رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كشف حساب


فليعذرنى القارئ العزيز فى هذا المقال، ذلك أننى سأتحدث عن أمر شخصى، لكنه يرتبط بالأمر العام، ولم يدفعنى إلى كتابة هذا المقال إلا بعض المقولات التى تجرى على ألسنة كثير من الناس، وهم يظنون أنهم بمقولاتهم هذه قد وصلوا إلى أعلى درجات الذكاء والحنكة والفهم العميق، وهم فى الحقيقة لا يعلمون شيئًا على الإطلاق، وأشهر تلك المقولات التى أراها سخيفة ما يرددونه من أنه «لا يوجد أحد ينشق عن الإخوان، ولو انشق فسيقتلونه»، أو مقولة «الإخوانى الطيب هو الإخوانى الميت»، وبعضهم يقول: «أنا أعرفهم تمامًا، وأعرف أنهم يستخدمون التقية»، وهذه المقولات فاسدة تمامًا، والمؤسف أن الذى أطلقها «جماعة الإخوان»، وحينما أطلقوها كانوا يعلمون أننا كالببغاء سنردد ما ألقوه على ألسنتنا دون وعى أو تفكير، وسنثير تلك المقولات ونحن نتصنع الدراية والذكاء، وبذلك سيضمن الإخوان أن كل من كان فى الإخوان وتركهم ثم قدّم منظومة نقدية ضدهم لن يصدقه أحد، وسيقول الناس لا تسمعوه فإنه يستخدم التقية.
الحقيقة أيها السادة أن الناس لم تفهم جماعة الإخوان، ولم تعرف معنى التنظيم، ولم تدرك طبيعة الدوائر التى تحيط بالجماعة، وبالتالى لم تستطع التفرقة بين من يترك التنظيم، ومن يترك الجماعة، ومن يُجرى مع أفكارهم قطيعة معرفية، فمثلًا كمال الهلباوى لم يترك الجماعة، ولكنه ترك التنظيم، ولم يقل فى يوم من الأيام إنه ترك الجماعة، ولكنه قال استقلت من التنظيم فى مصر، ولكنكم جميعكم كنتم تسمعونه وهو يسبح بحمد حسن البنا ويتماهى مع أفكاره، ويقول عنه إنه الإمام الشهيد، ونسيتم جميعكم- إلا القليل منكم- أن من لم يسعه تنظيم بلده يسعه التنظيم الدولى، بمعنى أن الهلباوى ترك تنظيم مصر، ولكنه لا يزال عضوًا فاعلًا فى التنظيم الدولى، وأنتم بموافقة بعض القيادات الحالية وافقتم على تعيينه فى لجنة الخمسين، التى وضعت دستورنا المشوه، وهو لم يكن فى أى يوم من الأيام له دراية لا بدستور ولا بقانون، كما أنكم جميعًا بموافقة بعض القيادات الحالية وافقتم على أن يكون عضوًا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان ومعه تلميذه محمد عبدالقدوس الإخوانى العتيد، ولا يزالان.
أنتم جميعًا صدقتم أنه ترك الجماعة، ولم تدركوا طبيعة الانشقاق، ثم قمتم بمحاكمة كل من ترك الجماعة وأجرى قطيعة معرفية معهم، وقلتم إنهم يستخدمون التقية!! ويا للذكاء! ينتقدون الإخوان ويكشفون حقيقتهم التآمرية من باب التقية!! ما شاء الله.
وأنتم جميعكم صدقتم أن عبدالمنعم أبوالفتوح ترك الإخوان، نعم هو ترك التنظيم ولكنه لم يترك الجماعة، ولم يقل فى يوم من الأيام إنه ترك الجماعة، بل إنه فى كل حين كان يقول إن الإخوان هم بيته، وعندما مارس غضبه على نظامنا الشرعى، وقال إنه نظام انقلابى، حينئذ حاكمتم كل من ترك الإخوان فعلًا، وقلتم إنه لم يترك الإخوان أحد، ولكنهم يستخدمون التقية، وتبدأ ألسنة حداد تنتقد بشدة الذين تركوا الإخوان بشكل حقيقى، بدعوى أنهم لم يتركوا الإخوان، ويتم تداول تلك السخافات فى وسائل التواصل.
من أجل ذلك قلت كثيرًا إن تعبير الانشقاق هو تعبير غير صحيح، مصطلح غير حقيقى، فالمنشق هو امتداد للأصل الذى انشق عنه، كالترعة التى تنشق عن النهر، تخرج منه، ولكنها متواصلة معه وتحمل مياهه، أما التعبير الصحيح فهو الترك أو الانفصال، وكل من أجرى مع الإخوان قطيعة معرفية، وحاكم أفكارهم العقائدية، وكشف ما لديه من معلومات ومعارف بخصوصهم تكشف زيفهم وعمالتهم فهو تارك حقيقى لهم، والساحة مليئة بالتاركين والهاربين من جحيم أفكار تلك الجماعة.
أما عن نفسى فما سأقوله يشهد عليه الدكتور محمد الباز والأستاذ حمدى رزق والكاتب الصحفى أسامة سلامة، وتقريبًا معظم الصحفيين من هذا الجيل، فمنذ زمن مبارك عندما كنت أتحدث عن الإخوان وخطورتهم وخطرهم على مصر وأمنها.. وحينما كنت أحذر من وجود نظام خاص مسلح داخل جماعة الإخوان، وهذا النظام هو جيش من المدنيين تم تدريبهم على القتال عبر سنوات ماضية، وتم مسح عقولهم حتى أصبحوا مسوخًا بشرية لا عقل لها ولا قلب فيها، وأنهم على استعداد لشن حرب أهلية للحفاظ على الكرسى- حينها لم يكن معظم النخب السياسية والثقافية تصدق ما أقوله وأكتبه كان البعض يظننى أبالغ، والبعض الآخر يظننى أدعى عليهم ما ليس فيهم، والبعض الآخر كان يقول ولا يزال: هو غاوى شهرة ويريد أن يسترزق من وراء الهجوم على الإخوان، وهو لم يختلف معهم إلا لأنهم أقصوه عن منصب كان طامعًا فيه.
وكان بعض الذين يدعون الحكمة من النخب السياسية ينظرون لى بشفقة وهم يقولون: خفف غلواءك فإنهم فصيل وطنى لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وعلينا أن نضمهم للحركة السياسية الوطنية، حتى يسهل علينا التعامل معهم، ولأننى كنت أعلم خرافة أنهم فصيل وطنى، إذ كنت أجلس ذات يوم فى كهوفهم، وفيها عرفت ما تشيب لهوله الولدان، فإننى كنت أستمر فى تحذيرى، وأظن أن معظم الإعلاميين فى مصر يعرف أننى كنت أمر على كل الصحف عبر سنوات طويلة مضت وأجلس مع قياداتها الصحفية، لأدق للجميع جرس الإنذار، فقط مجموعة صغيرة من النخب أدركوا هذه الخطورة مبكرًا وأخذوا على عاتقهم أن يواجهوهم مهما كان الثمن، بعضهم سبقنى فى تنبيه الأمة، والبعض الآخر جاء بعدى، حتى الذين انشقوا عن الإخوان قبلى أو معى أو بعدى، لم يتحرك أحدٌ منهم لينبه الأمة إلا بعد ثورة يناير وعلى استحياء، ثم أخذ بعضهم حبوب الشجاعة بعد ذلك وارتفع صوته، بعد أن كان يخجل من توجيه أى نقد لهم.
ويقينًا فإن الأمر ليس سباقًا فى المواقف، ولكنه إجابة صغيرة عن أسئلة سخيفة يطرحها أصحابها قائلين: وأين كنتم يا من اختلفتم مع الإخوان؟ ولماذا لم تقوموا بتنبيه الأمة مبكرًا قبل ثورة يناير؟ والإجابة هى فى الفقرة السابقة فى المقال وأزيد عليها قائلًا: بل أين كنتم يا من كنتم تعيشون لأنفسكم لا تعرفون عن مصر وما يدور بها أو فيها شيئًا، ولم يحدث أن اهتم أحدكم بما كنا نقول، بل لا أظن أن أحدكم كلف نفسه مشقة قراءة مئات المقالات والحوارات التى كتبتُها فى كل صحف مصر منذ عام 2001 إلى ثورة يناير ثم ما بعدها؟.
لا تلوموا إلا أنفسكم، أما أنا لم يتغير موقفى أبدًا منذ أن رأيت نواياهم وأفكارهم الحقيقية التى يخفونها، وبعد سنوات عرف الذين كانوا يطالبون بدمجهم فى المشروع الوطنى المصرى أنهم أخطر ما تعرضت له مصر، هم الخطر الحقيقى على الأمن القومى، ويكفى أنهم يفتخرون بجاسوسيتهم ولا يسعون إلى إخفائها كما حدث من محمد مرسى وهو فى قفص الاتهام، حينما افتخر بأنه كان يتخابر مع حركة حماس، ومع ذلك لا يزال هناك فى مصر إلى الآن من يتحدث عن الحوار معهم أو السلمية فى مواجهتهم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.