رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يونيو العظيمة.. أم الثورات


لا أظن أن أحدًا من الشعب المصرى كان مع الإخوان مؤيدًا أو ناصرًا أو داعمًا، اللهم إلا هم أنفسهم ودوائرهم الضيقة فقط لا غير، أما كل طوائف الشعب وطبقاته فقد أجمعت أمرها على الوقوف ضدهم، وقد ظهر هذا أثناء ثورة يونيو العظيمة، تلك الثورة التى سيخلدها التاريخ، ولكن الإخوان قوم لا يفقهون، لأنهم لا يسمعون إلا أنفسهم ولا يرون إلا أنفسهم، ولذلك لن يعترف أحدٌ منهم بأنهم كانوا أسوأ حاكم لأعظم شعب.
وقفوا فى حكمهم ضد الجميع، وكان هدفهم هو الحكم بما أنزل الإخوان! لن يعترف أحد منهم بأنهم محدودون أغبياء لا يصلحون لحكم البلاد، فالغبى لا يرى نفسه غبيًا، والأحمق يرى نفسه حكيمًا، والغافل يفخر بأنه يقظ منتبه، كانت شيفونية الإخوان عنصرية بغيضة، يرون أنفسهم الأنقى والأتقى، ويرون غيرهم فى ضلال مبين، ومع ذلك دعونا من عنصريتهم فهكذا سيظلون، ولا يعنينا أن يفيقوا، فشارب الخمر آناء الليل وأطراف النهار لا يمكن أن يفيق أبدًا، وهم شربوا خمر الجهالة والغفلة فكيف يفيقون؟! رأيناهم حين حكموا وهم يبدأون أولا باستهداف القضاة، ثم استهداف المثقفين والفنانين والأدباء، ثم سعوا إلى مصادرة الإعلام، فاستهدفوا مدينة الإنتاج الإعلامى وحاصروها، وسيطروا على ماسبيرو، ولا تزال فلولهم تعبث فى الإعلام المصرى إلى الآن، المهم أن الحاكم الإخوانى استهدف الجميع، وجعل من ميليشياته جهازًا أمنيًا خاصًا بهم، وفى رحلة حكمه أراد أن يغير من خريطة وزارة الداخلية وحاول الوصول إلى أخطر الملفات الأمنية لدى الوزارة، والذى لا يعرفه أحد ولا يزال فى أقبية السرية إلى الآن هو أن الإخوان كانوا قد وضعوا خطة لتصفية جهاز الأمن الوطنى كله وتوزيع اختصاصاته على المباحث الجنائية، كانوا سيفعلون ذلك إذا فشلت ثورة الثلاثين من يونيو، لا قدر الله، وكانوا سيدعون حاكم قطر تميم بن حمد، وحاكم تركيا أردوغان ليحضرا مع آخرين احتفالًا ضخمًا فى مقر الأمن الوطنى بمدينة نصر يعلنون فيه إنهاء خدمة هذا الجهاز بأكمله.
وكانت الترتيبات تسير فى اتجاه أنهم إذا نجحوا فى هذا الإنهاء فإنهم سينشئون جهازًا أمنيًا يطلقون عليه: «جهاز أمن الثورة» وستكون له سلطات كبيرة تجعله بديلًا للأمن الوطنى، وقد وضعوا تقسيمات هذا الجهاز على نمط جهاز «السافاما» الإيرانى، وهو غير جهاز السافاك، حيث أنشأ رضا بهلوى جهاز السافاما ليكون عينًا له على كبار رجال الدولة إلى أن قامت ثورة الخمينى، فاستنسخ الخمينى ورفاقه طريقة الجهازين «السافاك والسافاما»، وأنشأوا على غرارهما «الحرس الثورى الإيرانى» وكانت مهمته هى الحفاظ على الحكم الشيعى فى البلاد، وعندما جلس خيرت الشاطر مع رئيس الحرس الثورى الإيرانى، وكانت الجلسة فى بيت الشاطر بالتجمع الخامس، أوحى له الإيرانى بفكرة «جهاز حماية الثورة»، على أن تكون أهدافه الحقيقية هى حماية حكم الإخوان لمصر، على أن تتضمن وثيقة إنشاء هذا الجهاز بندًا ينص على أن أحد أهداف الجهاز هو حماية «حكم الإسلام»! وحماية الثورة من أعداء الثورة! وشاء الله سبحانه أن تفشل كل مخططات الإخوان، وكان فشلهم على يد الشعب المصرى فى ثورة يونيو العظيمة، منقذًا مصر من عواقب كان من الاستحالة دفعها أو تداركها.
أما مخططهم ضد الثقافة، وضد الإعلام فقد كان مكشوفًا سخيفًا، دفعوا بصبى من صبيانهم هو صلاح عبدالمقصود لكى يكون وزيرًا للإعلام، وصلاح هذا كان قليل الثقافة، محدود الإمكانيات، ضعيف العقل، أقول هذا وقد كنت شاهدًا على مستواه وضعف شخصيته، وما كان ينجح سابقا فى انتخابات الصحفيين إلا بسبب التحالفات والكتلة التصويتية، وذلك النفاق الذى كانت تمارسه الأطياف السياسية مع الإخوان طمعًا ورهبًا، وحينما سيطر ذلك الصبى على ماسبيرو وضع رجاله وحريمه على سدة أخطر جهاز إعلامى بالبلاد، كنت تجدهم يمرحون فى الإذاعة وينشرون خيوطهم كالعنكبوت فى التليفزيون، ولا يزال ماسبيرو تتوجع منهم إلى الآن، ولا أحد لسبب لا أعلمه يستطيع مواجهتهم، وفى سنة حكمهم الكئيبة أصبح ماسبيرو فى ذمة التاريخ، فقد كان فيه قبلهم رمق حياة، فقضوا على رمقه الأخير، وما زلنا إلى الآن نضخ فيه الأوكسجين لينبض قلبه من جديد، وكانت كارثة الكوارث رغبتهم فى القضاء على وزارة الثقافة.
والغريب أن الإخوان الذين قاموا بتعيين واحد من الخاملين منهم وزيرًا للثقافة كانوا يستهدفون هدم تلك المؤسسة النابضة العريقة، وكانت المعادلة غريبة، الإخوان أعداء الثقافة يسعون وراء وزارة الثقافة، ومن الأسرار التى لا تزال مخفية فى الأقبية والسراديب مخططهم بالنسبة للثقافة، فقد وضعوا الوزير، الذى رفضه المثقفون، لكى يقوم بتحويل قصور الثقافة فى مصر إلى مراكز إخوانية، يتم فيها تدريس كتب سيد قطب ورسائل حسن البنا، وكتب القرضاوى ومصطفى مشهور وغيرهم، وكانوا قد طبعوا بالفعل آلاف النسخ من كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب ووضعوا عليها شعار وزارة الثقافة، ولكن ثورة يونيو أفسدت مخططهم، ومن مخططهم الذى أنشره لأول مرة أنهم وضعوا خطة لتحويل مسارح الدولة إلى مسارح تعرض مسرحيات تنشر فكر الإخوان، وعهدوا لبعض الشعراء والكتاب منهم بالبدء فى إعداد تلك المسرحيات، واتفقوا مع منشد دينى إخوانى من لبنان على أن يقود الأوبرا المصرية إلى عالم الأغانى والأناشيد الإسلامية، وكانت خطتهم تلك تحت مسمى «أسلمة المسارح والأوبرا» ولكن الله أنقذ مصر من تسلطهم، ولعل الوقت أصبح الآن مناسبًا لكى تعرض أجهزة الدولة على الناس كل خطط الإخوان التى كانت ترمى لأخونة مصر كلها.
فعل الإخوان كل ما سلف، فجمعوا الغباء مع الجنون مع الإجرام مع الخيانة، وزادوا على ذلك بأن قالوا: إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، يا صلاة النبى أحسن! انقلاب عسكرى؟! هل تعرفون معنى الانقلاب العسكرى؟ إنهم يعرفون ولكنهم يكابرون، ولكن لماذا ادعى الإخوان ذلك وهم يعرفون أنهم كاذبون أفاقون مخادعون؟ ادعوا ذلك حتى يثيروا الغرب وأمريكا على الشعب المصرى، ادعوا ذلك لسلب الشرعية من الشعب وتسليمها للأمريكان، ادعوا ذلك أملًا منهم فى العودة لحكم شعب يكرههم ويمقت أيامهم وأفعالهم وأشخاصهم الكئيبة الفظة الغليظة، لا يهمهم أن يقبلهم الشعب، ولكن الذى يهمهم هو أن يقبلهم ساداتهم، ولأنهم يعرفون أن الشعب لن يثق فيهم مرة أخرى فإنهم يبحثون عمن يفرضهم على الشعب، والآن يزعمون أن كتلة يونيو الصلبة قد تفككت فى السنوات الأخيرة، ولكنهم لا يعرفون أن كتلة يونيو لا يمكن أن تتفكك لأنها الشعب، الذى صنع يونيو هو الشعب، والذى سهر على حمايته هو الجيش، والذى سانده وآزره هو الشرطة، هذه هى كتلة يونيو الصلبة.