلبه، غيرت بعدها الطبيب، لكن الآخر وقع في الخطأ ذاته، ولم يضع في عين الاعتبار أنها تعاني سيولة في الدم.

جاء يوم ولادتها، ودخلت المستشفى الأميري بالإسماعيلية، ولكن الأطباء أجلوا الموعد لأكثر من 29 يومًا، وفي اليوم المحدد وعلى الرغم من إحضار الزوج ملفا كاملا به التاريخ المرضي لزوجته، وما أصابها خلال الحمل، اتخذ الأطباء في المستشفى قرار تخديرها رغم ارتفاع ضغط الدم، مما تسبب في انفجار الرحم ووفاة الفتاة بعد نصف ساعة من العملية.

"شيريهان" ليست الفتاة الوحيدة التي كانت ضحية مستشفيات الولادة في مصر، والتي تعاني من إهمال جمّ، يؤدي إلى وفاة الأجنة في بطونهم وبعض الأحيان تتوفى الأم بسبب أخطاء وإهمال طبي بحسب وقائع خاصة رصدتها "الدستور".

في ٢٠١٥، نشرت منظمة الصحة العالمية، عن الإهمال الطبي من الفريق القائم على عمليات الولادة في مصر، مؤكدة أن عددا كبيرا من الأطباء باتوا يستخدمون عقاقير التخدير بشكل مفرط؛ ما يتسبب بسكتات دماغية، إما للأم أو الجنين.

4 مايو العام 2018، دخلت ابتسام محمد، ٢٤ عامًا إلى مستشفى بلقيس العام، لتضع مولودها الأول،
رافقها زوجها وأمها وبعض أقاربها، إلا أن قسم الطوارئ كان خاليًا من الأطباء والممرضين المكلفين بالسهر في تلك الليلة، ولم يكن هناك أخصائي نساء وتوليد.

ثلاث ساعات وصلت فيها الفتاة إلى مرحلة المخاض دون إسعاف من المستشفى أو أطبائها غير الموجودين، تدهورت حالة "ابتسام" واختنق الجنين لاستقراره في الحوض على عكس وضعه وتوفيت قبل دخول غرفة العمليات.

تحقيقات النيابة العامة في الواقعة، كشفت عن أن الإهمال كان السبب الرئيسي في وفاتها، وعدم وجود رئيس قسم النساء والتوليد بالمستشفى والذي تأخر كثيرًا، ورغم ذلك لم يصدر قرار ضدهم إلا بتحويلهم إلى محاكمة تأديبية فقط، وهو أمر يراه زوجها أنه يسهم في مضاعفة الحالات.

النائب فايز بركات، عضو مجلس النواب، يرى أن الإهمال أصبح السمة الغالبة للوضع الطبي في مصر، فأخطاء الأطباء في العديد من حالات إجراء العمليات الجراحية غير مبررة، وهو ناتج عن عدم شعور بالمسؤلية، بالإضافة إلى وجود جهة تعمل فقط من أجل إيجاد المبررات لهذه الأخطاء.

الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الاطباء، يرى أن تعميم الإهمال هو ظلم بين للأطباء، لأن السواد الأعظم منهم يقوم بواجبه تحت أسوأ الظروف وبأقل الإمكانيات، فلا يجوز اعتبار حالة الوفاة التي تنجم في بعض الأحيان أثناء العملية قتلا عمدا.

ويضيف، هناك فرق بين الإهمال والخطأ، فالأول لا تهاون فيه ولا مبرر لحدوثه، أما الخطأ فهو قائم في أي مهنة، لا سيما أن هذا يحدث في روح بشرية يصعب أحيانًا التنبؤ بالتغيير في مؤشراتها الحيوية واستجابتها للتدخل الجراحي ومضاعفاته.