رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يونيو بين الهزيمة والنصر «2»




أظهرت حرب الاستنزاف، التى بدأت بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، صلابة معدن المقاتل المصرى وقدرته على تخطى كل الكبوات وتحويل الهزيمة إلى نصر.
وقد سجلت السينما المصرية بعض البطولات الملحمية التى ميزت حرب الاستنزاف، فقدمت أفلامًا مثل: «أبناء الصمت» ١٩٧٤، إخراج محمد راضى، عن قصة مجيد طوبيا، تناول الفيلم صمود أبناء الجيش المصرى أثناء حرب الاستنزاف حتى ملحمة العبور.
«الطريق إلى إيلات» ١٩٩٣، إخراج إنعام محمد على، سيناريو وحوار فايز غالى، وتناول إغراق القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات.
فيلم «يوم الكرامة» ٢٠٠٤، ويتحدث عن دور القوات البحرية فى فترة حرب الاستنزاف.
وأحدث هذه الأفلام فيلم «الممر» إخراج شريف عرفة، فقد تخطت ميزانية الفيلم الـ١٠٠ مليون جنيه، وتم بناء الديكورات الخاصة بالعمل بمدينة السويس، وصمم الديكور بحيث يحاكى فترة الستينيات، وتمت الاستعانة بخبرات من الولايات المتحدة لتصميم المعارك ضمن أحداث الفيلم.
يستلهم الفيلم واحدة من بطولات المجموعة ٣٩ من قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، وقصة أحد أساطير حرب الاستنزاف، قائد المجموعة ٣٩ الشهيد «إبراهيم الرفاعى».
«المجموعة ٣٩ قتال» هى مجموعة قوات خاصة أُنشئت عقب نكسة يونيو ٦٧ تحت قيادة العقيد «إبراهيم الرفاعى»، وتألفت من مجموعة صغيرة من ضباط قوات الصاعقة البرية والبحرية، المشهود لهم بالكفاءة والشجاعة، المعروفين بقدراتهم القتالية العالية، ثم تطورت تلك المجموعة إلى فصيلة، وبتعدد العمليات تطورت إلى سرية «نحو ٩٠ فردًا ما بين ضابط وصف وجندى» إلى أن أصبح عدد العمليات التى قامت بها هذه السرية ٣٩ عملية، فتطورت السرية إلى تشكيل أطلق عليه «المجموعة ٣٩ قتال»، نسبة إلى عدد العمليات التى قامت بها قبل تشكيلها الرسمى، وأصبحت المجموعة وحدة مقاتلة مستقلة تابعة لقيادة المخابرات ورئيس الجمهورية.
كان «إبراهيم الرفاعى» قائد المجموعة والمدرب والمخطط، كما كان الأخ والصديق لكل جندى مقاتل ولكل ضابط بها، وقد اشتهر بالصرامة الشديدة أثناء التدريب، لأن الخطأ فى المعركة ثمنه حياة الفرد ومَن معه، بالرغم من عطفه الشديد وحبه لرجاله، ولم يكن الرفاعى يكلف أحدًا من رجاله بعمل إلا إذا كان هو شخصيًا قادرًا على فعله ويكون أول من يقوم به.
قامت المجموعة طوال حرب الاستنزاف بالعديد من العمليات التى أربكت وأذهلت العدو الإسرائيلى منها: أنها صاحبة الفضل فى أسر أول أسير إسرائيلى فى ٢٦ أغسطس ١٩٦٨، بعدما قامت أثناء تنفيذ إحدى عملياتها بأسر يعقوب رونيه.
ظلت المجموعة تعمل سرًا لشهور، حتى تم الإعلان رسميًا عن وجودها عقب عملية لسان التمساح الأولى عام ١٩٦٩، التى قامت بها ردًا على استشهاد الفريق «عبدالمنعم رياض»، حيث قام الأبطال ليلة ١٩ أبريل ١٩٦٩، وهو الموافق الأربعين من استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، بعبور قناة السويس واحتلال موقع المعدية رقم ٦، الذى أطلقت منه القذائف التى تسببت فى استشهاد الفريق رياض، وإبادة ٤٤ عنصرًا إسرائيليًا كانوا داخله، وقام أفراد المجموعة بالاستيلاء على بعض الأسلحة والذخائر وإحضار أجهزة هوائية، بعد أن ظلوا فى الموقع قرابة الساعتين، كما قاموا بإحضار العلم الإسرائيلى الذى كان موجودًا على الموقع، وتم إهداء الرئيس السادات أثناء زيارته المجموعة رشاش «عوزى» من الغنائم التى تم الاستيلاء عليها وقتها.
عملت المجموعة ٣٩ قتال تحت ستار منظمة سيناء العربية وهى منظمة من بدو سيناء ومدن القناة من المدنيين الذين تم تدريبهم بواسطة المخابرات المصرية للقيام بأعمال خلف خطوط العدو، وكان هناك تعاون وثيق بين المجموعة ٣٩ ومنظمة سيناء العربية.
يقدم فيلم «الممر» واحدة من العمليات البطولية التى قامت بها المجموعة، بينما تحتاج بقية العمليات لساعات من الشرائط لتسجيلها وتقديم ما كان بها من روح الشجاعة والمقاومة والرغبة فى تعويض الهزيمة.
ولعل فيلم «الممر» بعد نجاحه الجماهيرى يكون فاتحة وممرًا لمزيد من الأفلام التى تخلد قصص أبطال حرب الاستنزاف، وهى الفترة التى رغم أهميتها فى التاريخ المصرى فإنها لم تحظ بالاهتمام الواجب من الشاشة الكبيرة.