رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد مبادرة صنايعية مصر.. "الدستور" تحاور أصحاب الحرف

جريدة الدستور

في أفلام السبعينات وما قبلها كنّا نجد كل المتسوقين، يحملون مشترياتهم في أكياس ورقية ذات لون مخمري، واللحوم في أخرى تشبهها لها لونها وردي، لكن سرعان ما اختفت مع الحداثة والتجديد، وانتشار الصناعات البلاستيكية فحلت الأكياس النيلون والبلاستيك الشفاف محلها، ومن هنا بدأ صناع الأكياس الورقية في التخلي عن مهنتهم رويدًا.

الحاج "عطية" 60 عامًا، واحد رواد مهنة صناعة الأكياس الورقية، دومًا ما تجده في أحد أزقة حي الجمالية التاريخي، لديه ورشة يقوم فيها بنشاطه الدوري في سك أمتار الورق المقوى لضغطه حتى يلين ويقطعه فيما بعد أكياس ورقية بمقاسات مختلفة.

عطية، يقطن في منطقة دار السلام، يقطع كل يوم هذه المسافة ليفتح ورشته؛ على أمل أن تأتيه طلبية جديدة يعمل عليها فهو يعمل بمفرده بعد أن انصرف عن تلك المهنة كل العاملين فيها، لعدم جدواهها الاقتصادية، لكنه يعلل تمسكه بها أنه ورثها عن أبيه، ومن قبله عن جده لكنه لم يستطع إقناع ابنه أن يتقنها.

يقول أن صناعة الأكياس لا تحتاج إلى مجهود كبير، فيقوم بالقص والثني على ماكينة كهربائية ثم اللصق يدويًا باستخدام معجون من الغراء والنشا؛ لذا مهما كبر سنه لا يجد مشقة سوى في رحلته من المنزل إلى الورشة وفقط.

ينتج في اليوم حوالي ٥٠٠ كيس مختلفة الأحجام، وأكثر المترددين عليه لشرائها من صانعي الفخار والخزف؛ لأنها تحفظه من الخدوش، وحديثًا باتت المطاعم التي تتجه إلى بيع المنتجات والأطعمة الصحية تستخدم الأكياس الورقية، للحفاظ على البيئة، وتشتريها منه لأن البلاستيك أكثر ضررًا.

يُكمل "عطية" أن هناك مبادرة تابعة لوزارة البيئة والأمم المتحدة،عقدت معه إتفاق على إنتاج وتوريد كميات من الأكياس بشكل منتظم، في إطار مشروع للمحافظة على سلامة الهواء والمياه، لذا يحاول حاليًا جلب عمالة لتعليمهم المهنة ومضاعفة انتاجه ومن ثم توسيع نشاطه.

"عطية" هو واحد ضمن صنايعية كثيرون في مصر، لديهم مواهب فذة ومختلفة، إلا أن إمكانياتهم قليلة، لا يجدون من يساعدهم على تأصيل حرفتهم ونشرها في المعارض وتسليط الضوء عليها، رغم جودة المنتجات التي تخرج من أصحاب الحرف والصنايعية.

واتساقًا مع ذلك، فأعلنت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، تفاصيل مبادرة "صنايعية مصر" للتدريب المهني، لدعم الحرف التقليدية والتراثية، والتي يتولى مسئوليتها صندوق التنمية الثقافية، حيث تهدف المبادرة إلى إعادة إحياء الحرف التقليدية والتراثية المصرية.

وتأهيل جيل جديد من المبدعين في هذا المجال، موضحة أن هذه المبادرة تأتي انطلاقًا من الدور الوطني الهادف لصون الهوية والحفاظ على ملامحها المتفردة، وضمن الاستراتيجية الهادفة لتحقيق محاور التنمية المستدامة.

وأكدت وزيرة الثقافة، أن الحرف التقليدية والتراثية أحد مفردات التراث الثقافي، ومن الثوابت الراسخة في الذاكرة، وتهدف لتنشئة أجيال جديدة من العاملين المهرة وبناء قاعدة إنتاجية في هذا المجال، لتصبح أساسًا لانطلاق مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر للشباب، يتم استثمار إنتاجها في فتح آفاق تجارية عالمية مبتكرة، والترويج الخارجي لمصر سياحيًا لجانب نشر قيم الجمال بين أبناء الوطن.

"معوض"، 45 عامًا، صاحب ورشة حدادة لتصنيع حدوة الأحصنة والخيل، يؤكد أن مهنته تواجه الاندثار من كل النواحي، لاسيما بعد اعتماد الأشخاص على السياراتن بعدما كان الطلب عليه دائمًا بسبب الاعتماد القديم على الحناطير والخيل كوسيلة تنقل.

يشير إلى أنه يصنع حدوة الأحصنة ويزينها بالألوان، ويضطر النزول إلى مناطق الهرم ونزلة السمان لتسويق منتجاتها، ولا يجد معارض تهتم بتلك الحرفة أو تحاول نشرها وإعادة إحيائها مرة أخرى بأي طريقة ممكنة.

يوضح أن مبادرة وزارة الثقافة ستساهم في نشر منتجات أصحاب الحرف، مشيرًا إلى أن كثير منهم يعتبرون فنانون وليسوا أصحاب حرف فقط، يحتاجون إلى فرصة لإثبات أهمية منتجاتهم والأشياء التي يصنعوها وتواجه الاندثار.

وتشمل مبادرة الثقافة مجالات "أعمال النحاس – الصدف– القشرة– الخيامية– الخزف– والحلي التراثية"، وتستهدف أبناء الوطن من سن 18 حتى 40 عام، ويمنح المتدربين بها شهادة معتمدة بعد اجتياز فترة التدريب التي تصل مدتها إلى 8 أشهر.

وتتم على مرحلتين الأولى للمبتدئين، والثانية لرفع كفاءة الحرفة، وذلك من خلال 52 ساعة دراسية شهريًا، منها 16 ساعة للدراسة النظرية، و36 ساعة للدراسة العملية والتطبيقية، على أن تضم كل دورة من 10 إلى 15 متدربًا، وتتم بمركز الفسطاط للحرف التقليدية التابع لصندوق التنمية الثقافية، على أن يكون آخر موعد لتلقي طلبات المشاركة 15 أغسطس القادم.