رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات لم ترو.. رمضان بوابة التوبة والعودة للحياة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

"فوانيس وزينة" إذن حضور رمضان في الشوارع، إلى جانب الصيام والصلاة.. يعلم الجميع أن رمضان فرصة لإقامة الشعائر والعبادات، فصيامه يحمي النفوس من ارتكاب المعاصي والذنوب، حيث يستغل البعض منا هذا الشهر الكريم، ليفتح كلا منا حوارا مع الله، منا من يطلب رزقا، أو يشكو هما أصابه، وآخر يطلب المغفرة على ذنب اقترفه، فيسلك طريق التوبة إلى الله، فمن منا لم يغالبه الشيطان ليوقعه في المعصية، ولكن خير الخطائين التوابون، هؤلاء من كانت لهم حكايات طرقوا بها باب الله في رمضان، "الدستور" تحاور مساجين وراقصات وفتيات ليل تابوا في رمضان.

"رمضان كان السبب في هدايتي، وإني أبعد عن اللي كنت فيه، بصوت يغالبه البكاء، تحكي "سناء" (اسم مستعار) عن تلك الحياة التي عاشتها قبل 3 سنوات، بعد أن أنهت دراستها بكلية الآداب، بجامعة حلوان، البداية حين عرضت عليها صديقتها اصطحابها إلى ملهي ليلي بشارع الهرم، "كانت بتقولي إنها شغالة في كافيه، وكان معاها فلوس باستمرار"، مارست تلك الفتاة أساليب متنوعة من الإلحاح تارة والضغط تارة أخرى، على" سناء"، وبالفعل لم تستطع صاحبة الـ29 سنة، الصمود أمام هذه الإغراءات، "حياتي كانت صعبة، وكان فيه مشاكل مع أهلي، وماكنش معايا فلوس علشان كدا اضطرت انزل معاها الشغل في الكباريه"، هكذا قالت سناء.

لم تكن بداية العمل في الملهى الليلي سهلة كما كانت تتوقع، بعد شهر من الشغل في الكباريه، "بدأت أجرب كل حاجة، شربت مخدرات، وواحدة معايا في الصالة عملتني شرب الخمرا".

تتذكر سناء تلك الليلة التي عرض عليها صاحب الملهى زيادة مرتبها 500 جنيه، مقابل أن تجلس مع ثري خليجي، "قالي اقعدي معاها، وحاولي بأي شكل خليه يصرف فلوس عليكي"، فهو أحد زبائن المحل المترددين عليه باستمرار في السنوات الأخيرة، "من الليلة دي بدأت طريق تاني غير الشغل في الصالة".

فوجئت "سناء" بأن صديقتها التي ألحت عليها بالعمل في هذا الملهى، تركت العمل، "غابت يومين ورا بعض، وحاولت اتصل بيها مش بترد، وانقطعت عن الشغل"، حاولت "سناء" الوصول إليها في عنوانها بشبرا، ولكن لم تنجح، "عرفت بعدها بأسبوع من واحدة زميلتنا أنها سافرت البلد علشان مرض أمها المفاجئ".

تضيف سناء، أنها بدأت تفكر في الرجوع عن هذا الطريق، فهي تعلم نهايته، وكان لما فعلته صديقتها حدث جلل بالنسبة لها، "أخدتني في طريقها، زي الشيطان، وسابتني لوحدي وراحت تتوب"، كانت الصلاة أول ما فكرت فيه الفتاة التي فارقت أهلها منذ أكثر من سنوات، "بداية كانت بسماع آذان الفجر في رمضان 2016، كنت راجعة من مشوار بالليل، وطول اليوم، عمالة افتكر ذكريات زمان، أوقات ما كنت بصلي الفروض كلها"، حيث قررت بعدها التوقف عن العمل في الملهى، وطلبت النصيحة من شيخ المسجد في الحي التي تسكن فيه بالقاهرة، "روحت أحكي له على اللي حصل كله، وأعرف منه أبدا منين"، كان لرد الشيخ عليها السبب في سرعة العودة إلى ما كانت عليه، "قالي ربك رحمته واسعة، وكلنا بنلغط بس الأهم إننا نندم ونتوب"، وانطلقت الفتاة من المسجد، "حسيت إن ربنا بينادي عليا، وعايزاني ارجع عن اللى كنت فيه"، حسبما تقول "سناء".

يقول مصطفى أحمد من محافظة المنوفية: أنا كنت نصاب وحرامي، والحمد لله توبت، عمرى وقتها كان 22 عاما، كنت أقوم باصطحاب أحد أصدقائي لمطعم شهير وكان بيبقى عليه زحمة كبيرة وكنت أقف في الزحمة أنا وصاحبي وأقول للراجل اني إعطيتك 200 جنيه وعايز ربع فراخ وهات الباقي، الكلام دا في 2009 و2010.

ويضيف: في البداية مكنتش محتاج الفلوس، أنا كنت باعمل كدا من باب الفهلوة وطيش شباب، وكنت باقعد مع أصدقاء سوء فدا يقول أنا سرقت من أبويا مش عارف كام، والتاني يقول أنا سرقت جارنا، وثالث يقول أنا عملت كذا وكذا، وبعدين بدأت انصب كدا على صاحب المطعم الزحمة، وبقى معايا فلوس ومش عارف اعمل بيها إيه.

وتابع لـ"الدستور": الفلوس بقيت معايا وبقيت أكرر الموضوع في حاجات كتيير، لدرجة إني بقيت أخد فلوس من البيت من غير ما يعرفوا، مكنتش بعمل حاجة بالفلوس في البداية، كنت بشتري أكل، العب بلاستشين أنا وصحابي، نخرج نتفسح، بعدين قررت أشرب سجائر كحاجة جديدة، أصرف فيها فلوس وزى صحابي، بعدين بقيت بكذب وكنت وحش أوي، رغم إني كنت بحفظ قرآن وبصلي في الجامع مع والدي، لكن أصحاب السوء أول خطوة لكل حاجة وحشة.

وأردف "أحمد": انتقلت لخطوة جديدة من نوعها، فكرنا نشتري حشيش وبالفعل تم، اشترينا قطعة حشيش صغيرة بـ50 جنيها وروحنا بيت واحد صاحبنا ولفينا سجاير وشربنا، الموضوع كان حلو إننا عملنا حاجة جديدة وخطر، لكن بدأت أفوق لنفسي، والفضل بعد ربنا يرجع لأمي، كانت دايما بتدعيلي، أهلى طيبين أوي، وخلال الفترة دي كنت اشتغلت سواق على عربية رغم إني مدرس، وقررت ترك العربية، واتجهت للتدريس وخطبت وزوجتي هي الجندي المجهول لكل شيء دلوقت، والحمد لله ربنا رزقني بابن اسمه عمر ومبسوط لأني اتعملت حاجات كتير وهحاول انفع بيها نفسي وأولادي، بحيث أكون جنبهم باستمرار، وأنا بطلت كل حاجة وحتى حاليا بعيد عن أصدقاء السوء، فعلا الحمد لله من قلبي.

ويقول س.ع عمره 35 سنة: أسكن بالخانكة محافظة القليوبية، وأعمل في ورشة مع عمي الخاصة بالتبريد والتكييف، بمصر القديمة، وطلبت من عمي بعض مستحقاتي، لكنه امتنع عن إعطائي أي مبالغ وقال لي "ملكش فلوس عندي واعمل اللى تعمله"، ثم عديت الموقف وعمي طلب مني الذهاب لصيانة عدد من مواتير المياه بإحدى شقق الأهالى، وقمت بسرقة المواتير وسرقة بعض متعلقات الشقة.

ويتابع س.ع: اتصل صاحب الشقة بعمي ليخبروه بأني قد سرقت الشقة، فاعتذر لهم عمي واتصل بي لأخبره أني لن أعود بمحتويات الشقة التي سرقتها إلا عندما تعطيني حقي والمبالغ التي لي عندك، وصممت على حقي، وعمي صمم على رأيه بأني ليس لي مبالغ عنده، وبدأت في سرقة الشقق التي اعمل لها صيانة وكله بسبب ظلم عمي.

وأردف س.ع: أثناء سرقتي لإحدى الشقق تم القبض عليا وحكم عليه بالسجن لمدة 3 سنوات، وخرجت من السجن أسوأ من ذي قبل، وبدأت شهرتي بين الناس تتبدل بعد أن كان اسمي الباشمهندس، صار الناس ينادوني بالحرامي، وبدأت في صحبة أصدقاء سوء وبدأت أشرب سجائر وحشيش ومخدرات، وكنت أسرق في أي مكان إلا منطقتي لأن الناس عرفتني، وفي يوم آخر أثناء سرقة أحد المنازل تم القبض عليا أنا ومن معي، وتم الحكم عليا بالسجن لمدة سبع سنوات، خرجت مرة أخرى من السجن، وتزداد بداخلي درجات الانتقام وحب السرقة ثم تزوجت.

ويتابع: رزقني الله ببنت جميلة جدا ولم أهتم أيضا بأسرتي وبدأت تكبر "منه" ودخلت المدرسة، وانا ما زالت أسرق وتم الحكم عليا بالسجن مرة أخرى لمدة 3 سنوات في واقعة سرقة، ثم تم سجني مرة أخرى في قضية مخدرات، وبعد ما خرج كان عمري بنتي "منة" 6 سنوات.

ويضيف: ذات يوم وقعت جريمة قتل بمنطقة المدافن بالقرية واتهمني الناس بالحادث، أنا ومجموعة أخرى، لكن الحمد لله طلعت براءة، وبدأت زوجتي في التجارة الحلال وساعدتني كتير وبدأت أساعدها في الشغل والحمد لله توبت وعرفت إن الله حق، وعندي أسرتي دلوقت والفضل بعد ربنا يرجع لهم.

ويحكي "علي العفيفي"، مواليد محافظة الغربية بقرية ميت حبيش القبلية التابعة لمركز طنطا، أن والده كان يعمل "مأذون" لتلك القرية، اهتم به منذ الصغر، وأقدم على مراعاته وتربيته بالتعليم الأزهري حتى يكون خلفا له، ولكن منذ أن كان طفلا بالمدرسة الابتدائية، بدأ سرقة سندوتشات وأقلام وأغراض أصدقائه، خاصة "إسماعيل ابن العمدة" علn حد قوله، ثم بعد ذلك قطع علاقته بالتعليم نهائيا في الصف الأول الإعدادي، وبمرور الوقت أصبح شابا وامتهن جرائم السرقة فصارت "تجري فى دمه"،غير قادر على الحياة دون ممارسة السرقة ومهارة خفة اليد والنصب، مما جعل والده يستاء منه ويستخدم ضده أساليب عقاب مختلفة، بعد أن كان يحلم له بمستقبل باهر وليس كمسجل خلف الأسوار، فحاول عرضه على أطباء نفسيين وعدد من المشايخ وطالبوه أن يقترب من الله ويقوى إيمانه، لأن الله الوحيد القادر على أن يبعده عن الأعمال الشيطانية، وأعمال السرقة التي لازمته طوال فترة حياته، وهو غير واع بهذه الأفعال وغير قادر على التخلص منها.

يسرد "عفيفي" بداية مشواره مع السرقات وعالم الإجرام، فإن أول سرقة قام بها بعد أن أصبح شابا، كانت خارج قريته، فكانت بقرية تسمى "نواج" التابعة لمحافظة الغربية، والتي كانت حصيلة سرقتها 170 جنيها من عدة محلات، ليبدأ منها رحلة طويلة في عالم الإجرام فقام بزيارات متكررة إلى المنوفية والشرقية وغيرها من المحافظات المختلفة بهدف السرقة، ونفذ أكثر من 5 آلاف عملية سرقة خلال 13 عاما، لم يتم تسجيل عملية سرقة واحدة في صحيفته الجنائية ولم يتم حبسه على ذمة قضية منهم، بالرغم من أنه ضُبط لمرات قليلة أثناء السرقة، ولكن كان في كل مرة يجيد استخدام أساليب استعطاف ضباط الشرطة والمجني عليهم للتصالح والتنازل عن القضايا، قائلا: "كنت حرامي ذكي، وبعمل عبيط لما أتمسك"، بالإضافة إلى فخره بأنه لم يستخدم سلاح أبيض أو ناري، طوال عمليات السرقة التي قام بها، ولم يلجأ إلى مساعدة أي شخص لإتمام عملية منهم، مؤكدًا إلى أن أكبر عملية سرقة كانت حصيلتها مبلغ يتخطي 30 ألف جنية، فكان يسرق في اليوم الواحد 3 أو 4 محلات، مما جعله يشتهر وسط أبناء قريته فأطلقوا عليه "على صاروخ"، لبراعته في السرقة دون أن يترك خلفه دليلًا واحدًا يدينه، وطلب منه أهله الامتناع عن السرقة وجلب المشكلات ويحد من انتشار السمعة السيئة لهم، لكنه في كل مره كان يغفي عن السرقة لأيام قليلة محاولا التوبة، يفشل بعدها ليعود مرة أخرى للسرقة.

ويؤكد "عفيفي" انه لم يشعر بالندم مطلقا على ما فعله، بالعكس كونه سعيد جدا بنفسه، بعد أن تاب عن السرقات، رغم كونه يمر على بعض المحلات الخالية التي يتم سرقتها بسهولة ولكن تغيرت حياته بعد فقدان يديه والتقرب إلى الله بالصلاة والدعاء، وسعيه وراء الخير.