رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أكياس مميتة».. متى تقضي مصر على سموم المواد البلاستيكية؟

جريدة الدستور

الشهر الماضي، حاول «سيد عبدالنبي»، ري حقله الذي خصصه هذا العام لزراعة الذرة الصفراء، لكن لم يستطع؛ لعدم قدرته على توصيل المياه ورفعها إلى أرضه، وبعد محاولات كثيرة منه، وجد أن الرشاح مُنسد؛ وذلك لامتلائه بالأكياس البلاستيكية المتخلفة من القمامة، بعد أن ألقاها سكان قريته أشليم التابعة لمركز قويسنا محافظة المنوفية بصفة يومية.

يقول "سيد" أنه استمر في رفع المخلفات البلاستيكية لأكثر من ثلاث ساعات حتى بدأت المياة في التدفق،
ولم يمض الشهر، وأتى ميعاد الدورة الثانية للري وواجهته نفس المشكلة، هو ومجموعة الأراضي المجاورة له، اشتكى لعمدة قريته والذي بدوره فرض غرامة مالية على المنزل الذي يلقى قمامته في المصرف خاصة البلاستيكي التي يصعب تحللها مهما طالت مدة بقائها.

وفي كل مرة عند تراكم القمامة، بمدخل القرية وتأخر وصول عربات جمعها التابعة للجهاز المحلي، قرر السكان حرق المقالب المتكونة على مدار أسبوع؛ لتجميل منظر القرية استعدادًا لاستقبال عيد الفطر لكن استمر تصاعد الدخان منها لأكثر من 6 ساعات.

«سيد» هو واحد ضمن ضحايا كثيرون، بسبب انتشار استخدام الأكياس البلاستيكية من قبل المواطنين، وإلقائها في البحيرات ومخرات السيول والمطر ومزارع الأسماك، والتي تضر الكائنات البحرية والنباتية، وهو ما دفع الحكومة المصرية مؤخرًا للسعي إلى الحد منها.

أزمة تلك المواد البلاستيكية بإنها لا يتضائل حجمها كبقايا الطعام، ولا تنكمش كالورقيات الأمر الذي دفع النائبة أنيسة حسون، عضو مجلس النواب ، بطلب إبداء اقتراح برغبة في إلغاء استخدام الأكياس البلاستيك واستخدام مواد صديقة للبيئة، موجه ذلك إلى رئيس مجلس الوزراء ووزيري البيئة والصناعة.

تقول النائبة أن مصر تستهلك 12 مليار كيس بلاستيك سنويًا، بتكلفة حوالي 12 مليار جنيهًا؛ الأمر الذي يمثل أزمة بيئية بجانب الخسائر الاقتصادية، فمعظم خامات التصنيع تستورد من الخارج والدول التي تصدره تناهض استخدام البلاستيك لديها في اتجاه منها للحافظ على البيئة.

تؤكد أن الأكياس لها ضرر بليغ؛ لأنها غير قابلة للتدوير وتستغرق مئات الأعوام لكي تتحلل وتنتهي كميات منها في البحار والأنهار؛ ما يعرض الكائنات المائية إلى النفوق وهذا ما رأينها في العديد من المصارف والمزارع السمكية.

تضيف، أن حرق هذه الأكياس ليس حلًا، حتى لو كان للتخلص السريع فهو يتسبب في أضرار كارثية، أخطرها انبعاث جسيمات وغازات سامة تؤثر سلبًا على الغلاف الجوي وتدمر صحة الإنسان، كما أنه يدخل في تصنيعها مشتقات شديدة الخطورة تتفاعل مع المواد الغذائية، وتؤثر بالسلب على صحة المواطنين.

ولاقت المبادرة ترحيبًا كبيرًا من البرلمان، إذ صرح النائب عصام بركات وكيل لجنة الطاقة والبيئة لـ"الدستور"، بأن مقترح "حسون" محض دراسة من اللجنة، خاصة أن يتفق مع قانون الدراسة والذي يحمل اسم "تنظيم النفاذ إلى الموارد لاحيائية والاقتسام العاد للمنافع الناشئة عن استخدامها".

وأكد بركات، أن حماية الأحياء من أهم بنوده والتي تمنع القاء المخلفات صعبة التحلل كالبلاستيك في مأماكن تواجدها، موضحًا أن البحث عن بدائل للمواد المضرة بالبيئة لم يعد رفاهية كما يرى البعض انما هو منهج سلكته معظم دول العالم ونجحت في حصد نتائج مبهرة على المستوى الاقتصادي والبيئي.

وأكد أن لجنة البرلمان تخاطب وزارة البيئة للتعاون معها؛ لتنفيذ تلك المقترحات على أرض الواقع في أسرع وقت مع وضع مخطط للاستفادة من المخلفات فيكون لها جدوى اقتصادية.

على مستوى المجتمع المدني هناك العديد من المنظمات والجمعيات المعنية بشئون البيئة والمحافظة عليها، دعمت مبادرة منع استخدام الأكياس البلاستيكية، منها جمعية "جرينش"، التي قامت في وقت سابق، بعمل حملات لتنظيف مجرى النيل من المخلفات البلاستيكية المتراكمة في العديد من المناطق، والتي تُلقى إما من السفن والحاويات أو الأشخاص، لكن جهودهم لن تعطي نتيجة ملحوظة إلا عند تكاتف كل المؤسسات، لذا اعربت "جرينش" عن فرحها بمبادرة حسونة.

وقد صرحت شعبة البلاستيك باتحاد الصناعات، أن حجم استهلاك السوق المصري من المنتجات والخامات البلاستيكية يبلغ نحو 3.5 مليار دولار سنويًا، من بينهم نحو 2.5 مليار دولار مستوردًا من الخارج وذلك حسب آخر احصاء صدر عنها فبراير من العام الماضي.

وتعتبر صناعة البلاستيك من الصناعات التي استفادت من سياسة ترشيد الاستيراد، وحققت نحو 15% من إجمالى 11 مليار دولار من ترشيد الاستيراد من ذلك، لتحقق صادرات مصر من المنتجات البلاستيكية بلغ نحو 1.5 مليار دولار.

وخارجيًا، فأن نماذج الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية كثير، منهم فرنسا والتي تعتبر من أهم دول العالم التي حمت نفسها من شر الاكياس البلاستيكية، واستبدلتها بأخرى قابلة للتحلل، حيث فرض قانون يقضي بمنع استخدام الأكياس البلاستيكية في المخازن التجارية في يوليو 2016.

وتلي ذلك تطبيق حظر استخدام التغليف بالمواد البلاستيكية للخضار والفواكه المعروضة للمستهلك مع بداية يناير عام 2017، الأمر الذي ساعد في انخفاض كمياتها المتداولة من 12 مليار كيس إلى 700 مليون كيس سنويًا.