رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضحايا يتحدثون لـ«الدستور».. متى تنتهي مصر من مدافن القمامة؟

جريدة الدستور

تلال من القمامة، ترتفع أمتارًا فوق الأرض، روائح كريهة، تلوث يُغلف المنطقة، ذباب وحشرات تنتشر كالنار في الهشيم، حرائق القمامة تشتعل ليلًا ونهار، دخان أسود يتطاير في الهواء، الجميع هنا يبحث عن هواء نقي٫ غير أنّ البيئة غير آدمية.. مشهد ربما أصبح عابرًا أمام الناظرين وخاصة المتواجدين بالقرب من المشهد مدافن القمامة العشوائية.

في منطقة شرق القاهرة وبالقرب من مساكن الطوب الرملي، يقول محمود حسانين: "سنوات من المعاناة من مقلب الطوب الرملي، وهو ما يؤدى إلى انتشار التلوث في محيط المنطقة السكنية لينتج عن ذلك إصابتنا بأمراض الصدر والتنفس، كما أنها ليست شكوى فردية، ليس وحدنا من يشكو من هذه الرائحة والتلوث؛ لأن المقلب عمومي وكبير وتكاد تصل رائحته حتى القاهرة الجديدة والتجمع، فمعظم سكان القاهرة إن لم يكن جميعهم يشكون من تواجد مقلب الطوب الرملي بالقرب من الأحياء السكنية".

ويتابع "حسانين"، "تقدمنا بشكاوى كثيرة ومطالبات بغلق هذا المدفن ونقله إلى مكان آخر بعيد عن المناطق السكنية؛ لما تسبب فيه هذا المدفن من عواقب سلبية على صحتنا وصحة أولادنا، وسمعنا عن قرارات بغلقه نهائيًا ولكن شيئًا من هذا لا يحدث".

تحذّر منظمة الصحة العالمية من الآثار الناتجة عن التخلص العشوائي من القمامة، لما لها من تأثيرات سلبية تضر بصحة الإنسان وتعرضه لملوثات الهواء في زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض القلبية والتنفسية، فضلًا عن سرطان الرئة، كما يعد من مسببات ارتفاع معدلات الوفاة هو التعرّض للملوثات المنبعثة جرّاء حرق القمامة، حتى أنه يزداد تهديد التلوث في المدن الكبرى حيث تتجاوز معدلات التلوث في العديد منها، المستويات الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية، مما يمثل خطرا رئيسيًا على صحة الناس.

ووفقًا للمنظمة، لا يعترف تلوث الهواء بالحدود السياسية، ولذا يتطلب تحسين نوعية الهواء إجراءات حكومية مستمرة ومنسقة على جميع المستويات، وتحتاج البلدان إلى العمل معًا على حلول للنقل المستدام، وإنتاج واستخدام الطاقة النظيفة بطرق أكثر كفاءة واستدامة، فضلا عن إدارة النفايات، إذ يعتبر حرق النفايات في بعض المناطق مصادر إضافية لتلوث الهواء، كما تعمل المنظمة مع العديد من القطاعات الحكومية، بما في ذلك النقل والطاقة والتخطيط الحضري والتنمية الريفية، لدعم البلدان في معالجة هذه المشكلة.

لم تختلف شكوى ضياء سالم، الذي يقطن بمدينة العبور، عن بقية شكاوى الموطنين التي تعاني من مدافن المخلفات العشوائية، فيقول لـ"الدستور": "مدينة العبور بها العديد من المشكلات ولكن أهمها هي القمامة ووجود مدفن عشوائي للقمامة وغير آمن، جعل ذلك يؤثر على جميع سكان المجاورات ومساكن الشباب في مدينة العبور، فضلًا عن الروائح الكريهة التي لا تختفي والحشرات والقوارض التي تجد في هذا المقلب العشوائي بيئة تحتضنها، فبعد أن كانت العبور تتميز ببعدها عن الزحام والضوضاء والتلوث أصبحت هي ذاتها مدينة التلوث".

أكد اللواء محمود شعراوي، وزير التنمية المحلية، خلال اجتماع الإدارة المحلية بمجلس النواب، أنه وفقًا لتوجيهات الرئيس السيسي بحل مشكلة النظافة والقمامة بالمحافظات، فتأتي جهود الوزارة للقضاء على هذه المشكلة على رأس أولوياتها؛ وذلك لإعادة الصورة الجمالية والوجه الحضاري للشارع المصرى، ملفتًا إلى أن الرئيس يتابع كافة تفاصيل الإجراءات والخطوات التي يتم اتخاذها لتطوير منظومة النظافة والقمامة والمخلفات بالمحافظات، وآليات تفعيل المنظومة الجديدة للإدارة المتكاملة للمخلفات البلدية الصلبة.

وعن البرامج التنفيذية للمنظومة الجديدة لإدارة المخلفات فقد أوضح "شعراوي" أنها تشتمل على 3 برامج، أولها يتضمن إغلاق 57 مقلبًا عشوائيًا، إنشاء 92 محطة وسيطة منها 36 ثابتة و56 متحركة، وإنشاء 59 مدفنا صحيا آمن بأحجام مختلفة وفقًا لدراسة الاحتياجات بالمحافظات من خلال الهيئة العربية للتصنيع، ورفع كفاءة وإنشاء 70 خطًا للتدوير ومعالجة المخالفات من خلال وزارة الانتاج الحربى

نحو 7 ملايين شخص يموتون سنويًا بسبب التعرض لجسيمات دقيقة في الهواء الملوث، التي تخترق بعمق الرئتين والقلب والأوعية الدموية، بما يسبب الأمراض، مثل السكتة الدماغية وأمراض القلب وسرطان الرئة وأمراض انسداد الشعب الهوائية المزمنة والتهابات الجهاز التنفسي، بما فيها الالتهاب الرئوي، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية

وفي عام 2016، تسبب تلوث الهواء المحيط وحده في حدوث 4.2 مليون حالة وفاة، بينما تسبب استهلاك الملوثات والتلوث في وفاة ما يقدر بـ 3.8 مليون حالة في نفس الفترة

وتقدر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 90% من تلك الوفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في آسيا وأفريقيا بشكل رئيسي، ثم مثيلتها في شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا والأميركتين.

أن تمر بطريق صلاح سالم إلا وتجد نفسك تسد أنفاسك تلقائيًا من شدة الرائحة الكريهة التي امتلئ الجو بها، فحينها تعلم أنك على أعتاب حي الزبالين.

أمينة سيد، تقطن بحي الزبالين، لديها أسرة تتكون من زوج وطفلين، تقول أن الجميع هنا اتخذ من القمامة مصدر رزق له، فالحي بأكمله يعمل في فرز القمامة والتجارة فيها، وهو السبب الذي جعلها تتأذى هي وأسرتها من التلوث الذي يحيط بهم في كل مكان.

تابعت مستنكرة، المشكلة هنا ليس في مدافن القمامة العشوائية فقط وإنما الجميع يتاجر في القمامة ويعمل بها وسط المساكن، وكأنه أمرًا عاديًا، "حظي اني ساكنة هنا من زمان ومعنديش القدرة أني أنقل مكان تاني"، مضيفة أن المشكلة عامة وليست مشكلتها وحدها فقط، "بالإضافة إلى أن معظم سكان المنطقة ممن لا يعملون في هذا النشاط مستائين من الوضع وانتشار الحشرات والتلوث".