جابر نصار: اجهضت مخططا إخوانيا للسيطرة على "النانو تكنولوجى" بجامعة القاهرة
- احبطنا خطة الجماعة للزج بالشرطة داخل الحرم الجامعى خلال اعتصام النهضة.
- شكلنا لجنة عمل سرية لحصر الأساتذة والطلاب المنتمين للإخوان.
- نساء الجماعة حرضن الطالبات علي إرتداء الشادور الإيرانى.
- الجامعات الخاصة لم تضيف للبحث العلمى فى مصر.
- نحناج خبراء لإدارة المنظومة التعليمية.
أكد الدكتور جابر جاد نصار رئيس قسم القانون العام وأستاذ القانون الدستوري، ورئيس جامعة القاهرة السابق، أنه لم يكن خبيرًا تربويًا لكن لديه خبرات في إدارة المنظومة التعليمية، فضلًا عن خبراته في القانون، ومن خلالها نجح فى التعامل مع طلاب جماعة الإخوان داخل الحرم الجامعة، منذ توليه المسئولية في أغسطس 2013.
وأضاف في حواره للدستور:" كان علينا أن نواجه طلاب الإخوان وقت اندلاع تظاهرات الجماعة في ميدان النهضة خارج سور الجامعة، بتشكيل لجنة عمل سرية، لحصر الطلاب والأساتذة المنتمين لهذه الجماعة، وكان إيماني أنه لا يمكن التعامل مع الطالب المتطرف ولا يمكن تعليمه لأنه لن يستوعب الدروس، وأنه مجهز علي مصادرة وجدانه وعقله لصالح أفكار الجماعة فقط، ومن أجل إعادة هؤلاء الطلاب إلي المسار الصحيح كان لابد من آلية خاصة للتعامل والحوار معهم"، وإلي نص الحوار.
*ماذا عن نتائج عمل اللجنة السرية؟
علي مدار 4 سنوات في رئاسة جامعة القاهرة، اكتشفت أن الطلاب السلفيين كانوا يمثلون خطورة أكثر عن الإخوان، وتفسيري لذلك أن الإخوان جماعة منظمة والعنصر الذي ينتمي إليها لا يقوم إلا بما يأمر به، ويعمل وفق نظام لا يمكن الخروج عن قواعده، ولكن السلفية فكرة تزرع في عقل العنصر يعيش بها بدون ضابط أو أمر، والدليل أن المظاهرات التي اندلعت في جامعة القاهرة أبان ثورة الثلاثون من يونيو 2013 كان فكرة للإخوان ولكن السلفيين هم من دعموا استمرارها.
*كيف تفسر دور طلاب الإخوان والسلفيين بعد ثورة 30 يونيو؟
طلاب الإخوان كانوا يمثلون الكوادر المهمة التي تعطي الأمر بإشارة البدء للتظاهرات، وهدفهم هو استفزاز عناصر الداخلية بهدف دخولهم الحرم الجامعي، ثم تختفي هذه العناصر تاركة الجنود في مواجهة الطلاب العاديين.
ولكن عند قرأة المشهد، كان القرار هو منع دخول أفراد الداخلية الجامعة، حتي لا نفقد الثقة مع الطلاب، وهو ما كانت الكوادرالإخوانية تسعي إليه، واستطعنا إحباط مخططهم لسحب الداخلية إلي داخل الجامعة، ومنعنا حدوث معركة كادت أن تخسر فيها الدولة.
*شهدت جامعة القاهرة عددا من الأزمات، أبرزها منع النقاب.. كيف واجهت ذلك؟
عندما اتخذت هذا القرار كان أول المعترضين وزارة الداخلية، من منطلق"الباب أللي يجيلك منه الريح سده وأستريح"، كانوا لا يريدون مزيدا من التوتر داخل الجامعة، لكني اتخذت القرار علي مسئوليتي وفي إطار اختصاصات رئيس الجامعة، وكانت النتيجة انحصار ارتداء النقاب بين الطالبات وهيئة التدريس.
وحصرنا أعداد الطالبات المنتقبات، وبلغ عددهن نحو 2600 طالبة- وكن في كليات نظرية-، وعلي رغم أن العدد ليس كبيرا، ولكن كان مظهر تمييزي بين الطالبات.
*هل كان هناك مظاهر أخري للتمييز بين طالبات الإخوان في جامعة القاهرة؟
الواقع أن بعض الطالبات بدأن ارتداء ما يعرف بـالـ "شادور" وهو جلباب فضفاض للفتيات والسيدات في إيران، وكان لنا موقف مع هذا المظهر، وكانت آلية التصدي له بالحوار مع الطالبات، واكتشفنا أنه تم استغلال بعض الحالات الاجتماعية للتأثير عليهن، فقدمنا لهم الإعانات المادية، من صندوق غير معلن يتم تمويله من بعض البنوك المصرية.
*من أين بدأ الإصلاح داخل جامعة القاهرة؟
النخبة أنهكت في معارك سياسية وكان من الأفضل أن لا يزج بها، وأن تدخر جهودها في إصلاح التعليم أو منظومة آخري تفيد المجتمع،وبدأنا أول لقاء جماهيري مع الطلاب داخل الجامعة وكانت التظاهرات والقنابل اليدوية علي بعض أمتار من الاسور في اعتصام النهضة.
بدأنا بتصحيح المفاهيم المغلوطة لدي طلاب الإخوان وحاولنا تصحيح مسارهم، فهناك طلاب بكلية الهندسة كانوا يشاركون في التظاهرات ويمسكون بزجاجات المولوتوف ويلقونها علي زملائهم المختلفين معهم ايدولوجيًا وفي ظنهم أنه جهاد.
*ما هي مصادر موارد جامعة القاهرة المالية في ذلك الوقت؟
تتمثل في البحث العلمي ومراكز الخدمات والشراكة في البحوث، مطبعة الجامعة، ولقد بدأنا بخطة تطوير للمطبعة، بتكلفة 40 مليون جنيه، ولكن هذا المبلغ لم يتم توفيره مباشرة، وتم تجزئته علي مراحل بشرط أن كل مرحلة يتم ضخ مبلغ وينتج مباشرة،واستطعنا أن نكمل جميع مراحل التطوير من أرباح الإنتاج، وأصدرنا قرارا بمنع طباعة كتب الجامعة في الخارج، وبدأت المطبعة تحصل أرباح صافية من جميع الالتزامات، ورفعنا دخل عامل المطبعة من 800 إلي 4000 جنيه.
وعلي مستوي البحث العلمي، اكتشفت أنه يدر مليارات الدولارات علي الجامعات عند تسويقه عالميًا، فطالبت بأن يتم تعديل نص في قانون الجامعة بأن يسمح لرئيسها بتسويق البحث العلمي واشترطت مقابل تعديل النص أن اتنازل عن الموازنة المخصصة للجامعة، ولكن لم يحدث، وكنا في أشد الحاجة للعمل علي الاستفادة من الأبحاث العلمية، في ظل أن الجامعات الخاصة في مصر لم تضيف للبحث العلمي شيئًا.
وكان هناك اتفاق في عام 2010 بإنشاء مركز مصري لأبحاث النانو تكنولوجي، وتم الاتفاق بين جامعة القاهرة وشركة إيتيدا وشركة مايكروسوفت علي إنشاء المركز علي الطريقة اليابانية،ويضم مجموعة من الباحثين المصريين، ولم يكن الهدف تدريبهم للحصول علي درجات علمية، بل التدريب لمدة 3 سنوات في معامل النانو تكنولوجي علي مستوي العالم في أوروبا وأمريكا، وبعد انتهاء فترة التدريب يعملوا في المركز المصري لمدة 5 سنوات أخري.
واشترطت الاتفاقية أن توفر الجامعة مقرا له، وإيتيدا ومايكروسوف يتحملا تكلفة التدريب، وتتكفل الجامعة الرواتب لخمس سنوات، وبدأ تنفيذ الاتفاقية أواخر عام 2010، ولكن اندلعت ثورة الخامس والعشرون من يناير 2011.
- ماذا حدث بعد ذلك؟
عندما تسلمت رئاسة جامعة القاهرة، وجدت أن جماعة الإخوان سعت للسيطرة علي هذا المركز ونقلة تبعيته إلي جامعة أحمد زويل كهدية، وطالبت بتجميد طلب الإخوان إلي حين انتهاء الانتخابات.
وبعد مرور عدة أشهر، أبلغني المهندس عاطف حلمي وزير الاتصالات حينها، بأنه غير قادر علي سداد التزامات الباحثين بالمركز، خاصة وانه كان يسدد إلتزامتهم لمدة عام كامل بقيمة 250 ألف دولار للباحث الواحد، وميزانية الوزارة تم تخفيضها من 980 مليون جنيه إلي 180 مليون جنيه.
وتم التواصل مع هؤلاء الباحثين وعقدنا اجتماعا بتقنية الفيديو كنفرانس، واتفقنا علي تخفيض الالتزامات المالية الخاصة بهم، وتمت مناقشة القرار في مجلس الوزراء، وابلغني المهندس عاطف حلمي بأن هناك قلق تجاه قراري، وكان ردي:" طالما لم أضع شيئًا في جيبي.. فأنا أتحمل نتيجة قراري"، وبعد عدة أشهر فوجئت بأن الشباب الباحثين حصلوا علي عدد من الأبحاث العلمية الخاصة بجامعة القاهرة في الخارج كانت نسبة الجامعة فيهم تقدر بـ 3 مليون 680 ألف دولار، وكانت القاعدة أن جامعة القاهرة تحصل علي نسبة 20% من قيمة الأبحاث العلمية الخاصة بها في الخارج، وكانت هذه المبالغ عندما تصل إلي الجامعة توزع في صورة مكافآت بناء علي نص اللائحة داخل الجامعة، وتم منع هذا الأمر. وبعد مرور عامين علي عمل مركز أبحاث النانو تكنولوجي، استطاع الباحثون المصريون تسجيل 27 براءة اختراع في الطاقة الشمسية وتنقية المياه بالاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
*هل اقتصرت مظاهر الإصلاح في جامعة القاهرة إلي هذا الحد فقط؟
منظومة الإصلاح يجب أن تكون متكاملة، ولما كنا نعاني من مشكلة التصنيف الدولي بين الجامعات الدولية، كان يجب أن نبحث عن حل لهذه المشكلة علي مستوي التصنيف للكليات النظرية والعلمية نظرًا لاختلاف مقاييس التصنيف لكل منهما، فمثلًا كانت نسب النجاح في الكليات النظرية تؤثر سلبًا علي تصنيفها، وكان السبب هو زيادة أعداد الطلاب في الدفعة الواحدة.
وجاء الحل في تشكيل لجنة من الأساتذة المتخصصين، وتم إرسالهم للخارج لدراسة عدد من التجارب في الجامعات الغربية، لإظهار الفارق بين جامعة القاهر والجامعات الأوربية، وكانت النتيجة أن ابرز الفوارق كانت في أنظمة الامتحانات، التي هي العامل الرئيسي في أحداث تعليم مواكب لسوق العمل، والتي تعتمد علي تعليم المهارات والفهم والاستيعاب والابتعاد عن الحفظ والتلقين، مع العلم إن المهارات التي تدرسي في نظم التعليم لا يمكن ان تتطابق مع المهارات المطلوبة في سوق العمل بنسبة 100%، ولكنها يجب أن تتطابق.
وقررنا تطبيق نظام امتحانات حديث علي أصعب الكليات النظرية دار العلوم والتجارة، وكان الهدف أن النجاح فيهما يؤكد ضمان النجاح بسهولة في باقي الكليات، وجاء التطبيق علي أساس أن المشكلة في التعليم في مصر هو جمود المناهج، فكان الهدف الأول بالنسبة لنا هو الكتاب والمنظومة التي تتمحور حوله، من مؤلف الكتاب والطالب الذي يشتريه، مع مراعاة المصلحة الملحة لأعضاء هذه المنظومة.
وتبين أن أحد أسباب تأخر مستوي التعليم في مصر هو نظم الامتحانات التي تساعد علي الغش، لذلك تم تطبيق نظام جديد للامتحانات في جامعة القاهرة واثبت نجاح منقطع النظير، وبدأنا نحول المناهج إلي مادة علمية علي شبكة الأنترنت، وأسسنا شبكة أنترنت هوائي في جامعة القاهرة بأكملها، وأصبحت المادة العلمية والمناهج متاحة للطالب في قرص معدنية أو عبر موقع الجامعة علي الأنترنت.
وكانت تكلفة الكتب في الكلية الواحدة حوالي 800 جنيه، وبعد تطبيق النظام الجديد اصبحت تكلفة الخمسة مواد في الفصل الدراسي الواحد 80 جنيه، وأصبح أوائل من يؤيدون هذا النظام أولياء الأمور، وبالنسبة للاستاذ بعد أن كان يبيع الكتاب للطالب بخمسون جنيهًا وكان نسبة الطلاب الذين يشترون النسخة الأصلية من 15إلي20% من إجمالي الدفعة، أصبح اليوم جميع الطلاب يسددون مصروفات المواد العلمية والمناهج كاملة.
وكانت المادة تقدم للطلاب في قرص معدني لمدة 3 ساعات بـ 16 جنيها، ويحصل الاستاذ علي 8 جنيهات علي كل طالب، مقابل اشتراك الاستاذ في بنك الأسئلة يحصل علي جنيه إضافي، ومقابل حضوره في يوم الامتحان يحصل علي جنيه أخر، وتم تخصيص جنيهين لكل طالب غير مقتدر علي سداد الرسوم، وتحصل الجامعة علي جنيهين، ومثلهما للكلية.
وكانت الجامعة تدعم الكليات في كل كتاب في الفصل الدراسي الواحد بقيمة 1.5 مليون جنيه، وهذا المبلغ في متوسط الدعم، وكان هناك دعم يقدم أكثر من ذلك قبل تطبيق النظام الحديث، وكان مصير الـ 2 جنيه التي تحصل عليها الجامعة من 16 جنيه لكل مادة، يقدم منها مكافأة لكل أستاذ تقدر بقيمة 5000 جنيه في مقابل أن تعتمد لجنة الامتحانات الأسئلة التي يقوم بوضعها لامتحان المادة وتكون مطابقة لمواصفات النظام الحديث.
*ماذا عن نتائج تطبيق هذا النظام، ومستقبل الطلاب في فرص العمل؟
النتائج كانت ايجابية، تصنيف الجامعة أصبح بشكل متقدم وسريع، وتم توفير عدد كبير من المراقبين علي الامتحانات، وتعليم الطلاب مهارات جديدة في انظمة التعامل مع المناهج.
فانا لست خبيرا تربويا ولكني عملت علي إدارة عملية تربوية، ففي مصر عديد من الخبراء التربويين، ولكن لا يوجد خبراء في إدارة العملية التعليمية، وجميع دول العالم لديها أزمات في فرص العمل، ففي أوروبا وأمريكا، خريج كبريات الجامعات لم يجد فرصة عمل مناسبة مما أضطره أن يعمل في تخصص أخر، ولكنه أجاد، نظرًا لحصوله علي تعليم جيد، وفرص العمل مهما اتسعت فهي ضيقة، لا يوجد دولة يمكنها أن توفر فرص عمل لكل مواطنيها من خريجي الجامعات.
*إذن ما المانع أن يتجه الطلاب إلي التعليم الفني مباشرة اختصارًا للوقت واكتساب المهارات وضمان فرصة عمل؟
هذه خطوة مهمة واتجاه صحيح؛ ولكنه لن ينجح؛ إذا سار بنفس الآلية التي يسير بها التعليم الفني الآن، في مصر ليس لدينا تعليم فني بل لدينا تعليم عشوائي، ولا نستطيع أن نطلق علي شهادة الدبلوم الفني الصناعي الثانوي تعليم فني، وأيضًا شهادة المعاهد الفني، هذا التعليم عشوائي لا يعلم صنعة ولا مهارة نهائيًا، وتأكيدًا علي هذا لا يوجد فرص عمل في مصر لحاصلين علي شهادة دبلوم أو معهد فني.
*وماذا عن بعض التجارب الناجحة في المدارس الفنية المتخصصة مثل الضبعة وقسم الطاقة الشمسية في بنبان ؟
هل نحن نريد أن نعمل علي إصلاح منظومة أم نكتفي بنقاط ضوء في هذا الملف؟، ولذلك نحن بحاجة إلي إعادة بناء منظومة التعليم الفني في مصر بعد إنهيارها، بداية من المعلم والمناهج والمدارس، ومن جانب أخر ساهم في هذا الإنهيار إرتخاء قبضة النقابات علي المهن بحيث لم يقع عبء الإنهيارعلي الحكومة فقط، وأيضًا سبب إرتخاء قبضة النقابات علي المهن هو التضيق السياسي علي الأحزاب في مراحل سابقة، مما دفع بالنقابات إلي إهمال دورها، والزج بها للعب دورًا سياسًا، وهناك أمثلة كثيرة علي هذا.وما نحن فيه الآن من أنهيار نتيجة تراكمية لما سبق من فترات من الأهمال، ويجب أن نبذل الكثير من الجهود في هذا الملف، حتي بعد سنوات نستطيع أن نقول لدينا تعليم فني، لآن البناء أيضًا نتائجه تراكمية.