رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الداعيات.. "الدستور" تحاور سيدات اتخذن "الدعوة" منهجًا في رمضان

جريدة الدستور

ما مفهوم الطهارة فى الإسلام؟ هل يجوز الإفطار للمرأة الحامل والمرضع؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة تدور فى عقل كل امرأة ولكنها تصبح ملحة مع اقتراب شهر رمضان من كل عام، وللحصول على الإجابة الصحيحة تلجأ بعضهن للتواصل مع الشيوخ عبر الفضائيات ولكن البعض الآخر يشعر بالحرج فى طرح بعض الأسئلة، وهنا يأتى دور الداعيات اللاتى قررن تنظيم دروس فى الفقة وأحكام الدين طوال شهر رمضان فى المساجد وعبر مواقع التواصل الإجتماعي ليفيدوا غيرهن من النساء.

"الدستور" تواصلت مع بعض الداعيات فى المساجد وداعيات الإنترنت للوقوف على طقوسهن فى الشهر الكريم وكيف ينقلن معارفهم الدينية إلى السيدات من طبقات تعليمية وثقافية مختلفة.


مريم أحمد: نقص أعداد الداعيات أثر على إقبال السيدات على المساجد

عقب صلاة التراويح جلست مريم أحمد 21 سنة وطالبة فى جامعة الأزهر تستعد لإلقاء درسها الديني فى المسجد المجاور لمنزلها بمحافظة الإسكندرية، أعداد السيدات لم تكن كبيرة كما كانت قبل بداية الشهر الكريم، قالت مريم إن الإقبال على الدروس فى شهر رمضان يكون أقل من الأيام العادية نظرًا لضيق الوقت، موضحة أنه بعد صلاة التراويح تكون الساعة قاربت العاشرة وأغلب المترددات على المسجد إما سيدات كبار فى السن أو طالبات فى المدارس والجامعات وكلا النوعين لا يستطيع المكوث فى المسجد أكثر من ذلك.

"أغلب الدروس فى رمضان تكون فى الإحكام الفقهية التى تخص المرأة فتتمحور أغلبها حول الصيام وقضاء الأيام والحيض وغيرها، وفى الأيام العادية غير رمضان نتحدث أيضا عن الأحكام الدينية بصفة عامة وأرد على أسلئلة الحاضرين للدرس"، تابعت مريم حديثها، أعداد الداعيات السيدات الآن قليل جدًا رغم أهمية وجودهن لأن السيدات يخجلن من طرح أسئلة محددة على الشيوخ، بالإضافة إلى أن حلقات الدروس التى تنظمها الداعيات تكون السيدات جالسات مباشرة معها، لكن حلقات الشيوخ تكون فى الجزء المخصص للرجال داخل المسجد وتسمعها السيدات عبر مكبرات للصوت ولا يوجد اتصال مباشر معهم.

وعن تأهيل الداعيات قالت مريم: "أغلب الداعيات الموجودات الآن لسن من خريجي معاهد إعداد الدعاة ولكن أغلبهن درسن فى الأزهر الشريف سواء فى المدارس الازهر أو جامعة الأزهر فأصبح لديهن قدر كبير من المعرفة بأصول الدين وأحكامه"، موضحة أنها قبل أن تبدأ فى إعطاء دروس بالمسجد حضرت عشرات الدروس الدينية وقرأت جيدًا فى الفقة والشريعة.

وتواصل: "قسمت يومي فى رمضان بين تدبير احتياجات منزلى، وبين تحفيظ القرآن للسيدات والأطفال الذين يقبلون عليه فى رمضان أكثر من الشهور العادية"، وتستطرد: "بدأت وأنا فى الـ١٧عامًا فى حفظ القرآن في معاهد العالمين الأزهرية الخاصة، ثم استقليت بالعمل وبدأت فى تدريسه لغيري".

وتوضح مريم مساعدة زوجها لها فتقول: "أحيانا أشعر بالإرهاق من التركيز في احتياجات أسرتي والذهاب إلى منازل الطلاب الذين أدرس لهم القرآن والدروس الدينية وامتحاناتي في الجامعة، ودائمًا يقف زوجي خلفي ويحفزني لأكمل المسيرة ويذكرني بأن كل حرف أعلمه لأي طالب سيكون صدقة جارية لي".

"أغلب دروس تحفيظ القرآن تكون أسعارها رمزية لأنني أسعى من خلال التحفيظ إلى الثواب لذا أترك تحديد المقابل المادي إلى الأسر التى أذهب إليها وغالبا ماتتراوح بين 100 أو 200 جنيه شهريا على حسب عدد الحصص فى الشهر الواحد، علاقتي بهذه الأسر لا تكون مبنية أبدًا على الانتفاع كما يحدث فى الدروس الخصوصية وإنما يجمعنا علاقة ود تستمر حتى بعد إنتهاء الدروس".

وعن قدرة كبار السن على حفظ القرآن قالت مريم إن الأطفال لديهم قدرة على الحفظ والإستيعاب بصورة أسرع فأجلس مع الطفل ساعة واحدة أقرأ له الجزء المخصص وأعيد قراءته أكثر من مرة يكون حفظه بنسبة 70% كما أعلمهم بجانب القرآن الأحاديث وآداب الإسلام، أما كبار السن فأتركهم يقرأون وأصحح لهم الأخطاء فقط وأعلمهم التجويد وليس الحفظ.


منة طارق: ننظم جروب للدعوة والذكر على الواتس آب

دقت عقارب الساعة الواحدة صباحًا فاتجهت منة طارق (20 عامًا) إلى هاتفها وبدأت فى تسجيل وردها اليومي من القرآن وأعقبتها ببعض الأذكار والأدعية، وأرسلت التسجيل لصديقاتها اللائي يجمعهن الجروب يوميًا منذ بداية رمضان وقت صلاة القيام.

منة طارق طالبة جامعية ومحفظة قرآن، قالت في حديثها مع "الدستور": "الوقت فى رمضان ضيق جدًا فبين دروس تحفيظ القرآن التى أعطيها للأطفال والكبار وتدبير احتياجات المنزل يكون اليوم قد قارب على الانتهاء، ولا يكون هناك وقت للدرس الدينية أو تنظيم حلقات الوعظ والذكرفي المسجد، لذا قررت الاستعانة بالتكنولوجيا للتواصل مع أصدقائي وعمل حلقة ذكر عبر الواتس آب".

وتابعت: "أعلنت عبر صفحتى على الفيس بوك عن فكرة الجروب والهدف منه حتى نجمع أكبر عدد من الفتيات والسيدات وبالفعل أنشأت الجروب، موضحة نبدأ يوميًا بقراءة كل منا وردها اليومي في تسجيل صوتي ومعه بعض الأدعية والأذكار ونرسله على الجروب بهدف التأكد من قيام كل شخص في الجروب بالالتزام بورده اليومي المتفق عليه منذ بداية الشهر، وحتى تحصل كل منا على ثواب القراءة والاستماع من تسجيلات الأخريات".

تابعت منة: "بدأت منذ عام واحد فى تحفيظ القرآن للأطفال والكبار فقد تعلمت تجويده من دراستي الأزهرية، وبدأت فى تلقينه لغيري وأركز على ذلك فى شهر رمضان حيث يزداد إقبال السيدات على حفظه وتفسيره وتجويده".

وتواصل الداعية الشابة: "بعض الدروس تكون فى منزل الدارسين وأحيانا من خلال الموبايل، ففى بعض الأوقات إذا لم أستطع الإتفاق مع الدارسين على ساعة محددة نجعل الحصة أون لاين عبر تطبيق الواتس آب أو الماسنجر إذا لم نستطع أن ضبط مواعيدنا".

"مسجد السيدة منزلها فلست فى حاجة للذهاب إلى المسجد من أجل حلقات الذكر أو دروس الفقة، فالميديا فتحت الكثير من الأبواب أمامنا لنعرف ديننا"، تابعت منه حديثها قائلة: "قديما كان لابد أن تذهب السيدة إلى إمام أقرب مسجد لها لتسأله عن فتوى أما الآن فمن خلال الفيس بوك تستطيع أن ترسل سؤالها إلى من تثق فيهم من الشيوخ أو دار الإفتاء وتحصل على الإجابة".

وتابعت البرامج الدينية جعلت لدى أغلب المصريين ثقافة دينية كبيرة، ولكن هناك بعض الأسئلة المتعلقة بأحكام السيدات تريد أن تسمع إجابتها من سيدة مثلها حتى لا تشعر بالحرج، وتتواصل معي بعض السيدات عبر صفحتى الشخصية وترسل لي أسئلة فى بعض الأحكام وأرد على استفسارها".

وتواصل منة: "تدريس القرآن متعة أشعر بها مع الأطفال بصفة خاصة لأن لديهم قدرة على الحفظ والاستيعاب بصورة أفضل بالإضافة إلى روحهم المرحة التى تضفي على الحصة بهجة فالأطفال الذين لم يتعدوا السادسة من عمرهم نطق بعض الحروف لديهم يكون مختلف بطبيعة سنهم فتخرج منهم الكلمات مضحكة".


نعمة: تهرب بدروس الدين من فزع عدم الإنجاب

وجه هادىء، عينان لا تنظران إلا لوجوه الأطفال وأمهاتهم، وجميعهم يتأملون في كتاب الله وبينهن تربعت نعمة محمد، مرتدية جلبابها الأسود، وحجابها السماوي اللون، وسط حلقة من السيدات والأطفال.

تبلغ نعمة أو الشيخة نعمات من العمر أربعون عامًا، إحدى القانطات بمنطقة العمرانية التابعة لمحافظة الجيزة، تخرجت منذ أعوام من كلية الدراسات الإسلامية شعبة لغة عربية، بعدها قررت الخضوع لدراسة المعهد الديني الخاص بمسجد الشيخ فتحي الواقع بجوار منزلها، إذ أنها تلقت دروسًا عدة في معظم الفروع الدينية، حتى أنها أتمت دراستها فيه وكانت متميزة جدًا، فأصبحت تلقي فيه دروس الدين وحلقات القرآن الكريم طوال العام.

"الموضوع مكنش مجرد دراسة أنا هربت فيه من واقع مرير"،هكذا كشفت نعمة، خلال حوارها مع "الدستور"، أنها في ريعان شبابها جابهت مشكلة كبيرة جدًا، إذ أنها بعد زواجها بشهور قلائل، علمت بأنها لن تستطيع أن تصبح أمًا في يوم من الأيام بسبب وجود ورم سرطاني في الرحم ولا بد من عملية لإستئصاله سريعًا.

قالت نعمة، إن الموضوع كان مفزعًا بالنسبة لها ولزوجها؛ إذ أنها كانت في هذا الوقت لازالت عروسًا جديدة حتى علمت بالأمر، مرت بفترة مؤلمة بكل تفاصيلها، فالدموع كانت لاتجف من عيونها، كانت قلبها يعتصر كلما رأت طفلًا يحبو إلى جوار أمه، معلقه "كان جوايا مشاعر أمومة كبيرة".

لم تجد نعمة سبيلًا لإخراج مشاعرها المدفونة تجاه الأطفال والأمهات إلا أن تعلمهم وتوجههم، فقررت أن تخضع لدراسة المعهد، وتميزت حتى تستطيع أن تلقي دروسًا، وتحفظ القرآن، وتقول نعمة: "الأمر كان تحديًا بالنسبة لي وكان نجاحي هو طاقة النور التي التقيت فيها بالأطفال والأمهات، وكرست حياتي لكي أكون لكل منهم أمًا صالحة واعية لدينها ودنياها، والأطفال في أن يكونوا ذرية صالحة"، معقبة: "بقيت بحس أن الكل أولادي".

أما عن دروس الدين، فأوضحت أن الدروس لا تقتصرعلى تعاليم الدين فقط، وإنما طريقة التعامل مع الأولاد، مواكبة التطور القائم في المجتمع، التمسك بالأسس الدينية، قواعد نشأ لأطفال الأسوياء، متابعة "بنحاول نعرف الناس بدينهم ودنياهم وطريقة التعامل مع أولادهم علشان منلاقيش ولاد بيتحرشوا بنت، ولا بنت بتشتتم، ولا زوج بيخون، ولا زوجة تعمل الحرام، درس الدين هو بداية لحياة سليمة".

أضافت نعمة أنها تعطي الدروس بعد الإفطار قبل صلاة العشاء للكبار، الصغار في نهار رمضان بين الظهر والعصر، منوهة أن حلمها تحقق في أن يكون لها أسرة كبيرة منذ أن بدأت تدرس في الحلقات، وأنها لا تتقاضي أي راتب مقابل عملها هذا، وأن الموضوع بأكمله تقوم بها لخدمة الله، والتعويض عن أمومتها التي لت تحظي بها في يوم من الأيام، كما أن الأطفال عادًة ما ينادونها بماما نعمة لتعلقهم الشديد بها.


أمل: دروس الدين على روح والدي

بملامح صعيديه بارزة تكشف عن هويتها التي أخبتها خلف جلبابها الأسود، وخمار رصاصي اللون، أمل محمد، الحاجة أمل كما يدعوها العامة في مسجد أبو زارع، بمنطقة المنيب.

أمل محمد، جاءت إلى القاهرة بعد زواجها من ابن عمها محمد، وارتحلا من محافظة المنيا، بعد أن وجد زوجها عملًا مناسبًا له في إحدى شركات السمسرة العقارية، تخرجت ابنة الخمسين عامًا من جامعة الأزهر، وعملت في مجال التدريس بعدد من معاهدها في المنطقة حتى شعرت بأن الأمر يفوق قدرتها الصحية على التحمل فقررت أن تنهي عملها، وتقدمت طلب إجازة مفتوحة بدون مرتب، وظلت تمكث في المنزل طيلة 10 سنوات، بعدها قررت أن تقدم دروسًا دينية في المسجد المجاور لمنزلها.

"عملت دروس الدين صدقة على روح أبويا"، كلمات لخصت فيها أمل كل معان صدق المشاعر، ودفء عاطفة البنوة التي تشعر بها إتجاها والدها، الذي توفي منذ حوالي 5 أعوام، إذ أنها قررت بعد وفاته أن يكون درس الدين هو صدقتها الجارية لحين وفاتها على روحه، إذ أنها تطلب من جموع الحاضرين قراءة الفاتحة على روحه والدعاء له بالرحمة في بداية أو نهاية كل درس.

قالت أمل إنطيف والدها لم يغب عن ذهنها يومًا، وأنها قررت أن تعلم الأولاد والنساء حتى تكون شفيعة له في قبره؛ فهو من علمها وأنفق عليها طوال مسارها التعليمي، فطالما وقف إلى جوارها وساندها،وعنه تقول: "افتقدته لما مات وفكرت أعمله أيه يكون في مقدرة حالتي المالية ويكون صدقة جارية؟".

تابعت أمل أن وفاة والدها كان نقطة تغير جديدة في حياتها التي تحولت بين ليلة وضحاها إلى بائسة حزينة، فبعد أن كادت تسقط في بئر الألم، إلا أنها أستيقظت على رؤيا في أحد الأيام، رأت فيها والدها يقف أمامها يعطي درسًا دينيًا داخل المسجد التي كانت قد انقطعت عنه خلال هذه الفترة، معلقة " قمت من النوم قررت أرجع أدي الدروس الدينية تاني".

أضافت: "دروس الدين تختصر في نطاق السنة النبوية، والأحاديث الصحيحة، التي يجب أن تكون قد تطرقت إلى ذهن كل مسلم، بنحاول نوصل للناس فكرة التمسك بالسنة علشان نقوم بالشباب والبنات، ونحميهم من فتن المجتمع"، كما أنها كانت ولازالت تحاول أن تقوم بدورها التوعوي لكل الأسر المحيطة بها والأطفال الذين يقطنون حول منزلها.