رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يعود من جديد؟.. «الدستور» تحاور أصحاب القرية الوحيدة في العالم بصناعة الورق البردي

جريدة الدستور

رغم أن «الورق البردي» كان الوسيلة الوحيدة قديمًا في التواصل بين الفراعنة، واعتمدوا عليه في تسجيل معاركهم وتاريخ حياتهم، لكنه واجه اندثارًا واختفاء شديدًا مع التطور التكنولوجي، وظهور وسائل أخرى أكثر تقدمًا، وربما لن يخطر على بال أحد أنه سيعود يومًا ما إلى سابق عهده.

البودار لإعادة إحياء استخدام الورق البردي، تظهر جلية في قرار الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، الذي أمر بتشكيل لجنة قومية عليا، لإعداد ملف الصون العاجل لحرفة صناعة ورق البردي، حتى تدرج ضمن قائمة التراث اللامادس بمنظمة اليونسكو، مؤكدًا بهذه الخطوة على ضرورة الاهتمام بحرفة صناعة البردي والحفاظ عليها من الاندثار، لما تمثله من قيمة فنية وأثرية.

خرج هذا القرار من محافظة الشرقية، لكونها تضم مدينة (طوخ القراموص)، التابعة لرئاسة مركز ومدينة أبو كبير، وأحد أكبر منتجي الورق البردي، والقرية الوحيدة في العالم التي تنتج هذا النبات، رغم قلة الإمكانيات ومواجهتها شبح الاندثار، وبها ما يقرب من 500 فدان لنبات البردي.

والبردي هو نوع قديم من الورق المصنوع من نبات يسمى بنفس الاسم، طويل من جنس السُعد تمتد سيقانه إلى أعلى ذات مقطع مثلث الشكل، وأزهاره خيمية الشكل، ويرتفع من خمسة إلى تسعة أمتار، وسمى بالفافير نسبة إلى فرعون وأول استخدام له كان في مصر القديمة.

«الدستور» بمناسبة ذلك القرار بإعادة إحياء صناعة البردي في الشرقية، حاورت منتجيه بقرية "قراموص"، لمعرفة الصعوبات التي يواجهونها وأسباب الاندثار الأولى لتجنبها. "أحمد إبراهيم"، 32 عامًا، أحد مصنعي نبات البردي والذي يقوم بجمعها ولصقها حتى تتساوى في الطول وتقطيعها.

يقول: "في البداية بنجمع النبات من الغيط، وبعد كده نقطعه كل حاجة بالمقاس وبعد كده يتنقع في البوتاس شوية وبعدين كلور وتبدأ مرحلة الرص ويلتف عليها القماش"، موضحًا أنه ما زال يتمسك بهذه الصناعة، رغم انهيار السياحة، وقلة الأيدي العاملة، لكونها مهنته التي يعمل بها منذ 15 عامًا.

يشير إلى أنه ليس الوحيد بالقرية الذي يعمل بهذه المهنة، بل هناك العشرات من أبناء القرية يعملون بها ويستمرون إلى الآن في ممارستها رغم الصعوبات التي تواجههم، من فترات ضعف السياحة والتي تؤثر بشكل مباشر على تسويق هذا الورق.

أما حسنين أحمد، 40 عامًا، يمتلك ورشة لصناعة البردي، تحدث عن التطورات التي طرأت على الصناعة خلال العقود الماضية، مؤكدًا أن الاختلاف في الأدوات المستخدمة فقط بالصناعة، أنه في العقود السابقة كانت تتم عمليات تقطيع السيقان بالمناشير وليس بماكينة تقطيع.

ويضيف: "وأيضًا عملية الكبس كانت تتم بمكبس خشبي في الماضي، لكن الآن المكابس أصبحت حديدية، فعذا يساعد في عملية الإنتاج من حيث السرعة وحجم الإنتاج، لكن المواد الكيماوية هي نفسها المستخدمة حتى الآن".

أما الأسعار بحسب حسين، فكانت أقل بكثير، مشيرًا إلى وجود أزمة بإنتاج الورق بسبب غلاء الأسعار، لا سيما أسعار المواد الكيميائية التي زادت إلى أكثر من الضعف وكذلك أسعار الكلور، وكذا أسعار الكارتون فقد تضاعفت هي الأخرى.

يوضح أن هناك كثيرين عزموا على التوقف عن العمل في هذه المهنة بسبب غلاء الأسعار، والتوجه إلى مدينة العاشر من رمضان للعمل في أي من المصانع المقامة هناك، بيد أنه ما زال متمسكًا بتلك المهنة على أمل أن تتحسن.

"الورق البردي الذي ينتج الآن مختلف عن قديمًا"، يقول "علي حسين" 30 عامًا، أحد صناع الورق البردي، مشيرًا إلى أن هناك اختلافًا في الجودة والمتانة، إذ إن المصريين القدماء قاموا بصناعة الورق الأجود، وهو ما يتضح من حالة البرديات التي يتم اكتشافها الآن في المقابر والمواقع الأثرية.

يقول إن الورق البردي الحالي يتلف حاليًا، بسبب عوامل البيئة، لافتًا إلى أن الفراعنة استخدموا أدوات بدائية وكبسوا الورق بالأحجار وليس بالمكابس الحديثة، ووضعوا مواد كيمائية على سيقان النبات، لم يعرفها أحد حتى الآن.

يؤكد أن الأزمة المحن التي تعرضت لها المهنة هي نفسها التي تعرضت لها السياحة المصرية، وأدت إلى تشرد الكثير من الأيدي العاملة وامتهانهم مهنًا أخرى، وكذلك انخفاض أعداد العاملين في الصناعة إلى مستوى متدني وصل إلى حوالي 10% في حين أنه ذهب الـ90% الآخرون إلى مهن أخرى.

يشير إلى أن الأراضى الزراعية تقلصت كثيرًا من 500 إلى 50 فدانًا، مؤكدًا أن قرية (قراموص) هي الوحيدة في العالم التي تنتج نبات البردى، بداية من الزراعة إلى الصناعة والرسم.

سبق وأكد الدكتور حسين الجندي، السكرتير العام لمحافظة الشرقية، على أنه تم الإتفاق على البدء في إعداد دليل للجمع الميداني بالتنسيق مع وزارة الثقافة، والاستعانة بخبرات المعهد العالي للسينما، للمساهمة في إعداد الفيلم الوثائقي عن حرفة صناعة البردي بالشرقية.

وأضاف: "والعمل على توفير منافذ لبيع منتجات القرية من البردي، وكذلك التنسيق مع وزارة السياحة للعمل بالتوازي في إعداد مخطط للتنمية، مع خلال إعداد الملف وإدراجه على قائمة التراث اللامادي بمنظمه اليونسكو، وتنظيم ورش عمل مع أصحاب الحرفة وأهل القرية".