رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة البيانات الكبيرة 1


تجتاح العالم المتقدم ثورة معرفية وعلمية وتكنولوجية جديدة، تكاد تزلزل الواقع الإنسانى الراهن، وتعصف بالقواعد والثوابت الراسخة، وتُعيد بناء الواقع الإنسانى الذى نعيشه، بشكل جديد نوعيًا، الفائز فيه من يجد لعقوله مكانًا فى مسرح عملياتها، ويضع قدمه فوق أرض صلبة على الساحة التى يدور صراع الجبابرة فيها، وإلا فمصيره التهميش والضياع، والسقوط فى مستنقع تخلف من نوع آخر، تزداد وتيرته بصورة غير مُتصورة، ستسحق مَن لا يدرك قوانين هذا العالم المتكون الجديد، ويعرف كيف يكون جزءًا فاعلًا فى تركيبته العضوية الآخذة فى التَشَكُّل الآن، وبسرعة فائقة.
عنوان هذا الحدث الفارق: «ثورة المعلومات الفائقة»، أو«Big Data Revolution»، ومصدرها الأساسى، كما يقول العلماء والمتخصصون، هو الانفجار المعلوماتى الضخم، إلى حد غير مسبوق، وربما فوق التصوّر. وهو أمر له انعكاسات مُباشرة وفارقة على حياتنا البشرية بمختلف مستوياتها، وعلى سبيل المثال، فإن مقدار ما تحصَّلنا عليه من البيانات، كما تقول دراسة حديثة لمجلة «Forbes International Middle East»، خلال العامين الماضيين، يفوق مجمل البيانات التى أُنشئت عبر تاريخ الجنس البشرى كله.
وبصورة أكثر تجسيدًا، فإن أبحاث شركة «إنتل»، قدّرت أن حجم البيانات التى ولّدها البشر منذ بداية التاريخ وحتى عام 2003، بما يساوى 5 إكسا بايت، غير أن هذا الرقم تضاعف 500 مرّة خلال عام 2012 وحسب، ليصل إلى 2.7 زيتا بايت «الزيتا بايت تساوى تريليون جيجا بايت»، وتضاعف هذا الرقم أيضًا ثلاث مرّات حتى عام 2015، وهكذا دواليك. وقد عرّف «معهد ماكنزى» العالمى، سنة 2011، «البيانات الفائقة، أو الضخمة»، بأنها مجموعة من البيانات التى هى بحجم يفوق قدرة أدوات قواعد البيانات التقليدية، على التقاط، وتخزين، وإدارة، وتحليل تلك البيانات، ومن ثم التعامل معها، وتعظيم الاستفادة منها، على كل المستويات المنظورة والمحتملة. وتقول الدراسات العلمية المتخصصة، إن كل فرد سيحوز 1.7 ميجا بايت من المعلومات، مع بداية العام القادم 2020، وبحلول ذلك العام ستتضاعف بيانات العالم الرقمى المتراكمة، عشر مرّات، من 4.4 زيتا بايت اليوم، إلى حوالى 44 زيتا بايت آنذاك.
واليوم، كما تقول شركة IBM، فإننا ننتج 2.5 كوينتيلون بايت من البيانات كل يوم، «الكوينتيلون هو الرقم 1 متبوعًا بـ18 صفرًا»، وهذه البيانات تتدفق من جميع أنحاء الوسط المحيط، مثل المعلومات حول المناخ، والتعليقات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعى، والصور الرقمية، والفيديوهات، ومعاملات البيع والشراء، وغيرها أيضًا.
وتتضاعف عملية تداول المعلومات، بشتى أشكالها، مع مرور كل يوم: فمثلًا تُؤدى 40 ألف عملية بحث فى الثانية الواحدة على محرك «جوجل»، وبما يعنى 1.2 تريليون عملية بحث سنويًا، وفى عام 2015 التُقطت تريليون صورة، وبحلول عام 2017 كان 80% من الصور تتم عبر الهواتف الذكية فقط، ويستخدم مئات الملايين، فى كل لحظة، وسائط التواصل الاجتماعى المختلفة، وبحلول عام 2020 سيكون هناك أكثر من 6.1 مليار مستخدم للهواتف الذكيّة، وهذه السنوات سيكون هناك أكثر من 50 مليار جهاز ذكى متصل حول العالم، مهمتها جمع وتحليل البيانات، سيمر أكثر من ثلثها، بحلول عام 2020 عبر «السحابة»، أى شبكة من الخوادم العملاقة المتصلة عبر الإنترنت، وهى الأداة التى تتيح لمحرك «جوجل» البحثى، عبر إشراك حوالى 1000 جهاز كمبيوتر عملاق، الإجابة عن ملايين عمليات البحث المتزامنة، فيما لا يستغرق أكثر من 0.2 ثانية وحسب.


إن من يتحكم فى هذا التدفق الهائل من المعلومات، سيحكم العالم كله فى المستقبل المنظور، فكيف ستغير «ثورة المعلومات الفائقة»، أو«Big Data Revolution»، حياة البشر؟.