رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أراوح عائمة.. بعد غرق "جولدز جيم" المراسي النيلية كوارث كامنّة

جريدة الدستور

المياه تدفق من كل جانب بشكل مفاجيء، الجميع لا يعلم من أين أتت؟، رغم علمهم الجيد بأنهم فوق عوامة داخل مياه النيل بمنطقة كورنيش الدقي التابعة لمحافظة الجيزة، لكن ظنهم بأنها آمنة لم يكن في محله، بعدما غرق الدور الأول منها وكادت المياه تصعد إلى الأدوار العليا.

"نجونا بأعجوبة"، يقولها مصطفى فتحي، 27 عامًا، أحد رواد "جولدز جيم" في منطقة الدقي، والذي تعرض للغرق بالأمس، وكان الأخير شاهد عيان على الحادث في الدور الأرضي منها، وتفاجىء بتدفق المياه داخل الجيم دون سابق إنذار.

يوضح أن من فترة كانت هناك إصلاحات تجرى داخل الملهى الليلي المجاور للجيم، وتم نقل معدات ثقيلة لأجل الإصلاحات، ما تسبب في حدوث ثقل داخل العوامة، وأدى إلى غرقها المفاجىء، إلى جانب الديسكو الذي كان قيد الإنشاء والإصلاح أيضًا.

لم ينتج عن الحادث أي حالة وفاه أو إصابات بعدما هرول الجميع إلى الخارج أثناء نزول المركب في النيل، بيد أن تحريات النيابة العامة قالت أن جولدز جيم يقوم على عوامة سياحية كانت راسية أمام مجلس الدولة، ومالكها الذي كان يقوم بإصلاحات داخل الملهى وتسببت في غرق العوامة.

خطورة الأمر تظهر في الجزء التالي من التحقيقات، والتي كشفت أن المرسى الذي يحمل الجيم والديسكو، وانتهى ترخيصها منذ عام 2016 ولم يتم تجديده، إلى أن صدر له قرار إزالة رقم 112 لسنة 2018 لوجود مخالفات باشتراطات الترخيص.

عوامة "جولدز جيم" كما عُرفت إعلاميًا، ليست الواقعة الأولى ولن تكون الأخيرة، بعدما انتشرت فكرة تأجير وشراء العوامات والمراسي على النيل بلا ترخيص وتحويلها إلى مطاعم وكافيهات وأحيانًا أماكن لممارسة الرياضة، دون تطبيق اشتراطات السلامة والآمان.

أصحاب مراسي نيلية: "مفيش تفتيش ولا ترخيص"
ذلك ما كشفته "الدستور" في التحقيق التالي، عبر جولة على عدد من تلك العوامات والمراسي والتي اعترف أصحابها أنهم قاموا بإنشائها دون ترخيص ولم يتكلف الأمر سوى تأجيرها من صاحبها بحفنة أموال شهريًا، ولا توجد أي تفتيشات رقابية دورية عليهم.

على امتداد شارع النيل بمنطقة الدقي، تقبع عدد من الكافيهات والمطاعم والتي أغلبها بلا تراخيص ولا تطبق شروط السلامة والأمان، "محررة الدستور" أدعت أنهم تريد تأجير عوامة لافتتاح مطعم كمشروع شبابي لها ولأصدقائها، وتريد الاستفسار عن الاجراءات.

"مفيش أي اجراءات"، كانت الإجابة التي أجمع عليها معظم العاملين بتلك العوامات والمراسي، "محمود.د" أحد العاملين بمطعم في تلك المنطقة، يقول أن العوامات هنا تؤجر بالأعوام مقابل مبالغ مالية، ويتم إنشاء أي مشروع عليها يريده المستأجر.

يضيف: "الموضوع سهل بتأجر وتعمل اللي أنت عايزه، مش لازم ترخيص، الملكية بتكون بالتأجير بس، ومفيش أي دوريات تفتيش أو حد بيسأل على التراخيص، لأن الأغلب هنا مش مرخص".

وعن وسائل الآمان ومسؤولية الأوراح التي ترتاد تلك الأماكن، يوضح أنهم يعتمدون على أنها مراسي نيلية وعوامات ليست متحركة، فتكون عملية الإنقاذ سهلة: "ربنا بيسترها خصوصًا مع الحاجات الثابتة اللي مش بتتحرك".

"خالد. م"، مسؤول أحد الكافيهات النيلة بشارع النيل، والذي لم يكن سوى عوامة تحمل الكافيه بالعاملين به والزبائن، يقول: "الفلوس بتمشي العملية، أي حد بيأجر مش بيسأل على ترخيص، لأن صاحب العوامة هو المسؤول".

يوضح أنه لا يوجد فرق إنقاذ محيطة بالمكان، وكل مسؤول هنا يحاول قدر الإمكان حماية زبائنه من التعرض للخطر: "منقدرش نعمل أي حاجة تانية، ده أكل عيش، وبنحاول نحافظ على الأرواح".

متضرون: "حرائق العوامات أمر متكرر بلا تأمين"
حريق فوق مياه النيل، وتحديدًا في سطح مركب سياحي على كورنيش المعادي أمام أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، والذي لم يستغرق وقتًا طويلًا حتى تحول إلى كتلة نار فوق المياه، لم يتمكن أحد من عمال المركب من إخماد الحريق في بدايته باستخدام طفايات الحريق العادية.

"محمود"، 30 عامًا، أحد المتضررون من ذلك الحادث الذي طال عوامة نيلية غير المرخصة منذ فترة، يقول أن الحريق شبّ سريعًا، وتم إنقاذ الركاب والزبائن من قبل الحماية المدنية، وتحولت المرسى إلى كتلة لهب سريعة.

يضيف: "أن مسؤولوا المركب أكدوا أن به وسائل السلامة المهنية،ومجهز بطفايات حريق خراطيم المياه وأحبال النجاة والأطواق، رغم أن المركب اشتغل ولم يستطع العمال إخماده لعدم وجود طفايات حريق كما قالوا".

يؤكد أن أنظمة الحماية من المفترض أن يكون لها شركات تتعاقد معها لبحث ودراسة المركب، وتوفير الاحتياجات الأمنية المساعدة على إطفاء أي حريق، حسب الدراسات الفنية للمكان، وأنظمة الحماية يدوية وإلكترونية.

في تلك المنطقة كانت لنا جولة أيضًا على عدد من المراسي والعوامات، والتي لم تكن أفضل حالًا من الموجودة في شارع النيل، إذ أكد أحد أصحاب العوامات هناك أن أنظمة الحماية يدوية وليست إلكترونية، بحيث يعتمدون على طفايات حريق فقط، لعدم ملائمة الإلكتروني مع أغلب المراكب النيلية، واستخدام النظام الإلكتروني في الفنادق والمباني والمنشآت.

"صعب جدا تحصل حريق في مركب عائم إلا إذا كان غير مجهز"،بهذه الجملة بدأ مصطفى السيد، أحد العاملين حديثه لـ"الدستور"، مضيفًا:" الحريق على مركب نيلي بيكون لأنه مش مجهز، لأن كل عامل ومسئول بالفندق العائم أو المركب بيكون واضع في اعتباره مثل هذه الظروف في أي وقت، ولو مش مجهز هتغرق أو هتتحرق، لأن وارد يحصل حريق في عرض البحر".

"تعبنا من كتر المراكب اللى بتولع" يقولها أحمد مجدي، مدير مركب في تلك المنطقة، خلال حديثه لـ"الدستور"، مؤكدًا أن المركب مفترض أن يكون مجهز بمعدات السلامة المدنية، وبه طفاية حريق، إضافة إلى أنظمة خراطيم الدفع المائية.

وفجر مفاجأة أخرى، وهي ضرورة عدم تعيين أي عامل عامل أو موظف فى المركب إلا بعد حصوله على دورة الدفاع المدنى طبقًا للتخصص، إلا أن ذلك لا يحدث ولا يهتم أحد بالتراخيص أو التفتيش.

وتابع أن أى تركيب لمعدات أو نظام حرائق فى أى منشأ يتم تحت إشراف الدفاع المدنى، وأن الشرطة النهرية من المفترض أن تأتى لمتابعة أحوال التشغيل وأنظمة الحريق بجميع المراكب باستمرار.

خبراء: "عدم تطبيق اشتراطات السلامة كارثة تمسّ السياحة"
الدكتور زين الشيخ، صاحب شركة سياحية، يؤكد على ضرورة وجود مراكب نيلية ذات المبيت والغرف الفندقية، لأن هناك رحلات تبدأ من القاهرة لأسوان للسياح الأجانب، لكنها لا يكون بها اشتراطات الأمان والسلامة.

يضيف: "تلك المراكب لها اشتراطات أمنية وفندقية معينة وخط سير محدد، لمدة 5 ليالي، وبها مزارات سياحية ومبيت ومطعم، وهناك أنواع أخرى من المراكب النيلية المخصصة للرحلات القصيرة مثل رحلات القناطر الخيرية أو المراكب الثابتة كمطاعم أو حفلات أو كافيه".

ويصف عدم اتباعها لشروط السلامة والأمان بالكارثة، موضحًا أنه لا بد أن يكون لها ترخيص ومتابعة وإشراف دوري من قبل وزارتي السياحة والنقل، ويجب أن لا تحصل أي مركب على رخصة المزاولة إلا بوجود اشتراطات الأمن والسلامة، وإجراءات المتابعة من كافة الأجهزة المعنية.

وأردف قائلًا: أنا كصاحب شركة سياحة، يعنيني أن تكون المركب أو العوامة النيلية التي يتم الحجز فيها للسياح بها اشتراطات سلامة وآمان، لأن كل هذا في الآخر يصب في مصلحة السائح والمنتج النهائي الجيد من كل شيء أمنيًا ومهنيًا وصحيًا".

وأكد أن السائح المحلى أو الأجنبي، إذا تعرض لأي شيء سيضر العملية السياحية ككل، فمثلًا إنجلترا كادت أن توقف التعامل مع كل المراكب النيلية، لأنهم اكتشفوا أنها تقوم بغسل الأطباق من مياه النيل وهي ملوثة، حتى تم وضع الاشتراطات الخاصة بالأمر من خزانات للشرب وفلترة الماء المستخدم، وكل هذا يؤثر على البلد ككل ومنها سمعة شركات السياحة.

وقال "الشيخ": "كل شيء لا بد من توافره على المركب لسلامة وصحة عملية السياحة في مصر إجمالًا، فمثلًا إذا حدث حريق أو مشكلة صحية ولا توجد معدات الإنقاذ اللازمة، ستتأثر العملية ككل من الأجهزة المعنية وتقصيرها في إحكام الرقابة والإشراف والمتابعة وسمعة المركب والشركات السياحية".

يضيف: "الأزمة داخل بها العديد من الجهات، ولا بد من تضافر جهود الجميع والوزارات المعنية كالصحة والنقل والري والداخلية، من أجل إنجاح العملية ككل، حتى الاهتمام بسائق التاكسي الذي ينقل السياح، ومدى الالتزام والحمامات العامة، كل هذا وأكثر يكون الصورة الذهنية للمجتمع المصري، وإذا حدث خلل في أحد العناصر هذه يحدث خلل في العملية السياحية ككل".

اشتراطات السلامة
بحسب الموقع الرسمي لوزارة النقل، المسؤولة عن المرافق النيلية، فاشتراطات السلامة تبدأ من معاينة المرسى أو العوامة أو المركب، وعمل جسات لعمق المياه ومسح سطح المياه للتأكد من عدم وجود أجسام طافية، والتأكد من وجود معدات السلامة والأمن والإطفاء بالمرسي.

وأيضًا: "على إدارة الفندق العائم عمل معاينة لبيت وشمعات الرباط للتأكد من سلامته أو وجود بوادر لانفصالها عن المرسى، ضرورة عمل مناورات كل 15 يومًا على الأقل لمدة 60 دقيقة فقط، للحفاظ على صلاحية معدات وأدوات مكافحة الحريق".

ومن الاشتراطات: "تدريب أفراد الطاقم على وسائل الأمن والسلامة لدى الدفاع المدنى، كما يجب ألا يقل عدد الطاقم الموجود بالفندق العائم عن 4 أفراد خلال، والحفاظ على نظافة الماكينات، وعمل غسيل كيماوى لها، وإزالة آثار الزيوت لإزالة أي بقايا تزيد من الحريق".

واشترطت صيانة الوحدات الكهربائية، وتجربة الطلمبات للتأكد من وجود مياه بها، وعدم استخدام خراطيم المياه المخصصة للحريق بالاستخدام اليومي، والمحافظة على صلاحية معدات وأدوات مكافحة الحريق سواء النقالى أو الثابتة.

كذلك، الحفاظ على الحد الأدنى من عدد أفراد الطاقم المدربين، التحرك بعيدًا عن الرباط لحل الوحدات في حالة وقوع حريق، وأن يكون على ظهر الوحدة أكثر من وسيلة اتصال بشرطة الدفاع المدنى والحريق".

لجنة السلامة: "أغلب الوحدات العائمة غير مرخصة ولا تطبق اشتراطات السلامة"
محمد عزب، رئيس لجنه السلامة والصحة المهنية بنقابة المهندسين، يقول أن الوحدات العائمة غير المرخصه تشكل خطرًا كبيرًا على أرواح القائمين عليها، بداية من طاقمها وصولًا للزبائن؛ لعدم مطابقتها للمواصفات الفنية المحددة لها، أو توافر معايير السلامة والأمان، وبالتالي تكون معرضة لأن تقع خسائر فادحة بالأرواح.

ويؤكد على أن الوحدات المحلية تبذل قصارى جهدها لضبط العوامات غير المرخصة ومصادرتها، ومنع الناس من دخولها حفاظًا علي أرواحهم، مشددًا على أهمية توفير معايير السلامة المهنية بالعوامات المائية بأن تكون مجهزة في حالة وقوع أي أزمة طارئة، بكل طرق النجاة وسبل الإنقاذ؛ استعدادًا لأي خطر.

ومن تلك الاحتياطات اللازمة، بحسب رئيس اللجنة، وجود طفايات حريق لمكافحة الحرائق الناتجة عن تسريب غازات أو المواد القابلة للاشتعال، وتوفر أجهزه قتل إتوماتيكية في حالة الحرائق الناتجه عن الماس الكهربي، وكذالك توفير إجراءات الاخلاء والإنقاذ الآمان في حاله الغرق، مضيفًا هناك كود خاص لكل الوحدات العائمة لتوفير معايير السلامة والأمان يمكن استخدامه في حدوث أي ظرف طارئ.

صبري الجندي، المستشار الإعلامي السابق لوزارة التنمية المحلية، يقول أن خطورة العوامات غير مرخصة تتمثل في عدم معرفة الأسباب الحقيقيه لوقوع تلك الحوادث الجسيمة، والمسؤول عن ارتكاب الأخطاء بها، وعدم محاسبة أصحابها.

ويضيف، هيئة الملاحة النهرية، وشرطة المسطحات المائية، لهما دور كبير في الكشف عن العوامات والمراكب، والتأكد من مطابقتها للمواصفات المحددة لها، وهل هناك أي تجاوزات بما هو مصرح به، وكذالك التأكد من أنها تحمل الأعداد المسموح بها.

ويوضح أن هناك قانون يجرم وجود أي وحدة عائمة غير مرخصة، حتى إن كانت غير متنقلة بالمياه مثل "جولدز جيم"، مشددًا على أهمية وجود رقابة على تلك الأماكن التي تتواجد بها الوحدات العائمة؛ تجنبًا لوقوع أية حوادث.