رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المذكرات غير المنشورة لـ"مؤسس صوت العرب" "8"

نهرو أول من أعلنه عبدالناصر بقرار تأميم القناة

جريدة الدستور

كان تشجيع الزعيم جمال عبدالناصر لأحمد سعيد وحمايته التى وفرها له لفترة طويلة من الواشين والحاقدين، أكبر الأثر فى تألقه وانطلاقه، ليحقق شهرة لم يحظ بها مذيع عربى قبله أو بعده، حتى أن مجلة "هاربر" البحثية الأمريكية كتبت: "إن أحمد سعيد قد يكون أكثر الإذاعيين تأثيرا فى العالم بسبب صوته المحبب وقدرته على مخاطبة الجماهير".

وكان عبدالناصر كلما حقق أحمد سعيد نجاحا كان يشعر أنه نجاح شخصى له، أوعلى حد تعبيره له: "كل ما انت تكبر أنا باكبر"، ولكن كيف كانت نظرة أحمد سعيد لهذا التكريم من رئيس الدولة؟، يقول: "لم يكن تشجيع عبدالناصر لى إلا لأنه كبير، والكبير يختار مساعدينه من الكبار أيضا، لذلك لم يكن غريبا أن تبعث المخابرات بتقارير شبه يومية عن نجاحاتك مكتوب فيها أحيانا بخط زكريا محيي الدين، مؤسس جهاز المخابرات بعد الثورة، عبارات تحية لى، ما هو انت جزء من كل، وانت لما تنجح ينجحوا، تفشل يفشلوا، لذلك كان صلاح سالم مثل عبدالناصر فى هذه المسألة، كان يفرح جدا، فهو الذى جائنى وهو وزير للإرشاد - الإعلام فيما بعد- وقال لى: "الراديو فى اليمن اسمه صندوق أحمد سعيد"، ما ينفعش تذيع ساعتين، لازم تزودهم. ولما قلت له ماعندناش محطات إرسال وما عنديش موظفين، قال: "يعنى إيه، نقى اللى يعجبك خده".

فاقترحت نختار من خريجى الجامعات، فقال لى: موش وقته، اختار من اللى موجودين فى المحطات التانية -راجل فاهم هو بيعمل إيه وبيكبر مين علشان هو يكبر، فقد كانت فى صلاح سالم خواص البطل، لكنه كان انفعالى، بعكس ناصر الذى كان أهدأ وأثبت- يضيف أحمد سعيد: شكوت لصلاح سالم إن ميزانيتى فى "صوت العرب" تحتاج إلى دعم، لأنى أقدم هدايا لمضيفى الطائرات العربية القادمة من العواصم العربية، نظير إحضارهم للصحف العربية معهم حتى أستعين بها فى تعليقاتى، فقال لى: خذ من المخابرات، فلديهم أموال للإنفاق، لا تسمح بها ميزانية الوزارة، فقلت له: يا فندم.. اصرف لى من الوزارة بشكل رسمى، فلست أريد تقاضى أى أموال من المخابرات. ولما قابلنى زكريا محيى الدين قال لى: لماذا لا تريد أن تأخذ أموالا من المخابرات، هل هى أموال حرام؟، فقلت له: إننى لا أريد أن يقال عنى إننى عميل، فقال: هل هذه تهمة.. أن تتعامل مع مخابرات بلدك، قلت: يا فندم إننى أتعامل معكم وأجند السياسيين العرب لخدمة قضايانا، فقال: إذن لماذا لا تريد أن تتقاضى أموالنا؟ قلت: يا فندم أنتم عسكريين.. حضرتك مسدسك فى جيبك، أما أنا فمدنى أروح معاكم فين؟ فقال ضاحكا وكان نادرا ما يضحك: أنت عارف حدودك، وواخد بالك من نفسك".

سألت أحمد سعيد عن طبيعة تعامله مع وزراء الإعلام الآخرين؟ فقال: "كان د.عبدالقادر رجلا طيبا، ولم نشعر خلال العمل معه بأى مشكلة، وكنت على اتصال به، ولكن "صوت العرب" كان مستقلا عن وزارة الإعلام، اتصالنا المباشر كان مع المخابرات التى كانت تتابع وتقيم ردود الأفعال على "صوت العرب" فى المنطقة العربية المستهدفة من إنشائه، وقد بدأ د.حاتم عمله فى المخابرات وهو برتبة صاغ، ويرأسه بكباشى لم يكن أقدم منه سوى بأربعة أشهر، ومع ذلك كان حاتم ذو الرتبة الأعلى يقول لرئيسه ذو الرتبة الأقل: يا فندم. ولهذا اندهشت وسألت فتحى الديب مسئول الشئون العربية بالمخابرات عن هذا الوضع الغريب، فقال لى الرتب غير مهمة فى المخابرات، والمفترض أن يلبس الجميع ملابس مدنية، فالعمل هنا هو المهم وليس الرتبة، أعود بك إلى عمل د.حاتم، كان يقص المعلومات من الصحف، عمله فقط قصاصات الصحف، وهذا يعطيك فكرة إن المسئول الإعلامى يجب أن يكون فاهما، صفوت الشريف مثلا كنت ممن أعطيه محاضرات فى البعد القومى العربى، وبعد أن صار وزيرا طلب منى وأنا خارج الخدمة، أن أضع له خطة لمواجهة قناة "الجزيرة" أثناء سطوتها، وبالفعل كتبت له خطة عمل، أرسلتها له مع ابنى خالد، واشترطت عليه أن يدخل من باب الوزير، وكان مضمون هذه الخطة اقتراح دعم برنامج "رئيس التحرير" الذى كان يقدمه حمدى قنديل، واقتراحات ببرامج أخرى أكثر جرأة، مع إعطاء هذه البرامج مساحة أكبر من الحرية، ولكن يبدو أن ذلك كان فوق طاقة الوزير، فتوقف برنامج حمدى قنديل، وعندما طلبت من صفوت الشريف أن يعطينى نسخة من شريط تسجيل قديم بصوتى فى "صوت العرب" ماطلنى، وحصلت عليه من حبايبنا فى الإذاعة، وبعثت له أشكره على الشريط، فقال إنه لم يرسل لى شيئا!.

ويضيف أحمد سعيد: ولما جاء محمد فائق وزيرا للإعلام كان ذلك رغبة من على صبرى، فهو - أى فائق- متزوج من بنت أخت على صبرى، وكان فائق ممن حاضرتهم فى المخابرات، وكان مسئولا عن الشئون الأفريقية بها، وحينما جاء وزيرا اجتمع بنا وطلب أن يكون هناك اجتماع يومى الساعة العاشرة صباحا لوضع خطة العمل اليومى، واجتماع دورى للإضافة والتطوير طبقا لما تمليه الظروف، فأردت أن أتحرر منذ البداية من هذه القيود التى سوف تؤثر على حركتى، فقلت له: إننى لا أستطيع أن أحضر اجتماعا لمدة ساعة ثم أواصل العمل حتى ساعات الليل المتأخرة، فاقترح على خشبة وكان وكيلا للوزارة أن يكون الاجتماع الحادية عشرة بدلا من العاشرة، فقلت: سأرى حسب ظروفى. فكنت أحضر ربع ساعة ثم أقوم لممارسة عملى، لقد تعودت من عبدالناصر أن أمارس عملى بلا قيود، وكان يقول: "حاسبوه على النتائج". وهذا ما أدركه أمين هويدى حينما جاء وزيرا للإعلام، اجتمع بنا وقال: أنا لا أفهم فى الإعلام، وأنتم ناجحون، لا أريد أن أرى أحدا منكم إلا إذا كانت له مشكلة مع وزارة من الوزارات أو جهة من الجهات، لأحلها، وطالما أن تقارير المخابرات تؤكد نجاح "صوت العرب"، فأنتم فى حالكم وأنا فى حالى، أما إذا كانت النتائج دون المستوى، هنا فقط سأحاسبكم".
ولكن الوزير الوحيد الذى كانت له سلطة وتدخل فى عمل "صوت العرب" كان صلاح سالم لأنه عضو مجلس قيادة مجلس الثورة، أما من جاءوا بعده، فلم يتدخل أحد منهم فى عمل "صوت العرب".

قلت لأحمد سعيد: كان عبدالناصر يتابع أداءك ويقومه أحيانا إذا اقتضى الأمر.. فكيف كان يتابع أداء وزرائه والمسئولين؟ فأجابنى: "حدث أن صلاح سالم اتخذ قرارا بشأن " صوت العرب" لم يعجب عبدالناصر، حينما حاولنا أن نستميل شعب سلطنة عمان للثورة قبل استقلاله، وكان المذهب الأباضى هو السائد، وهو مذهب يرجع لـ"أباض" أحد الخوارج على سيدنا على بن أبى طالب، ولكى نستميل الشعب العمانى كان لابد أن نخاطبهم من خلال مشاعرهم الدينية، فثار الأزهر وقدم عرائض احتجاج، لأنه لا يعترف بالمذهب الأباضى، وطلب صلاح سالم أن نتوقف، ولكنه تعرض للوم من عبدالناصر، لأن الثوار فى عمان اعتقدوا أن مصر قد تخلت عنهم وباعتهم، فعدنا لنؤيد ثورة الشعب العمانى، الذى نجح فى اقتناص قافلة إنجليزية بها 250 عسكرى إنجليزىتم ذبحهم جميعا بيد الثوار، مما جعل إيدن رئيس الحكومة البريطانى يقف فى مجلس النواب معلنا أن مجلس الوزراء الإنجليزى قد قرر ضرب مسقط عاصمة عمان بالطائرات، مما جعل أحد النواب المتعصبين يطالب بإزالة مسقط من الخريطة، وقال: إذا كان رئيس الوزراء لا يذكر السبب، فإننى أذكر السبب، فقد ذبح العمانيون 250 من جنودنا الشرفاء!.

وعندما غضب فتحى الديب مع الثوار الجزائريين، قرروا مغادرة مصر، فأراد اعتقالهم، ولكن عبدالناصر رأى ترك الحرية لهم، بل زيادة مساعدته للثورة الجزائرية، وقمت بتوصيل بعض هؤلاء الثوار إلى المطار، وبعد أن قضوا أربعة أشهر فى تونس، عادوا إلى مصر مرة أخرى.

وحينما أقامت شركة "أمريكان إكسبريس" فندق هيلتون وقامت بتشغيله، عرضت على الحكومة المصرية أن تتولى إدارة السياحة فى مصر مقابل مبلغ ثابت يتفق عليه، يعطى لمصر سنويا، مع وضع ضمانات بعدم تأثر هذا الاتفاق بأى تقلبات فى العلاقات المصرية الأمريكية، ولكن عبدالناصر رفض احتكار الشركة الأمريكية للسياحة المصرية المصرية، لأن هذا كان معناه سيطرتها على كل مرافق السياحة بطول مصر وعرضها.

ودعما للصناعة المصرية أرسل عبدالناصر وزير الصناعة عزيز صدقى للتعاقد على شراء مصانع لمصر من الاتحاد السوفييتى، فعاد فى الفجر غاضبا لأنهم أرادوا إعطاءه مصانع قديمة، واستقبله عبدالناصر فى العاشرة من صباح يوم عودته، وسأله: "هل لدينا أموال كافية لشراء مصانع جديدة؟ فنفى له ذلك، فقال له عبدالناصر: مادامت ليست لدينا القدرة فلماذا لا نحصل على المصانع القديمة إلى جانب ما لدينا من مصانع جديدة، لكى تدور عجلة الانتاج". وعاد عزيز صدقى مرة أخرى إلى موسكو معتذرا، وتعاقد على شراء 12 مصنع قديم.

قلت: كان عبدالناصر رغم معاركه الخارجية التى كانت تستنزف وقته وجهده وصحته إلا أنه كان حريصا فى نفس الوقت على أن تدور عجلة الإنتاج والتنمية بنفس القوة. وعقب أحمد سعيد قائلا: ولذلك حرص الاستعمار وأعوانه ألا يسمحوا لمصر أن تستعيد قوتها وتنميتها، ولذلك خرج بن جوريون - مؤسس إسرائيل- من عزلته وعاد للعمل السياسى بانقلاب فى إسرائيل، وتدخل لدى أمريكا لوقف تمويل السد العالى الذى كان يعنى بالنسبة لإسرائيل تقوية لمصر وتنمية لها من خلال زيادة مساحة الأرض المزروعة، وضخ الكهرباء لتشغيل المصانع، ولذلك استجابت أمريكا لإسرائيل وأعلنت تراجعها بوقاحة عن تمويل السد العالى، بحجة أن مصر مفلسة ولن تستطيع تسديد ديونها، وكان عبدالناصر أثناء إعلان أمريكا لقرارها، فى طريق عودته إلى القاهرة بصحبة نهرو رئيس وزراء الهند، بعد اجتماعهما بالرئيس اليوغسلافى تيتو، فاستشار عبدالناصر، نهرو الذى نصحه أن يرد ردا مدويا وبحكمة، ولذلك كان نهرو هو الوحيد من الزعماء الأجانب الذى أعلنه عبدالناصر بقراره تأميم القناة قبل أن يعلنه.

كما أن عبدالناصر لم يعلن أحدا بقراره إلا قبل يوم واحد من خطبته فى 26 يوليو والذى أعلن فيه قراره التاريخى بتأميم القناة، وهو ما أحنق إيدن رئيس الحكومة البريطانية، وجعله يذهب إلى الرئيس الأمريكى أيزنهاور لمحاولة منع عبدالناصر من ابتلاع قناة السويس وقال له: "علينا أن نعمل لكى يتقيأ عبدالناصر القناة"!.

قلت: كانت لدى عبدالناصر إرادة الرد القوى على التحدى الخارجى فهل هذه الإرادة كانت موجودة أيضا على المستوى الداخلى؟. قال أحمد سعيد: سأذكر لك واقعتين.. حصلت خلافات بين قبيلتى العرب وهوارة فى الصعيد، مما أدى إلى التقاتل فيما بينهما، ولما تدخلت الشرطة قتل ضابط شرطة، فغضب عبدالناصر جدا وقال لوزير الداخلية: "ولماذا لم تحسموا الأمر؟ فقال له: القبيلتان تملكان سلاحا، فقال عبدالناصر: ونحن نمتلك طيرانا"، وأعطى أوامره بضرب القبيلتين فى معاقلهما، حفاظا على هيبة الدولة.

وفى واقعة أخرى، وصلت لعبدالناصر تقارير بانتشار المخدرات بشكل فظيع، وازداد معها معدل الجرائم، أمام هذا التحدى الذى يمثل خطرا اجتماعيا، أمرعبدالناصر: "لموا كل بتوع المخدرات من البلد".

وأظهرت التقارير وجود تذمر فى الأوساط الشعبية، وإن الناس محتاجة حاجة من هذا القبيل تلهيهم، طلع واحد مش فاكر مين، لا أجزم، وقال لهم: البيرة. ولم يكن يوجد سوى مصنعين للبيرة بين السرايات، ومصنع صغير فى الإسكندرية، يادوب يغطى السكندريين، والمصنعين بتوع القاهرة يغطوا نصف القاهرة، وجرت دراسات لمضاعفة الإنتاج فى أقل مدة بأعلى كفاءة وأعلى جودة، وهى تعمل نوع من غسيل المعدة، وتجرى البول، لكن لا تدمن، دعك من النظرة الدينية"
سألت: متى بدأت تشعر ببوادر ضعف الدولة أيام عبدالناصر؟
قال أحمد سعيد: مشكلة الثورات إنها تأكل نفسها وتأكل أبناءها، وهذا ماحدث، ومشكلة عبدالناصر البطل أنه حكم، فناصر كبطل وهو مقتنع أنه بطل، ومن هنا تأتى أهمية اختياره للعناصر المعاونة التى تساعده على تحقيق هدفه فى إيقاظ الجماهير، وحينما أصبح عبدالناصر البطل، حاكما، فأصبح يعمل بروحين، صفات البطل موجودة وصفات الحاكم اتوجدت وبدأت تنخر فى صفات البطل، مما أدى إلى تدنى نوعية المساعدين، وهذه بدأنا نشعر بها، فقد كنا نعمل تحت يد مساعدينه، فبدأت تحس انت من نوع التعامل، نوع التقارير، نوع الرأى، تحس بتدنى المستوى، فمثلا الحاكم محتاج لجهاز وناس تعرف لغات، فبدأ كل واحد يجيب من طرفه، هذا من ناحية، من ناحية تانية لما تشوف من الذى بقى؟ هذه المجموعة إللى شالها السادات، وحكاية بقاء السادات وحسين الشافعى، دون الآخرين، لوحدها حدوتة محتاجة بحث، لماذا لم يبق زكريا محيى الدين وعبداللطيف البغدادى، وكلهم رؤوس متساوية؟ لأن عبدالناصر حكم ويريد أن يأمر فيطاع بلا شريك يناقشه، الوحيد الذى كان يقول لعبدالناصرأمامنا: يا ريس، هو السادات، والباقين يقولوا له: يا جمال. وحسين الشافعى نفس الحكاية، وأحيانا كان يقول له: يا جمال. لكن السادات عمرى ما سمعته يقول: يا جمال، الاتنين فهموا المرحلة إللى وصل لها عبدالناصر، وعايزين يعيشوا، ففى الصورة العامة يجب نفرق بين عبدالناصر البطل، وهو يحمل صفات البطولة فيه متكاملة، وبين عبدالناصر الحاكم الذى يحمل صفات الحاكم بكل مسالبه ومشاكل الحكم.

طلبت من أحمد سعيد أن يعطينى أمثلة معينة لما بدأ يشعر به من هبوط مستوى كفاءة المساعدين، فقال: حدث أن حكومة على صبرى استعدت لدعوة عبد الناصر لحضور الاحتفال بزراعة خمسين ألف فدان أرز فى البرارى بكفر الشيخ، وبناء على دعوة مكتب على صبري ذهب بعض نواب مجلس الأمة وكنت معهم لمشاهدة هذا الإنجاز، وكنا نستقل أوتوبيسا مرتفعا، ففوجئنا بأن مساحة الأرز المزروعة لا تزيد على العشرين مترا على جانبى الطريق التى ستمر به سيارة الرئيس عبدالناصر، فأخبرنا على صبرى بالخديعة، فقام بمعاقبة كل المسئولين عن هذا التضليل. كذلك حدث فى الوادى الجديد أن زرع القمح فجاء قصيرا، لأنهم لم يسمعوا نصيحة المتخصصين، بأن يزرعوا القمح عاما ويريحوا الأرض عاما.

وكان الرئيس عبدالناصر سيفتتح هذا المشروع أيضا، فجاءوا بإبراهيم عبدالجواد أستاذ سيد مرعى وزير الزراعة، فنصحهم ضاحكا أن يحصدوا القمح بالملقاط، ثم اقترح أن يأتوا بقمح من أماكن أخرى حتى يشاهده الرئيس فى زيارته وتحل المشكلة! - يضيف أحمد سعيد اكتشافه لواقعة أخرى عجيبة فقال: كنت فى زيارة لتونس مع وزير الأوقاف الشيخ أحمد حسن الباقورى، ولاحظت أن معه حاملا لحقيبة كان يفتحها بأمر من الباقورى فيأخذ منها ظرف يعطيه لمدرسة قمنا بزيارتها، وتكرر نفس الشئ لمسجد قمنا بزيارته، مما استلفت نظرى، فسألته، فقال: إنها أموال الأوقاف ولا ولاية للدولة عليها، هى تعلم حجمها، ولكن لا علاقة لها بها! وقال لى الباقورى: هل تعلم أن لى فى اليوم عشرة آلاف رغيف موقوفة على المجاورين فى الأزهر!.

وعندما كنا ضيوفا على الحكومة الإسبانية، أخرجت عشرين دولارا لأعطيها بقشيشا للمطعم الذى أكلنا فيه، فأمسك الباقورى يدى وقال لى: ما الذى يساويه هذا المبلغ بالمصرى. وطلب مضاعفة البقشيش إلى خمسين بالمائة، فقلت له: هذا كثير، ندفع نصف ما أكلنا بقشيشا؟ فقال: يجب أن يعلموا أنه لا فضل لأحد علينا، وأننا هنا نقيم بكرامتنا. فقلت له: ولكننا ضيوف على الحكومة الإسبانية. قال: وليكن - يقول أحمد سعيد معقبا على هذا الموقف: هو خسران حاجة.. إنها فلوس الأوقاف!.