رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بالصور.. "الدستور" داخل المركز الوحيد لبحوث الصحراء في الشرق الأوسط

جريدة الدستور

تراه قصرًا شاهقًا يعبر عن أزمنة الفخامة والجمال، تشتم منه رائحة عبق التاريخ المشتركة بجميع القصور الملكية، بمجرد الدخول إلى ساحته ستشعر بشموخ الماضي، قد يملكك ليأخذك إلى عالم كانت به الجدران تتحدث عن جمالها، إنه ليس مركزًا للفنون أو للإبداع بل هو أحد المراكز العلمية النادرة الموجودة بمصر والشرق الأوسط "مركز بحوث الصحراء"، الذي قد لا يعرفه الكثيرون، والذي لا يمثل فقط ببنائه قامة حضارية فنية وتاريخية فقط، إلا أنه يمثل كذلك بيت الخبرة البحثي الوحيد الذي تخصص في مجال استصلاح الأراضي ودر اسة الصحراء والقائم بجميع أعمال تنميتها.

ولأنه يحمل مسئولية تطوير 96% من مساحة مصر التي تمثلها الصحراء، كان لزامًا تسليط الضوء عليه، وكشف دوره الذي قد يجهله الكثيرون بمجال تطوير الصحراء وما ينتمي إليها.. لذا قامت "الدستور" بجولة داخل أركانه بصحبة بعض من خبرائه وباحثيه.

النسخة الأصلية لكتاب "وصف مصر" منذ مائتي عام

عند الدخول إلى مقر مركز بحوث الصحراء ستجد القصر الملكي قد توسط بهو حديقة واسعة، وتضمن بداخله كل المكاتب الإدارية الخاصة بالمركز، أما بهو الحديقة فقد ضم العديد من المكتبات، منها مكتبة البرنس يوسف كمال "مؤسس المركز" التي تحتوي على إحدى النسخ الأصلية الأربعة لكتاب "وصف مصر" الذي تركه رجال الحملة الفرنسية بمصر قبل مائتي عام، وكذلك المكتبة الإلكترونية التي صممت على أحدث الإمكانيات التكنولوجية، متضمنة كل الدراسات والأبحاث الخاصة بالصحراء وعلوم البيئة.

وعلى الجانب الآخر من الحديقة تواجدت عدد من المعامل التي ضمت مجموعة من أبرز العلماء والخبراء المعنيين بتحسين سلالات النباتات الصحراوية الموجودة، والمعنية كذلك باكتشاف أنواعًا جديدة من سلالات نباتات الصحراء المقاومة للجفاف.

يوجد للمركز 13 محطة تابعة انتشرت حول الجمهورية لرصد ودراسة كل الصحاري المصرية والعربية، حسب الاتفاقات الدولية العربية المبرمة من حيث نوع التربة وطبيعة المناخ.

أقدم مركز لدراسات الصحراء على مستوى الشرق الأوسط

يعتبر مركز بحوث الصحراء هو أقدم مركز بحثي على مستوى مصر والشرق الأوسط، وثاني مركز بحثي متخصص في علوم الصحراء على مستوى العالم، ويرجع تاريخه إلى أربعينيات القرن الماضي عندما أسسه الأمير يوسف كمال، شقيق والدة الملك فاروق، لحبه الشديد للصحراء وأعمال الصيد البري، ولأهميته فقد ألحق يوسف إدارته مباشرة للديوان الملكي، إلى أن أصبح حاليًا أحد المراكز الملحقة بوزارة الزراعة التي بدورها تقوم بالإشراف عليه ومتابعته.

تعرض المركز لأعمال التخريب والسرقة وتم ضياع معدات تصل قيمتها إلى 70 مليون جنيه، بجانب تدمير بنك الجينات في الصحراء الغربية، حسبما أكد بعض خبراء المركز أثناء جولتنا، منوهًا أن عمليات السرقة لم تتم بشكل عشوائي، بل إنها تمت بشكل مقصود، حيث تمت سرقة أشياء ثمينة لا يمكن تعويضها مثل أصول جينات النباتات كما حدث بالصحراء الغربية، مما يؤكد وجود عناصر قد اندست بهذه الواقعة تنتمي لأطراف خارجية معادية لمصر".

في الوقت الذي أكد فيه خبرا ء المركز والقائمون عليه، أن المركز وكل العاملين به يحاولون التغلب على آثار هذه السرقة وعدم اعتبارها عائقًا أمام تحقيق تقدمه في بحوث وتنمية الصحراء، كما يسعى جميع فريق العمل داخل المركز إلى تعويض ما يمكن تعويضه من أبحاث ودراسات قد تمت سرقتها بإعادة إجرائها مرة أخرى.

وباستكمال جولتنا داخل المركز وجدنا أنه قد تضمن وجود أربعة شعب رئيسية تعمل جميعها على دراسة علوم الصحراء بشكل موسع، ليختص كل منها بدور محدد، فكانت الشعبة الأولى هي شعبة زراعة البيئة والأراضي الجافة التي احتوت 5 أقسام داخلية محددة الوظائف، والثانية هي شعبة الإنتاج الحيواني والداجني تلك الشعبة المختصة بدراسة كل حيوانات الصحراء كالماعز والجمال والنعام.

أما الشعبة الثالثة فهي شعبة الدراسات الإنسانية والاقتصادية، المعنية بتحديد أوجه القوة بالمشروعات التي يقوم بتنفيذها المركز، وتقييم الفرص المتاحة لنجاحها، والشعبة الأخيرة فهي "مصادر المياة والأراضي الصحراوية" التي تعد الأكبر عددًا من حيث العاملين بها، والأكثر تعددًا بأقسامها الداخلية، والتي ضمت كذلك عددًا هائلًا من خبراء الجيولوجيا وكيمياء الأراضي الصحراوية، ونخبة من أكبر علماء وباحثي علم الهيدرولوجي "المياه الجوفية".

يولي المركز اهتمامًا كبيرًا بظاهرة التصحر، والتي يحدثنا عنها الدكتور أحمد فوزي دياب، أستاذ الموارد المائية وأحد خبراء المركز، قائلًا: إن الظاهرة تعني بتعرض الأرض للتدهور في المناطق الزراعية القاحلة والجافة، مما يؤدي إلى فقدان الحياة النباتية والتنوع الحيوي بها، وبالتالي فهو يعني بالأساس، نقص الإنتاجية من المحاصيل الزراعية، وهو الأمر الناتج عن تحويل الأراضي الزراعية إلى أراض جافة أو شبة جافة وينتج عن ذلك قطع الأشجار وزيادة نسبة الملوحة بالأراضي الزراعية.

وقد أشار دياب إلى أنه من الأسباب التي تؤدي إلى زيادة نسبة التصحر  سلوكيات بعض الأشخاص في التعامل مع الموارد المائية بتلويثها وإهدارها، مشيرًا إلى أن هذا ما يحاربه المركز، حيث يعمل بشكل دائم على البحث عن المزيد من الموارد المائية البديلة واكتشاف موارد جديدة للمياه الجوفية، للقضاء على مشكلات نقص المياه والحد من خطورة تعرض البلاد للجفاف، مشيرًا إلى أنه في سبيل ذلك فقد أنشأ المركز أيضًا محطة كبرى لتحلية مياه البحر، التي تلعب دورًا هامًا في فلترة مياه البحر والمياه الجوفية المالحة لاستخدامها في أغراض الزراعة المختلفة.

الزحف العمراني أكبر مسببات التصحّر

في الوقت نفسه يشير الدكتور أحمد عبد العاطي، أحد خبراء مركز بحوث الصحراء ورئيس لجنة العلم والتكنولوجيا التابعة لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى أن أزمة الزحف العمراني ستظل هي أكثر المشكلات المؤرقة التي يواجهها المركز، والتي تؤدي إلى زيادة نسبة التصحر بصورة مرتفعة، مشيرًا إلى أنه وفقًا لأحدث التقارير العالمية فنسبة التصحر في مصر هي 1.1 فقط والتي تعد نسبة ضئيلة، إلا أنه أوضح أنها نسبة خائنة وغير معبرة عن المقدار الحقيقي للتصحر بمصر "المرتفعة للغاية"، مؤكدًا أن تلك النسبة لا تعبر سوى عن 8 ملايين فدان، وهي حجم الأراضي الزراعية من إجمالي مساحة مصر 100 مليون فدان، فالنسبة الحقيقية تزيد عن ذلك كثيرًا، وذلك على الرغم من ثباتها وعدم زيادتها والذي يعد مؤشرًا إيجابيًا، مرجعًا هذا إلى جهود المركز المبذولة في مكافحة التصحر.

وفقاً لتقارير الأمم المتحدة؛ تهدد مخاطر التصحر أكثر من مليار شخص في حوالي 100 دولة، وهم من أشد الناس فقراً وتهميشًا، كما أن الذين يعيشون بأكثر المناطق ضعفًا، هم الأكثر تضررًا من التصحر.

نسعى دائمًا لحل مشكلات البدو وساكني الصحراء

ويتابع "عبد العاطي"، أن محور عمل مركز بحوث الصحراء يرتكز على حل مشكلات البدو في التعامل مع بيئتهم الصحراوية، من خلال العمل على زيادة إنتاج هذه البيئة بكل مكوناتها من نباتات وحيوانات، مؤكدًا أن المركز يعمل على تهجين الحيوانات الصحراوية كالماعز لزيادة إنتاجها من اللحوم والألبان، ويسعى كذلك إلى زيادة إنتاجية النباتات العطرية والطبية النادرة بالصحاري، والتي تتلاءم مع طبيعة ندرة المياه بهذه المناطق، مشيرًا إلى أنّ المركز يقوم بمكافحة الأمراض المستوطنة بالصحراء، بالإضافة إلى قيامه ببعض الأنشطة الخدمية الجانبية لخدمة أهل الصحاري كمدارس الفصل الواحد وغيرها.

يولي المركز اهتمامًا كبيرًا بمشروع تنمية الساحل الشمالي، من خلال تنمية المراعي به عن طريق زيادة إنتاجية وحدة المساحة والمياه وزيادة القيمة المضافة للإنتاج من الثروة الحيوانية بهذه المنطقة، والتي تقدر بـ600 ألف رأس ماشية.

كما استحدث المركز نبات الكينوا الأرجنتيني الملائم لطبيعة الصحراء في ظل تحديات الموارد المائية وندرتها، وتمت زراعته بمنطقة سهل الطين ولاقى الأمر نجاحًا ملحوظًا بين سكان المنطقة لارتفاع قيمته الغذائية.

5 سنوات متتالية ومصر رئيسة اتفاقية التصحر

وعن النجاحات الدولية التي حققها المركز خلال الفترة الأخيرة، فقد أشار عبد العاطي إلى أنه نجح على مدار السنوات الخمس الماضية في ترؤس مصر لاتفاقية التصحر والتنوع البيولوجي بجامعه الدول العربية، بإجماع كل الدول العربية المشاركة، ما يدل على الجهود التي بذلها في إطار تنظيم هذة الاتفاقية، بالتعاون مع جامعة الدول العربية في هذا المجال.

وأثناء جولتنا داخل المركز وجدنا أنه لم يخل من وجود بعض الكوادر الشبابية والمدرّبة من الباحثين، الذين اتخذوا المركز مصدرًا من مصادر تنمية خبراتهم في التعامل مع الصحراء وعلومها.

من بين تلك الكوادر إيمان محمد السيد، الطالبة بالماجستير التي ركّزت في دراسة الجدوى الاقتصادية لإنشاء وحدة البيوجاز من المخلفات العضوية لإنتاج الطاقة، بمساعدة أساتذة المركز وخبرائه، مؤكدة أنّ وحدات البيوجاز إذا تم التوسع بإنشائها سيُمكن بذلك التخلص من المخلفات وإنتاج الطاقة اللازمة لتشغيل المحركات بكميات وفيرة، وفي الوقت نفسه سيتم إيجاد أنواع من السماد من شأنها زيادة معدلات إنتاج المحاصيل الزراعية بصورة كبيرة تتفوق في فاعليتها وسلامتها على السماد الطبيعي، وهو ما يتفق مع أهداف مركز بحوث الصحراء التي يسعى إليها دائمًا.