رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إدمان مُصرح به».. وقائع خاصة لـ«مدمني المُسكنات» تحولت حياتهم إلى جحيم

جريدة الدستور

منذ عامين، تعرضت أسماء، 30 عامًا، موظفة حكومية، لحادث "توك توك"، ونقلت إلى أقرب مستشفى، وعقب الكشف واجراء الفحوصات الطبية، تبين إصابتها بكسر مضاعف في منطقة الحوض، الأمر الذي تطلب تدخل جراحي على الفور؛ لتركيب "مفصل".

تقول أسماء: "كنت خائفة من إجراء الجراحة العظمية؛ بسبب ما أسمعه من الناس عن آلام الجراحات العظمية، وآلام العظام بشكل عام، ولكن لم يكن هناك بديل آخر لها، فتم تحديد ميعاد لإجرائها، وحدث ما كنت أخشاه، كانت آلام ما بعد الجراحة العظمية شديدة جدًا، ويصعب تحملها".

لم تكن تستطيع السيدة النوم ليلًا سوى بتناول المسكنات وتحديدًا أقوى الأنواع منها، فكان الآلم لا يهدأ أبدًا، فقدت القدرة على تحمله بحسب وصفها، مشيرة إلى أنها لم يكن أمامها حل سوى تناول المسكنات لتخفيف حدة الآلم.

تضيف: "تطور الأمر وأدمنت هذه المسكنات، ولم يعد بإمكاني النوم وممارسة الحياة بشكل طبيعي من دون المسكنات، رغم التحذيرات العديدة من الطبيب الذي يعالجني، ولكن أدركت خطورة الأمر عندما بدأت أعاني من مشاكل في الكلى.

أسماء هي واحدة ضمن كثيرون أدمنوا تناول المسكنات والمضادات مع كل ألم بسيط يشعرون به، لعدم قدرتهم على تحمله، ما أدى إلى إصابتهم بما يعرف بـ"العدوى المقامة للأدوية"، أي أن الجسد فقط مناعته الفطرية، والقدرة على مكافحة الأمراض والميكروبات، حتى أصبحت المضادات الحيوية والمسكنات لا تسكن الآلام، بعدما تعودت عليها أجسادهم، بحسب وقائع وحكايات لمرضى تعرضوا لذلك.

يطلق على قدرة الميكروبات على النجاة من الأدوية المستخدمة ضدها تسمية "مقاوَمة مضادات الميكروبات"، وفي حال كان مسبّب المرض بكتيريا، والذي تعتبر المضادات الحيوية الأدوية الأكثر أهمية والأكثر استخدامًا لعلاجه، عندها نتحدث عن "مقاومة المضادات الحيوية".

وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود، فقد تشكل "مقاومة المضادات الحيوية" أزمة على مستوى الصحة في العالم، إذ من شأنها أن تجعل من الجروح أو الأمراض التي يسهل علاجها أمراضًا فتاكة.

أشارت المنظمة إلى أن البكتيريا والفيروسات وغيرها من الميكروبات، تقوم بالتغيير والتطور بشكل مستمر لتضمن بقاءها، وتكيَّف بعضها بدرجة كبيرة مع العلاج الطبي، فلم تعد الأدوية التي تستخدم عادة للوقاية منها أو قتلها تجدي نفعًا، وهذا ما يسبّب "العدوى المقاوِمة للأدوية".

سما عمر، 32 عامًا، رزقت بثلاث توأم منذ 6 سنوات، ولاختلاف مواعيد نومهم وبكائهم المستمر لم تكن تستطيع النوم لأكثر من عشرين ساعة متواصلة، ومع الوقت اضطرت إلى تناول أقراص منشطة تعينها على اليقظة أطول فترة ممكنة.

تذكر "سما" أنه بعد مرور ثلاث أسابيع، لم تكن تقوى على أن تفتح عينها دون أن تتناول أحد تلك الأقراص، والتي اعتادت عليها حتى أصبحت غير كافية، لم يمض سبعة أشهر وأصبحت تعاني من صداع نصفي مستمر، ونصحتها أحد اصدقائها بشراء أقراص اميجران الذي يعالج الصداع النصفي، وبات هو الأخر غير كاف.

تقول سما: "الترامادول كان الخطوة التالية، وحينها لم يكن ذائع صيته كمخدر، إذ عرفته كمسكن قوي يتعاطاه مرضى الأورام والفشل الكلوي، أول مرة اشتريته كان من مساعد صيدلي في منطقة دار السلام ولم يتعدى سعره عشرة جنيه، بالفعل ارتحت عليه، لكن بدأت تظهر أعراض الإدمان، والتي لاحظتها شقيقتي بشكل واضح؛ نظرًا لـنها تعمل في أحد معامل الإدمان وتعاملت مع عدد كبير منهم".

وتابعت سما: "بدأ الحصول على الترامدول أمر صعب؛ لأنه أُدرج على قائمة جدول المخدرات، أصبحت أتناول شريط كامل من دواء "النيو مجيران" على جرعة واحدة، اصطحبتها أختها إلى طبيب مخ وأعصاب والذي نصحني بالتوجه إلى مصحات علاج الإدمان، رفضت في البداية حتى لا يعلم زوجي، لكن بعد ما وصل اليه الأمر، رضخت لتعليمات الطبيب، وقبعت داخل مركز للعلاج في السادس من أكتوبر لثلاث أشهر".

"بعد انهاء فترة العلاج وخروجي من المصحة لم تنته أثار المسكنات من جسدي، ولكن صاحبها اضطرابات في وظائف الكلى"، بحسب سما.

وفقًا لتقرير أعدته منظمة الصحة العالمية، بشأن مقاومة مضادات الميكروبات، فأن الأمراض المقاومة للأدوية تتسبب في وفاة ما لا يقل عن 700 ألف حالة وفاة في العالم سنويًا، فيما تحصد مقاومة مضادات الميكروبات أرواح نحو 2.4 مليون شخص في البلدان المرتفعة الدخل بين 2015 -2050 إذا لم تُبذل جهود مستدامة لاحتوائها.

يقول الدكتور أشرف هنداوي، استشارى أمراض الكلى والمسالك البولية بجامعة القاهرة، أن هناك 5 أسباب لانتشار الفشل الكلوي بين الشباب، لعل أبرزها إدمان المسكنات، وهي ظاهرة منتشرة عند الجنسين ومن سن صغير.

يضيف: "يحدث ذلك بسبب استسهال الأباء والأمهات إعطاء الأطفال المسكنات بدلًا من اصطحابهم للطبيب، وتناول العلاج المناسب، ما يؤدي أحيانًا إلى الإصابة بالفشل الكلوي في مدة تتراوح من 10 إلى 15 عامًا".

يذكر، أنه في المؤتمر العلمي للجمعية المصرية لدراسة الكبد الدهني، جاء أن هناك 2000 حالة فشل كبدى حاد سنويًا، منها 50% من الحالات تحدث بسبب الأدوية وفقًا للإحصائيات الأمريكية، أخطرهم عقار الباراسيتامول الذي يحدث بمفرده 39% من هذه الإصابات خاصة أنه يمكن الحصول عليه في أمريكا دون الحاجة إلى وصفات طبية.