رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شُوفِينيَّة غَوْغَاء التَّوَاصُل الاجْتمَاعِيِّ



مفهوم أن تكون هناك مستويات متعددة ومتباينة في التعبير عن غيرة وحب الوطن، ومفهوم أيضًا أن تكون هناك مستويات متباينة في القوام الأخلاقي للشخص والجماعة، ولكن طبيعي أيضا أن يكون هناك نسق موضوعي ورؤية عامة واضحة للمشهد محل النقاش.

ولقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي غرفًا مغلقة تتشكّل على حساب الرأى الواحد، وهذا يكشف كيف ينقسم مستخدمو مواقع التواصل إلى مجموعات تضم الأشخاص المتشابهين فكريًّا وأخلاقيا، فتكون آراؤهم صدى لآراء بعضهم البعض وتلغي الآراء المضادة، وبالتالي بدلاً من تلاقي الأفكار نجد الاستقطاب والتنافر.

قد تحدث كل يوم معركة جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي -من أهمها فيسبوك وتويتر- وتتبدل الأفكار على نحو سريع جدًّا بين المؤيدين والمعارضين، ويؤثر هذا التفاعل على الرأي العام في مختلف المجالات والمجتمعات، وقد يتجاوز الصراع على تلك المواقع حدود المعقول، فمن الممكن أن تظهر الاختلافات داخل المعسكر الفكري والسياسي الواحد- "المؤيد" مثلًا!.

ومع كل موقف يلامس الشأن العام السياسي، يظهر سباق من المناظرات والتحليلات والتفسيرات والرؤى، أو الأطروحات اللولبية من أفكار ووجهات نظر وتوقعات، وعلى الرغم من أن أغلبها يكون مجرد رأي ليس له أي أساس معرفي أو علمي، فإنه في حالة عدم اقتناعك وعدم تأييدك المطلق والاعتراف به، يكون مصيرك التخوين والعزل الاجتماعي والطرد الإلكتروني!

وعلى المستوى السياسي تحديدا، أتصور أننا لا نحتاج هذا الصراع حول التعبير عن حب الوطن، ولا المزايدة عليه، فتركيبة الحياة السياسية ومنطقها من حولنا بسيطان وغير معقَّدَيْن وواضحان وضوح الشمس، من ناحية نظام الحكم وتاريخه وخلفيته، وحتى أجهزة الدولة وهيكلها التنظيمي، ودورهم المهم والمؤثر على المستويين العربي والإفريقي، وأيضًا في مواجهة جماعة إرهابية تستخدم لغة السلاح والحوادث الإرهابية بسبب انهيار مشروعها السياسي والاقتصادي، لأنها لا تمتلك مشروعًا اقتصاديًّا أو سياسيًّا وطنيًّا في الأصل، فالمناطق التي وصل فيها أعضاء منها إلى سدة الحكم في بلاد عربية مماثلة نجد بها معارضين –وبشدة- لوجود نظام الجماعات الدينية، لأن تلك الشعوب جربت حكم الجماعة بالفعل، وذاقت مرارته، فالإخوان أينما وصلوا إلى الحكم مارسوا سياسة الإقصاء ورفض الآخر، بجانب أنه من الطبيعي ألّا يكون رأس الدولة ومؤسساتها تابعة لحكم خارجي دولي.

"المعرفة والوعي" كلمة السر في نهضة الأمم، فكلما زاد اهتمامُ المجتمع بالتعليم ورفع مستواه، زادت درجة نموه ونهضته وتقدمه؛ فبناء الوعي ليس فقط عملية تقوم بها المؤسسات الحكومية في الدول المتقدمة، ولكنها نتاج تفاعل كلٍّ من المؤسسات الأهم في المجتمع، الدينية والإعلامية والأكاديمية، التي يخرج منها أكبرُ علماء الوطن في المجالات كافَّة، والتي لها السيادةُ والزعامة على العقل البشري كله نتيجةً لاهتمامها بسلوك وحاجات البشر، وما وصلنا إليه الآن نتيجة متوَقَّعَة لإهمالنا المعرفة والثقافة والعلوم، وإغفالنا للدَّور الذي يمكن أن يقوم به ذلك العنصر المهم في بناء المجتمعات ونهضتها، واهتمامنا بالقضايا الوطنية والتعبير عن المواقف الوطنية فقط.

بناء الوعي والوطنية وجهان لعملة واحدة، ينتج عنهما الشعب الواعي والخلوق والراقي، وفي أخلاقيات بناء الأوطان تكون المصلحة العامة والعليا لتحقيق شؤون الشعوب ومستقبلها، وهو الهدف الأساسي بل جوهر الدور السياسي للنظم الحاكمة.