رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاصمة تنزانيا الجديدة


فى مؤتمر جمعهما بالقاهرة، وصف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر نظيره التنزانى جوليوس نيريرى بأنه «أحد الأفارقة العظام» و«تلميذ شعبه ومعلمه». وكان «نيريرى» عظيمًا فعلًا، ليس فقط لأنه قاد النضال فى بلاده ضد الاستعمار البريطانى، ولكن أيضًا لأنه أحد الآباء المؤسسين لـ«منظمة الوحدة الإفريقية»، «الاتحاد الإفريقى» لاحقًا. ولو عدت إلى مقال سابق عنوانه «عظماء إفريقيا الخمسة» ستجده واحدًا منهم.

تحت قيادة «نيريرى»، توحدت تنجانيقا وزنجبار، سنة ١٩٦٤، لتنشأ جمهورية «تنزانيا» الاتحادية، التى ظل يرأسها، منذ الاستقلال ثم الوحدة، حتى تخلى عن الحكم طواعية سنة ١٩٨٥، ليخلفه على حسن موينى (حتى ١٩٩٥)، ثم بنيامين مكابا (حتى ٢٠٠٥)، ثم جاكايا كيكويتى (إلى ٢٠١٥). وصولًا إلى الرئيس الحالى جون بومبيه ماجوفولى الذى تم انتخابه فى ٥ نوفمبر ٢٠١٥، ونقل رئيس وزرائه، قاسم ماجاليوا، صباح الأربعاء، تحياته إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتأكيده على تقدير بلاده الكبير لعلاقاتها التاريخية العميقة مع مصر، وحرصها على الاستمرار فى الارتقاء بالتعاون لآفاق أرحب.

جمهورية تنزانيا الاتحادية، تقع فى شرق وسط إفريقيا، مساحتها أقل قليلًا من مساحة مصر، ٩٥٠ ألف كيلومتر مربع تقريبًا. ويسكنها نحو ٥٠ مليون نسمة، منهم ٥ ملايين فى «دار السلام»، العاصمة القديمة للدولة، التى بدأ التفكير منذ سنة ١٩٧٣ فى اختيار عاصمة غيرها، ووقع الاختيار على مدينة «دودوما» لتكون سنة ١٩٩٦ هى العاصمة الرسمية. غير أن «دار السلام»، ظلت مقرًا لغالبية المؤسسات الحكومية. الأمر الذى دفع رئيس الوزراء التنزانى إلى زيارة العاصمة المصرية الجديدة، خلال زيارته القاهرة، ولما وجدها «نموذجًا يُحتذى به»، أعرب عن رغبة بلاده فى الاستفادة من التجربة المصرية لتطوير مدينة «دودوما».

فور تسلمه السلطة، شارك الرئيس السيسى فى قمة الاتحاد الإفريقى، بالعاصمة الغينية مالابو، وفيها التقى الرئيس التنزانى السابق. وبعد إيفاد وزير الزراعة المصرى إلى تنزانيا للمشاركة فى حفل تنصيب الرئيس الحالى، انعقدت قمة ثنائية بين الرئيسين، فى أغسطس ٢٠١٧، خلال زيارة الرئيس السيسى إلى تنزانيا. ومؤخرًا، أعرب رئيس الوزراء التنزانى، خلال زيارته القاهرة، عن تطلع بلاده إلى زيادة حجم التبادل التجارى مع مصر. وخلال لقائه برئيس الوزراء أشاد بالمشاركة المصرية الفاعلة فى إنشاء سد «ستيجلر جورج»، أحد أهم المشروعات التنموية الكبرى فى تنزانيا، الذى يتولى إنشاءه تحالف شركات مصرية. من نيريرى وناصر، إلى ماجوفولى والسيسى، احتفلت مصر وتنزانيا، هذا العام، بالذكرى الخامسة والخمسين لتبادل التمثيل الدبلوماسى بينهما. وفى أبريل ٢٠١٤ زار المهندس إبراهيم محلب، رئيس وزرائنا الأسبق، تنزانيا للمشاركة فى احتفالها بالعيد الخمسين لقيام دولة الاتحاد. وبعد حفل تنصيب الرئيس السيسى، فى يونيو من السنة نفسها، الذى شارك فيه وزير الخارجية التنزانى، تواصلت الجهود الهادفة إلى دعم ومساعدة الأشقاء التنزانيين، وأبرزها تقديم كافة أشكال الدعم فى مجال تعزيز بناء القدرات الوطنية بتوفير العديد من الدورات التدريبية، عبر الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، فى مجالات متعددة منها الزراعة والمياه والشرطة والدبلوماسية والصحة والقضاء والصناعات الغذائية و... و... وغيرها، لمواكبة ما يشهده العالم من تحولات، ولمواجهة التهديدات والتحديات، الوجودية والمصيرية، التى فرضتها دول وكيانات انتهازية، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء.

لن تحتاج أن تكون «شاطرًا» فى الحساب لتدرك أن العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بدأت فور قيام دولة الاتحاد. كما لن تحتاج إلى غير عينيك المجردتين لتعرف أن مصر تتطلع، كما قال رئيسها، إلى العمل مع جميع الأشقاء الأفارقة، فى ضوء التحديات العديدة التى تواجهها القارة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، والتى تتطلب مواجهتها أن تتضافر كل جهود دول القارة، وأن يتم تفعيل آليات الاتحاد الإفريقى، الذى شهد نشاطًا ملحوظًا، وقطع خطوات كثيرة، منذ تسلمت مصر رئاسته فى فبراير الماضى، نحو تعظيم فرص الاستثمار ودعم التنمية والاستغلال الأنسب للموارد. ومن المتوقع أن يتم قطع المزيد من الخطوات، بعد إطلاق الرئيس السيسى، الأحد الماضى، اتفاقية «منطقة التجارة الحرة القارية»، التى بدأ معها العد التنازلى لإنشاء أكبر منطقة تجارة حرة فى العالم. مع قوة الدفع التى تشهدها العلاقات المصرية الإفريقية فى الفترة الأخيرة، ومع إدراك دول القارة ضرورة زيادة الاستثمارات المشتركة وتبادل الخبرات فى المشروعات القومية الكبرى، يظهر وجه آخر لأهمية العاصمة المصرية الجديدة، التى لا نبالغ لو قلنا إنها نموذج عملى تقدمه مصر إلى القارة السمراء، لإمكانية صياغة واقع أفضل، بالتحول إلى مرحلة جديدة تعتمد على الميكنة والتحول الرقمى والإدارة الذكية، تحقيقًا لطموحات وتطلعات شعوب دول القارة فى الاستقرار والازدهار والحياة الكريمة.